بعد عشــرة أيام من استعـادة هجـليج ..لجنة وزارة العدل تقف على حجم الدمار وجــمع الأدلة لمقاضاة دولة الجنوب

[JUSTIFY] ٭ عندما كانت عقارب الساعة تشير الى التاسعة صباحاً من يوم الخميس الماضي، كانت الطائرة النوفا التي تقل قرابة الـ «40» من القيادات القانونية والدبلوماسية وتمثل وفداً من وزارة العدل برئاسة وكيل وزارة العدل مولانا عصام الدين عبد القادر، بالاضافة الى مجموعة من الدبلوماسيين من الخارجية بقيادة وكيل وزارة الخارجية السفير رحمة الله عثمان ويرافقهم مجموعة من الاعلاميين، كانت الطائرة تحط بمطار هجليج.
وبدا الجميع متشوقين لرؤية المدينة التي خرجت من أجلها غالبية الشعب السوداني إلى الشارع الأسبوع الماضي، حين أعيدت من الاحتلال الى ارض الوطن، ولبست شوارع الخرطوم حللاً زاهية فرحاً بتحريرها من قوات جنوب السودان الاسبوع الماضي.
وبدا المشهد بعد نزول الوفود الى باحة المطار مشحوناً بالعواطف والترقب لرؤية المدينة، واستقبل مجموعة من الضباط وأفراد من جهاز الامن بالزي العسكري، وفد وزارة العدل والدبلوماسيين بسلام حار وحماس ملحوظ، والاحساس الاول الذي انتاب الجميع عقب الوصول الى المطار والتوغل فيه قليلاً، هو أن هنالك خراباً كبيراً في المدينة، وأن المدينة خالية من المدنيين جراء المواجهات هنالك، كما بدا للجميع أن المدينة مأمنة بشكل كامل من قبل القوات المسلحة والدفاع الشعبي وجهاز الأمن، تلك القوات المتمركزة هنالك، وهي على استعداد تام لرد اي هجوم متوقع على المدينة مرة اخرى، وكان الكل مدججا بالسلاح، والقوات منتشرة بشكل مطمئن ومتحمس للغاية، بينما كان المهندسون السودانيون منهمكين للغاية في إصلاح المنشآت البترولية التي تعرضت إلى خراب كبير وبشكل يوحي بأنه تخريب مخطط متعمد من قوات الجنوب.
وكان الوفد القانوني من وزارة العدل يسعى إلى حصر الخسائر التي تعرضت لها المنشآت البترولية والمنشآت المدنية وممتلكات المواطنين، وذلك بتجميع المواطنين والاستناد الى مجموعة من التقارير من الاجهزة الامنية وتقييمها، استعداداً لمقاضاة دولة الجنوب في المحافل الدولية والاقليمية. وبدأ الوفد جولته التي امتدت لخمس ساعات لحصر الخسائر داخل هجليج بالطواف على محطة الكهرباء بالمدينة التي قال المهندسون إنها تنتج بين 3.5 إلى عشرة ميقاوط، وتمد المدينة والمنشآت البترولية بالكهرباء، وكان برفقة الوفد للشرح مدير جهاز الأمن بهجليج ويدعى محمد زين، وما أن وصل الوفد إلى كهرباء هجليج وشاهد حجم الدمار فيه حتى أبدى وكيل وزارة العدل عصام الدين عبد القادر ورئيس لجنة حصر خسائر هجليج رئيس نيابة أمن الدولة مولانا محمد فريد، حزناً بالغاً، ولم يستطيعا أن يسيطرا على مشاعرهما وكانا يقولان باستمرار «لا حول ولا قوة إلا بالله.. بالله شوفوا الحقد ده»، وكان مدير الجهاز يقول باستمرار «انتو لسع ما شفتو حاجة» في إشارة إلى ان قوات الجنوب أحدثت خسائر اكبر مما بدا لهم في بادئ الأمر. ولفت مدير الجهاز إلى أن تخريب المنشآت البترولية بدأ يوم الخميس، وقال إن قوات الجنوب عندما ادركوا انهم لا يستطيعون الصمود أمام القوات المسلحة وستقهرهم بدأوا في حرق المنشآت، وقال إن ذلك كان بطريقة متعمدة، مبيناً أن القوات الغازية كان معها مهندسون عملاء جاءت بهم الحركة الشعبية لإحداث أكبر ضرر بالمنشآت البترولية، مبيناً أن حرق المنشآت تم عبر أسلاك تم ربطها مع بعضها وتفجيرها في وقت واحد، وتم ربط الأسلاك الكهربائية بطريقة محكمة وعلى مرحلتين، بحيث اذا اخفق احد الاسلاك او انقطع سيشتعل السلك الثاني ولا يتأثر بالانقطاع، ويحدث الانفجار بنفس قوة السلك الاول. وكشف مدير الجهاز خلال شرحه للجنة حصر الخسائر أن المخطط مرسوم بعناية، مشيراً إلى ان المخطط كان يهدف الى تفجير جميع المنشآت، الا انهم لم يجدوا الزمن الكافي بعد أن سارع الجيش السوداني وقهرهم.
وبالتأكيد قارئي الكريم ستشعر بحسرة كبيرة اذا رأيت حجم الدمار التي تم في المنشآت البترولية، وستشعر بحسرة وتردد أنه لا ينبغي أن تكون الحياة بمثل هذا الحقد والخراب. وستشعر بذلك اذا أدركت حجم الدمار الذي لحق مخازن الوقود والمعالجات التشغيلية، وتقع ثلاثة مخازن وقود ضخمة في مكان مجاور لبراميل الوقود التي كانت ممتلئة بالوقود وعددها ثلاثة آلاف برميل حسب شرح المهندسين، وضربت بست طلقات هاون وأحد ذلك خرقاً جعل الوقود يتسرب ويتدفق على الارض بغزارة، وقال لنا أحد المختصين إنها تعرضت الى ست ضربات بالهاون. وبراميل الوقود التي بدا انها فارغة تم حرقها بالكامل وبدا عليها اعوجاج في شكلها.
وفد حصر الخسائر المكون من وزارة العدل بدا حريصا على التدقيق في جميع البيانات، وكان يركز على كل صغيرة وكبيرة، حتى على أزياء جنود الحركة الشعبية التي كانت ملقاة على الارض بكثرة، وطلبت اللجنة من المصور الخاص بالوزارة أن ويوثقها.
ومن ضمن الخسائر الكبيرة التي تعرضت له المنشآت البترولية بهجليج، تخريب الانبوب الرئيس للحقول، وهو يمثل نقطة تجمع للبترول، وقالت السلطات بهجليج إن تخريبه من قبل القوات الغازية جاء بقصد وعناية، وتعرض الانبوب الى خرق بشكل متناسق عبر ثلاثة اتجاهات في الامام والخلف، حتى انه خرج عن العمل بشكل كامل، بينما كان أثر تسرب البترول واضحاً في الوقت الذي كان فيه المهندسون الصينيون منهمكين في اصلاح الانبوب الرئيسي، وقال بعض الموظفين إنهم يبذلون جهوداً قصوى لاصلاح الأنبوب، لاسيما انه الانبوب الرئيس للحقول. واشاروا الى انه عطل بطريقة متعمدة، والفاعلون خبراء في الهندسة البترولية والانابيب.
والذي يتجول قليلاً في هجليج سيشم روائح الجثث من الوهلة الاولى، ورغم اننا وجدنا افراداً من الهلال الاحمر منهكمين في دفن مجموعة من الجثث بلغت اكثر «37» جثة للقوات الغازية، الا انه مازالت هنالك جثث لقوات الجنوب ملقية على طول الشارع الرئيس المؤدي الى الجنوب، وهو الطريق الذي تبدو عليه آثار مواجهات شرسة وتدمير مجموعة من الناقلات كانت على جنبات الطريق مدمرة بشكل كامل. وكانت هناك مجموعة من الهلال الاحمر السوداني منهمكة في دفن الجثث، بينما كانت الطيور التي تأكل الاجسام البشرية تطير على مستوى منخفض بالمدينة، وقال مسؤولون في الهلال الاحمر السوداني الذين يعملون في دفن الجثث انهم بدأوا في دفن الجثث منذ أمس الاول، وقال أحدهم إنهم دفنوا في صباح يوم واحد فقط اكثر من «37» جثة لجنود دولة الجنوب، ويستعدون لدفن الكثير من الجثث في نفس اليوم وخلال الأيام القادمة، مبيناً أن بعض الجثث توجد في أماكن بعيدة، مما يتطلب بحثاً دقيقاً، وقال إنهم سيبدأون في حصر المزيد من الجثث خلال الأيام القادمة.
ورغم أن القانون الدولي الإنساني يعتبر الاعتداء على المنشآت المدنية في الحروب أو نهبها خرقاً للقانون الانساني الدولي ويدين القانون الدولي ذلك بشدة، إلا أن قوات دولة الجنوب لم تكترث لذلك.
مستشفى هجليج الرئيس الذي تم افتتاحه على يد رئيس الجمهورية عمر حسن أحمد البشير ووزير الطاقة والتعدين عوض الجاز حسب ما هو مدون على حجر أساس المستشفى الذي وضع قبل اقل من عشر سنوات، تم تدميره وتحطيم أبوابه ونوافذه، وتعرضت أبواب مخازن الأدوية لكسر خاصة ادوية الجراحة التي تم نهبها بالكامل، وتسبب الخراب والنهب في تعطيل المستشفى عن العمل بالكامل، وقال وكيل وزارة العدل عصام الدين عبد القادر إن آثار الدمار في المستشفى دليل على خرق جنوب السودان للقانون الدولي الانساني باعتدائها على المنشآت المدنية.
ومن المنشآت المدنية التي تم الاضرار بها في هجليج سوق هجليج الذي تم حرقه ايضا بالكامل، وتم حرق كل الدكاكين، وأصبح السوق الذي كان يعج بالنشاط التجاري عندما كان البلدان مستقرين نسبياً، أصبح السوق الن مجرد ارض مسطحة عليها آثار الحريق. وفي داخل السوق وعلي غير المتوقع كان احد التجار يتجول بين حطام دكانه، وهو الأمر الذي جعل وكيل وزارة العدل مولانا عصام الدين عبد القادر يتبادل معه الحديث عن الاضرار التي لحقت بالمدينة، وسألته لجنة حصر خسائر هجليج عما إذا كان يعرف الذي أحرق السوق، فاجاب قائلاً إنه لا يعرف بالضبط الذي احرق السوق، وقال انه فر جراء المواجهات وعاد بعد أن استعادت القوات المسلحة المنطقة.
ولأن هجليج منطقة صناعية وفيها مجموعة من الشركات العاملة في حقول البترول لذلك تكثر فيها الشحانات الكبيرة التي تتفاوت في حجمها. وتعرضت مجموعة من الشاحنات الى تدمير كامل وشبه كامل، وكان بعض الشحانات قد لحق بها الدمار وهي في مقار شركاتها.
وعندما كان وفد القانونيين في هجليج لحصر الخسائر وتجميع البيانات وتهنئة القوات المسلحة، فقد زار الوفد القيادة العسكرية في هجليج والتقى قائد متحرك استعادة هجليج اللواء كمال عبد المعروف الذي استقبل الوفد وكانت تحيط به مجموعة من كبار القيادات. ورحب بالوفد وابدى استعداده لمد وزارة العدل بكل البيانات والادلة لأدانة دولة الجنوب. وطمأن عبد المعروف الشعب السوداني بأن الاحوال مستقرة في المنطقة، وانهم على تم الاستعداد لرد اي هجوم من قبل الجنوب. واكد اللواء كمال أن الحدود مأمنة تأميناً شاملاً عبر طوف امني محكم من قبل الجيش والدفاع الشعبي والمجاهدين، وقال إن لديهم خططاً لرد اي عدوان من دولة الجنوب، وقال إننا نعمل في منطقة التشويش على الحدود الدولية مع الجنوب للتأمين. ووصف اللواء معركة هجليج بالبطولية والنصر العزيز، وقال كمال إنهم كانوا واثقين من استعادة هجليج. واضاف قائلاً إننا خضنا خمس معارك حاسمة، وأكد أن المعركة الحاسمة كانت قبل يومين من تحرير هجليج، وقال: نحن ذكرنا الله والله نصرنا. واشار الى انهم استخدموا وسائل جديدة ولذلك فإنهم كبدوا العدو اكثر من «1020» قتيلاً واكثر من «50» أسيراً و «50» قطعة من العتاد الحربي للعدو، ودخلوا هجليج عنوةً واقتداراً، وأكد معروف أنهم عاملوا الاسرى الذين قبضوا عليهم معاملة حسنة وحسب ما يقتضيه الدين الإسلامي، مبيناً أن أسرى القوات الغازية تم علاجهم وإطعامهم ومعاملتهم بطريقة إنسانية، وقال إن اذاعة بانتيو بدولة الجنوب المجاورة لهجليج أوردت في اخبارها أن اسري دولة الجنوب الذين قبض عليهم تم علاجهم وإطعامهم ومعاملتهم بطريقة انسانية من قبل الجيش السوداني. وعرضت القيادة العسكرية بهجليج مجموعة من الاسلحة والذخائر تم الاستيلاء عليها من قوات الجنوب، وكذلك عدد من العربات مقطوعة الرأس تم الاستيلاء عليها في معارك هجليج، كما عرضت القيادة أسلحة قالت إنها محرمة دولياً تم ضبطها بحوزة قوات العدل والمساواة التي قال قائد تحرير هجليج اللواء كمال معروف إنها شاركت بخمس كتائب، واشتركت في تخريب المنشآت البترولية مع قوات الجنوب.
وبعد أن تلقى وفد وزارة العدل شرحاً وافياً للأوضاع في هجليج وعن الاسرى وجمع أدلة تدين دولة الجنوب، اتجه الوفد الى معسكر الدفاع الشعبي المجاور للقيادة العسكرية في هجليج في المنطقة، وخاطب وكيل وزارة العدل قوات الدفاع الشعبي في المنطقة، وأكد لهم جاهزية القانونيين في البلاد لجلب تعويضات لجميع الاضرار التي تعرض لها السودان جراء احتلال هجليج. وقال رئيس لجنة حصر الخسائر في حديثهم لمقاتلي الدفاع الشعبي إنهم وجدوا دماراً شاملاً للمنشآت وخرقاً لجميع القوانين الدولية. واتهم الجيش الشعبي بخرق القانون الدولي. وتعهد بملاحقتهم في كل الجهات العدلية. وكان وفد وزارة الخارجية الذي ضم أكثر من سبعة من الدبلومسيين برئاسة وكيل وزارة الخارجية رحمة عثمان قد وصل مبكراً الى معسكر الدفاع الشعبي، بعد أن طاف هو الآخر على المنشآت البترولية ووقف على حجم الدمار الذي ألحقته قوات جنوب السودان بمنشآت البترول. وكان وفد الخارجية يعمل هو الآخر على مساعدة لجنة حصر الخسائر وتوثيق الادلة والبراهين استعداداً لتكوين أدلة وبراهين تساعد في مقاضاة دولة جنوب السودان. وخاطب وكيل وزارة الخارجية العشرات من قوات الدفاع الشعبي، وتعهد هو الآخر بتقديم شكوى مكتملة الأدلة بسبب خروقات دولة جنوب السودان، وقال «لو ابرة شالوها أنحنا بنجيبها منهم بالقضاء الدولي والاقليمي»، وأكد رحمة ان الادلة مكتملة لادانة الجنوب في المحافل الدولية والاقليمية، وقال «موضوع هجليج ده مفرغ منه، ومن رأي ليس كمن سمع». واعتبر رحمة التأييد الدولي الذي وجده السودان بعد احتلال هجليج أنموذجاً، وقال: «من زمان كنا بنبحث عن تأييد دولي زي ده».
واللقاء الأخير للوفود القانونية والدبلوماسية كان مع وزير الطاقة والتعدين عوض الجاز الذي قال لنا بعض المهندسين إنه يأتي الى المنطقة بشكل شبه يومي، ويتفقد المنشآت ويحث المهندسين على الإسراع لاصلاح المنشآت، وتحدث عوض الجاز قليلاً مع البعثة الدبلوماسية والقانونية التي أكدت أن الادلة مكتملة، وأنهم سينسقون مع وزارته لاحقاً للاستماع الى تقرير وزارة الطاقة عن الخسائر، وتعهدت البعثة بتسجيل زيارة اخرى خلال هذا الاسبوع لمزيدٍ من الادلة، وذلك لكتابة التقرير النهائي عن الخسائر، وخلق تكييف قانوني لمقاضاة دولة جنوب السودان.
[/JUSTIFY]

الصحافة

Exit mobile version