كنا في المعهد الذي درسنا فيه فنون العمل التلفزيوني من الجنسين ومن كل القارات، والحياة اليومية في أي بلد غربي تجعلك تتعامل مع نساء ورجال من كل صنف وفئة عمرية، ولم أصادف طوال وجودي في لندن فتاة تحرشت بي، او أعارتني مجرد نظرة عابرة، ولم يكن ذلك يحز في نفسي لأنني لم أكن سيئ الظن بهن، ولا أصدق مقولة أنهن يتهاوين أمام كل شاب عربي أو افريقي، وذات أمسية كنت مدعوا لحفل نظمته لجنة التضامن مع شعب جنوب إفريقيا، التي كانت تتألف في معظمها من السود (وكنت أشارك في أنشطتها كما ذكرت في مقال سابق)، وبعد بعض الكلمات القصيرة عزفت الموسيقى وبدأ الرقص.. رقص من نوع يد على الكتف واليد الأخرى “أنت وذوقك”، وكنت أقف في ركن من الصالة وحولي شباب كان من الواضح أنهم لم يكونوا يملكون مؤهلات تقنع أي امرأة بمراقصتهم.. وفجأة وقفت أمامي امرأة سوداء من فصيلة وحيد القرن، وخاطبتني: دانس؟ فقلت لها: ثانك يو.. نسيت أن أقول “نو” قبل “ثانك يو”، ومن ثم اعتبرت عرضها من مقبولا وسحبتني من يدي، حتى صار وجهي على بعد قدم من وجهها، فأصبت بدوار.. كانت اسطوانية الشكل وتفوح من مسامها رائحة خمر مخلوطة برائحة التبغ.. تصنعت الابتسام وقلت لها إنني لا أعرف الرقص ولكنها قالت: نو بروبليم.. سأعلمك الرقص.. قلت لها إنني مسلم، ولكنها نو بروبليمتها مرة أخرى، وطوقتني بذراعيها وغاص رأسي في تل من الشحوم الرجراجة.. رجاء لا تسيء الظن بي وتقول: على مين يا ابوالجعافر.. اعترف انك استسلمت بعد ما قررت عدم إضاعة الفرصة!! أي فرصة؟ بقول لك كانت في حجم وحيد القرن، ولا تعرف مقدمتها من مؤخرتها!! هل هي مقبلة أم مدبرة؟ وتخيل رأسك مدفونا في طفاية سجائر بها بقية من خمر.
لا أعرف لِكم من الوقت جرجرتني، فقد دخلت في غيبوبة لانعدام الأوكسجين، ولحسن حظي توقفت الموسيقى قبل ان أصاب بموت دماغي، ولما تركتني فقدت توازني وسرت مترنحا أصطدم بالناس والأثاث.. كان ذلك يا جماعة حظي من الغزوات النسائية في لندن.. أنا الذي تعرضت للغزو.. أنا الذي كنت الضحية والخاسر.. وبعد تلك التجربة جمدت نشاطي ضد نظام الفصل العنصري الأبيض في جنوب أفريقيا.. كيف أتعاطف مع سود ذلك البلد وسيدة سوداء كادت ان تقتلني باسم الرقص؟
أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com