وبالنظر للتطمينات التي بثها الوزير فإنها في موضعها الصحيح، لجهة أن المؤسسة العسكرية السودانية تتمتع بتاريخ طويل مليء بالبطولات والإنجازات وخبرة كبيرة بدأت في عام 1925م، عندما تم تأسيس قوة دفاع السودان نواة الجيش السوداني الحالي، واشتركت في العمليات الحربية في الحرب العالمية الثانية وقاتلت ضد العديد من الدول، ولذلك فالاطمئنان إلى القوات المسلحة ليس محل شك لجهة تمتعها أيضاً بعقيدة قتالية تضع نصب عينيها الدفاع عن الوطن والحفاظ على سيادته ووحدته، ولكن يبدو أن المحاذير تجاه وزير الدفاع، ولذلك جاءت خطوة طرح الثقة عنه بواسطة نواب الوطني بالبرلمان، وقد أكد مستشار الرئيس القيادي بالمؤتمر الوطني إبراهيم أحمد عمر في لقاء سياسي ناقش أحداث هجليج أن استدعاء وزير الدفاع من قبل المجلس الوطني ومجلس الوزراء وقياديي المؤتمر الوطني بشأن الأحداث يأتي إرساءً لمبدأ المحاسبة وقال: «ما في أمر يمشي بغير محاسبة»، وهي إشارة صريحة إلى أن نواب الحزب الحاكم في البرلمان يعتزمون تغيير كابينة القيادة في الوزارة المهمة والحساسة، ولكن إطاحة وزير الدفاع تبدو مهمة عسيرة في هذا التوقيت، بدءاً بالثقة التي يتمتع بها وسط القيادة السياسية، فضلاً عن كونه ظل في المنصب الحكومي سنوات طويلة عدا مغادرته لفترة قليلة للمنصب الوزاري عندما استقال من منصبه وزيراً للداخلية عقب حادثة سقوط بناية جامعة الرباط في يونيو 2005م، ودخل الرجل بعدها في استراحة محارب قصيرة، ليجيء وزيراً للدفاع، الأمر الذي يصعب مهمة إبعاده.
بعض الكتابات الصحفية سبقت خطوة المؤتمر الوطني، وطالبت بإعمال مبدأ المحاسبة، في مقدمتهم رئيس تحرير «الإنتباهة» الأستاذ الصادق الرزيقي الذي قال: «ما حدث في هجليج يدعو الحكومة لإجراء محاسبة صارمة ومراجعة شاملة وبتر كل عضو في جسد السلطة التنفيذية، بعد تحقيق فوري وسريع في أسباب الهجوم على هجليج، بالرغم من توفر كل المعلومات الاستخبارية وتناقل جهات عديدة منها هذه الصحيفة أخبار حشود جيش دولة الجنوب على الحدود بعد هجومين سابقين على هذه المنطقة».
ولعل إجراء الجرح والتعديل تكاد تكون مسألة واجبة واتجاهاً يسنده واقع الحال، إذ أنه طيلة الحرب الطويلة مع الحركة الشعبية وجيشها ظلت مدينة جوبا صاحبة العمق الاستراتيجي والبعد السياسي للجنوب بعيدة المنال لعراب الحركة جون قرنق، بل أن كثيراً من المدن الجنوبية وحتى التي كانت تذهب إلى الحركة كان استردادها لا يأخذ كثيراً من الوقت.
وما حدث كما قال الرزيقي أكبر من كل احتمال وتصوُّر، ولا بد من ثمن غالٍ وجراحة عميقة ومحاسبة كل جهة ذات صلة بما جرى في هذه المنطقة التي ما كان ينبغي أن تكون حمايتُها بهذه الكيفية!!.. لكن مع ذلك فإن البعض قد يرى أن التوقيت غير مناسب لإبعاد عبد الرحيم، لأن القوات المسلحة في جبهة القتال، إلا حيادية المؤسسة العسكرية وقوميتها فوق الأشخاص، فضلاً عن أن وزير الدفاع «جندي» مخلص لثورة الإنقاذ ومشروعها، وذكر ذلك في خطاب استقالته من منصب وزير الداخلية منتصف يونيو 2005م في الفقرة الرابعة: «أخي السيد الرئيس.. أضع هذا الطلب أمامكم اليوم بعد رحلة عمل طويلة تحت قيادتكم الرشيدة، وثق أنني مازلت جندياً وفياً مخلصاً للوطن وثورة الإنقاذ الوطني ورهن إشارتك».[/JUSTIFY]
الانتباهة