من الواقع .. مأساة هند

حمل العم عبد المنعم طفلته ذات الثلاث أعوام وهي تئن من الألم والحمى، وقطع بها مسافة تزيد عن الثلاثين كيلو مترًا قاصداً مستشفى جعفر بن عوف للأطفال حتى تخفف ملائكة الرحمة الحمى عن طفلته اليافعة، فتقرر لهند نقل دم سريع وعاجل فرفض البنك إعطاء الدم إلا بوجود متبرع لهند «الطفلة»، ووالده يتألم بألم ابنته خاصة وأن الفحوصات رفضت له إعطاء دمه لابنته بسبب انخفاض ضغطه وبعد اتصالات سريعة بإفراد اسرته جاء المتبرع ونقل الدم للطفلة الصغيرة ولكن جسمها النحيل لم يستطع استيعاب دم جديد فأصيب تنفسها بالإضراب وتقرر أن يوضع لها جهاز«فانتوليتر» للتنفس ولكن انعدم وجوده في مستشفى الأطفال وكذلك في حوادث الخرطوم والشعب، فأصبح الأب ومرافقوه في رحلة بحث عن هذا الجهاز في مستشفيات الخرطوم العامة منها والخاصة، وفي مستشفى الأطباء طُلب من والد هند وضع مبلغ عشرين ألف جنيه كأمنية على الجهاز المطلوب، فوافق على كتابة شيك للمستشفى ــ مساء الثلاثاء واستلام الجهاز لإنقاذ طفلته ولكن فكرته هذه قوبلت بالرفض، فتوجه لمستشفى شرق النيل ولكنهم اعتذروا عن عدم وجود جهاز من هذا النوع خاص بالأطفال، ووجِّه والد هند بالذهاب لمستشفى رويال كير وطُلب منه دفع ألف جنيه مقابل استخدام الجهاز ووافق على ذلك ولكنه لم يستطع دفع المبلغ، ففي الوقت الذي كان ينتظر فيه والد هند سداد المبلغ فإذا بالهاتف يرن لينقل له رحيل هند إلى رب رحيم كريم، يلطف بعباده ويرحمهم من عذاب أليم.. رحلت هند فجر الأربعاء وتركت والدها يذرف الدموع على سيناريو رحيلها فهو رجل مؤمن بالأقدار ومسلم بأن لكل إنسان أجلاً ولكن الطريقة التي تتعامل بها المرافق الصحية مع المرضى جعلت ألم عبد المنعم على الطاهر أكثر، فالكثير من أطفالنا يموتون بسبب الإهمال والعديد منهم يرحلون بسبب نقص المعدات الطبية في المستشفيات المركزية وغيرهم يموتون لانعدام الضمير المهني الذي يحتم عليهم إنقاذ الأرواح البشرية قبل السعي للمكاسب المادية،رحلت هند إلى ربها لعدم توفر جهاز«فانتوليتر» بمستشفي الخرطوم بشقيها الكبار والأطفال وهذه نقطة يجب أن يقف عندها الأخ وزير الصحة ويسأل عنها باعتباره المسؤول الأول عن توفر مثل هذه الأجهزة في المستشفيات الحكومية حتى لا يصبح المواطن عرضة للمزايدات في مستشفيات «البزنس»، ونرجو أن يلتفت كذلك وزير الصحة إلى المستشفيات الطرفية حتى لا يقطع عبد المنعم وغيره من العباد المسافات البعيدة لإيجاد خدمة العلاج. صحيفة الانتباهة
جعفر باعو
Exit mobile version