الثمن الغالي

[ALIGN=CENTER]الثمن الغالي[/ALIGN] مرض الجد في البيت الكبير فجأة، وأصبح واهن البنية، يشكي في كل وقت وحين، فقرر الأبناء والأحفاد عرض أبيهم على الأطباء في مختلف التخصصات لمعرفة أسباب هذا الهزال الذي إعتراه فجأة، قرروا ذلك وهم يقدرون للجد مكانته الإجتماعية، وأنهم يعيشون في كنف بيته الذي إحتواهم جميعا رغم تمدد الأسر على جوانبه.

لكنهم كلما زاروا طبيبا كان يطمئنهم بأن الأمر عادي بسبب الكبر، فالجد قد بلغ السبعين، لكن إستغرابهم أن هذا الوهن قد أصابه فجأة وجعله كالمُقعد لا يتحرك من مرقده إلا مسنودا، بعد أن كان بحيوية عالية ويزور أرحامه بصورة دورية.

لكن إبنه الأكبر قرر فجأة أخذه والده الى أحد المعامل المتخصصة وإجراء فحوصات غير معهوده علية، وكانت المفاجأة التي وقعت على كل أفراد الأسرة كالصاعقة، فقد إكتشفوا أن أباهم مصاب بمرض فقدان المناعة المكتسبة (الإيدز).

تسرب الشك الى نفوسهم، ودخل أبيهم دائرة الشك خاصة حينما أجروا فحصا طبيا ليجدوا أن الخادمة أيضا تحمل فايروس (HIV) ومصابة بالأيدز أيضا، لكن الأب رأى الشك في عيون أبناءه وأحفاده ، فلم يجد إلا أن يذكرهم بأنه رجل لا يقوى على الحركة.

تسلل الشك الى القلوب وحام حول الجد وخادمته التي تقوم بخدمته بصورة مباشرة، خاصة وأنهم في أغلب الأحايين يكونون خارج المنزل طوال الفترة الصباحية ويكون الشيخ بمفرده مع الخادمة.

الجد والخادمة الأثيبوبية مصابان بأخطر مرض عرفته الإنسانية، والمخالطة كانت حتى الأمس عادية، وأصبحت الأسئلة القلقة سيدة الموقف، وخاف الجميع وأصبحت الحياة في البيت الكبير جحيما لا يُطاق، حتى أن البعض فكر في مغادرة البيت حماية لأفراد أسرته من المرض اللعين الذي ساكنهم البيت.

جمع الإبن الأكبر إخوته وقرروا إجراء فحص شامل على كل من يعيش داخل البيت كإجراء إحتياطي يشمل صغيرهم وكبيرهم، بعد ان تحولت حياتهم داخل البيت من جنة الى حالة من الخوف والهلع والشك.

وبالفعل توجهوا جميعا وفي ساعة واحدة الى معمل مشهور بالخرطوم لإجراء أخطر فحص يجرونه في حياتهم، ولما كان الفحص لا تظهر نتائجه في الحال، بل تحتاج الى حوالي عشرة أيام تقريبا.

غادر الكثيرون البيت الكبير مؤقتا، الكل يود أن يجنب أسرته الصغيرة خطورة المخالطة والمرض في البيت الكبير، بينما ظل الذين لا خيار أمامهم يتلفحون الخوف والإنتظار.

ومرت الأيام حالكة على الجميع.. وكل فرد يعيش حالة من الخوف، كثيرون إمتنعوا عن الذهاب الى أعمالهم وجامعاتهم ومدارسهم، إذ لامعنى للحياة في ظل الفزع.. بينما ظلت نظرات الشك تطارد الجد القابع في ركنه القصي.

لكن النتيجة قد ظهرت بعد الإنتظار الطويل، ظهرت النتيجة التي أذهلت الجميع، والتي ربما تغيّر بنيان الأسرة كثيرا، والتي كانت حتى وقت قريب تعتبر من أكثر الأسر تماسكا، والتي تصدعت عند الصدمة الأولى، لكن النتيجة الثانية قد تعمق الجراح وتنسف بل ما بقي فيها .

كانت النتيجة تقول أن جميع أفراد العائلة بكبيرها وصغيرها مصابون بمرض نقص المناعة المكتسبة، نعم أصغر افرادها (حماده) وأكبرها الجد جميعهم مصابون بمرض لعنة العصر.

لم يستطيع الأخ الأكبر مجابهة هول الصدمة وهو أمام الطبيب المختص بالتحليل، وحال علمه بأن كل الذين إجريت لهم الإختبارات مصابون، خار من هول الصدمة وجلس على كرسي بجوار الطبيب وهو لا يقوى حتى على الكلام، فقد ألجمت المفاجأة لسانه، وسارع الطبيب الى إسعافه قبل أن يفقد وعيه .

إستدعي الطبيب بقية ألأخوة وابلغهم الحقيقة المُرة، لكنهم تحاملوا على أنفسهم وتحركوا يجرجرون أذيال الحيرة والحسرة والدهشة، ومن هناك توجهوا فورا الى البيت ليحاصروا الخادمة تحقيقا لتعترف بأنها جاءت من بلدها وهي تحمل المرض .

توجهوا الى مركز الشرطة وفتحوا بلاغا بالحادثة، حيث تولت الشرطة تحقيقاتها مع الخادمة، لتعترف بأنها لم تترك شيئا لم تفعله ليصاب الجميع معها بهذا المرض، جربت أن تستاك بكل فرش الأسنان وهي تدرك أن أسنانها تنزف، وتضع لعابها على أكواب الماء وآنية الطعام وكلما أصيبت كانت تضع بعضا من دمها فيما يأكلون ويشربون.

أصيبوا جميعا بالصدمة لكن بعض فوات الأوان.. لكنهم لم يندموا على شيء أكثر من ندمهم على أنهم إستخدموا هذه الخادمة دون إجراء أي فحوصات طبية عليها ليدفعوا الثمن غاليا، بسبب خطأ بسيط ما كان سيأخذ منهم إلا اليسير .. لكن الثمن الأكبر بعد المرض، كان الشك الذي ساورهم تجاه أبيهم الشيخ الذي قدم لهم كل شيء ولم يستبقى شيئا .

والرسالة هنا لكل من إستخدم خادمة عنده.. هل أجريت لها الفحوصات الطبية اللازمة أم تعاملت مع الأمر بلامبالاة كما الكثيرين ؟؟ لأن هذه الأمراض شائعة وبكثرة لدي الأثيوبيات ومجرد إدخالهنّ بيوتنا دون أن نتخذ الإجراءات الضرورية خطر كبير.. فهل تكون هذه الحادثة كفيلة بأن نتعظ بها ؟؟ أم أنها أيضا ستدخل دائرة اللامبالاة كما الكثير من الحوادث الخطيرة التي سمعناها من قبل.
………………….
ملء السنابل تنحني ببتواضع … والفارغات رؤوسهن شوامخ
………………….

صلاح محمد عبدالدائم شكوكو
shococo@hotmail.com

Exit mobile version