ــ يوناس جنوبي.
ً ٭ إذن.. أنت في الجنوب؟
ــ بالطبع أنا في الجنوب.. انقسمت البلاد وأصبح جنوب السودان دولة قائمة بذاتها. وكل الجنوبيين الذين كانوا يعملون في شمال السودان أصبحوا جنوبيين، وبالتالي نحن الآن في دولتنا الجديدة..
٭ حسناً.. دوركم في مجال نشر الدعوة الإسلامية والعمل الدعوي عموماً كان وسيكون ضعيفاً لأنكم كنتم تديرون العمل من الخرطوم وليس من الجنوب؟
ــ الإسلام بوصفه ديناً عاماً لا يخص جهة معينة.. فهو دين عام لكل البشرية، والبشرية متنوعة بثقافاتها ولغاتها وعاداتها وفئاتها، والإسلام في الجنوب ما هو الإسلام في الشمال، ومن يحكم على الاسلام في الجنوب بأنه مثل إسلام الناس في الشمال مخطئ، فالإسلام في الجنوب بظروفه وطبيعته وثقافة الناس الموجودين فيه.. ماشي بالطريقة دي.. ومن يقول إنه كان يُدار من الشمال.. «لا يكمل العبارة».
صحيح المؤسسات الإسلامية كلها في الشمال باعتبار أن الشماليين هم المسؤولون عن الدولة، ومثلما كانوا مسؤولين عن الدولة كانوا مسؤولين عن كل شيء.. وهذا سبب.. لكن الإسلام في الجنوب موجود قبل الاستقلال منذ زمن التركية الاولى.. يعني الإسلام موجود والمسلمون موجودون في الجنوب والمساجد قائمة، والآن الإسلام ماشي والحمد لله، وما في مشكلة في الموضوع ده.
٭ أيضاً يا دكتور يوناس بوصفكم جنوبيين مسلمين لم تكونوا فاعلين في مؤسسات الدولة.. هل كان هذا زهداً منكم في السلطة والعمل العام أم أنه كان زهداً من الحكومة فيكم؟
ــ «يضحك» دولة السودان عندما كانت دولة موحدة أخوانا في السلطة السياسية وفي الأحزاب كلها كانوا يتعاملون مع «القوي» فقط، والقوي هنا بمعنى الشخص الذي يحمل السلاح ويحارب الحكومة المركزية، هذا الشخص يمكن أن توليه الحكومة كل اهتمام وتفعل المستحيل لكسب وده، لكن من يتحدث بلسانه وفكره فقط تعتبره ضعيفاً ولا يجد منها غير التجاهل.. ولعل هذا ما جعل الجنوبيين المسلمين غير موجودين وغير ممثلين في مؤسسات الدولة العليا وغير فاعلين.. والسبب كما قلت لك أن الساسة في الشمال كانوا يتعاملون مع إخوانا الآخرين باعتبارهم الأقوى حسب ظنهم.
٭ هذا كان رأيهم هم فما هو رأيك أنت؟
ــ «يضحك مجدداً» قبل هذا سألت أحد المسؤولين الكبار في الشمال وقلت له لماذا لا تهتمون بالجنوبيين المسلمين وتتعاملون معهم، فقال لي بالحرف الواحد نحن نتعامل مع القوي فقط!!
فلأننا لم نحمل السلاح ضد الحكومة المركزية بوصفنا مسلمين اعتبرتنا ضعفاء ولم تتعامل معنا.. لكن هذا ليس صحيح.
٭ أيضاً الجنوبيون المسلمون دورهم كان غائباً في أية اتفاقيات تعقد بين الحكومات المركزية في الشمال والجنوبيين عامة منذ اتفاق أديس أبابا وحتى اتفاق نيفاشا.. إلى ماذا تعزو ذلك الغياب؟
ــ «يرد بسرعة» أيضاً قد يكون هذا بسبب أننا باعتبارنا مسلمين لم نحمل السلاح ضد الحكومة المركزية في الشمال.. والحكومات تسعى للحوار وتوقيع الاتفاقيات مع الجنوبيين حملة السلاح.. والحكومة المركزية في الخرطوم لم تكن لديها مصلحة مع الجنوبيين المسلمين فمصلحتها مع الجنوبيين غير المسلمين لأنها تعتبرنا في «جيبها» لهذا في اتفاق نيفاشا «ما جابت خبرنا».. صحيح الحكومة اسلامية لكن لم يكن هناك دور للجنوبيين المسلمين على الإطلاق لأن قضية الحكومة لم تكن قضية دين بقدر ما كانت إمكانية أن يكون حكمهم مستقراً وسلطتهم مستقرة.. لهذا اتفقوا مع الطرف المناوئ.
٭ في الفترة الانتقالية كانت هناك حريات وفرصة للعمل الدعوي في الجنوب.. لكنكم لم توظفوا هذه الفرصة لخدمة الدعوة الإسلامية؟
ــ أبداً.. في الجنوب ليست لدينا مشكلة في الدعوة الإسلامية.. منذ التمرد وحتى الآن.. دعوتك ودينك تمارسهما بدون أية مشكلة أو خوف.. بل على العكس ناس المجتمع يدفعوك ويحموك حتى تدعو لدعوتك.. ولهذا لا خوف على الدعوة الإسلامية في الجنوب على الإطلاق.. والمجال مفتوح وحركة نشر الدعوة الإسلامية لن تتأثر بإذن الله.
٭ الآن.. ما هو وضع الدعوة الإسلامية في الجنوب بالضبط.. هل هناك فرصة للعمل الدعوي الإسلامي.. وماذا بشأن حرية العقيدة والتشريع.. وفي القوانين هل حقوق المسلمين بالجنوب مكفولة؟
ــ طبعاً.. لكن الدولة حتى الآن دولة ناشئة لم يتعد عمرها الأشهر.. وتأسيس الدولة ليس عملاً سهلاً ناهيك عن وضع القوانين والحقوق، لكن الشيء المهم أننا بصفتنا جنوبيين من حيث ثقافتنا وأوضاعنا لا يوجد لدينا تعصب ديني.. وأي شخص حر في اختياره.. وداخل الأسرة الواحدة يمكن أن تجدي المسلم والمسيحي والوثني واللا ديني.. يعني أي شخص حر في تدينه، وليست لدينا مشكلة أو عقد في التدين.. والقوانين إذا كانت موجودة ستكون فقط لتنظيم العلاقات بين الناس، أما قضايا الدعوة والتبشير بها فلا مشكلة في هذا.
٭ حتى الآن؟
ــ إلى بكرة وإلى النهاية لن تكون هناك مشكلة بإذن الله.
٭ في الدولة الجديدة أخترتم اللغة الانجليزية لتكون هي اللغة الرئيسية والرسمية.. كيف تنظر لمستقبل اللغة العربية؟
ــ اللغة العربية إذا كانت لغة حية لن تتأثر بأية سياسة أو قانون، واختيار اللغة الانجليزية جاء لأسباب سياسية أكثر منها أسباب واقعية.. وإذا كنت مسؤولاً في الدولة لجعلت اللغة الرسمية هي اللغة العربية بحكم أن الغالبية يتحدثون لغة عربية، وكثير من الجنوبيين كانوا في الشمال.. لكن المشكلات النفسية والعقد عند إخواننا في الحكم هي السبب.. عقدهم تجاه اللغة العربية والعرب عموماً.. لكن لا خوف على اللغة العربية على الإطلاق فهي منتشرة وستظل كذلك.
٭ هل يعني حديثك هذا أن اختيار اللغة الانجليزية قد يكون «مكاواة» أكثر منه شيء موضوعي وواقعي؟
ــ بالضبط كده.. لكن حتى الآن باعتبارهم أناساً مسؤولين في الحكومة فهم يخاطبون المواطنين باللغة العربية.. يعني هي كراهية سياسية مش شيء موضوعي أو واقعي.. ويمكن أن تأتي حكومة أخرى تصحح هذه الأوضاع.
٭ نأمل ذلك.. نسمع عن مساجد تحرق في الجنوب ومضايقات تحدث للمسلمين.. ما مدى صحة هذه الأمور؟
ــ هذه مجرد شائعات وأحاديث لا أساس لها من الصحة.. وأساساً ما في زول يقدر يعمل الحاجات دي في الجنوب، وفي الجنوب أي شخص عنده وضعه الخاص وحريته.. الكجوري لا أحد يتدخل في شؤونه وكذلك المسيحي لا أحد يتدخل في شؤونه، وكذلك المسلم وحتى اللا ديني لا أحد يتدخل في أمر عبادته.. واليهودي كذلك.. يعني أي إنسان باختياره وبمؤسساته، وأي شخص بمعتقداته.. وإذا كان هناك تصرف فردي لا يجوز تعميم الأمر.. لكن لا يوجد عمل جماعي أو منظم.
٭ طيب.. في الحكومة الجديدة للدولة هل تمت مراعاة وجود المسلمين الجنوبيين.. يعني هل أنتم ممثلون في السلطة؟
ــ هذا الأمر يخضع لإرادة الحزب الحاكم.. فالسلطة في يده وعنده أناسه.. ولو هناك مسلمون سوف يأتي بهم، وإذا لم يكن لديه مسلمون لن يأتي بهم.
٭ حسناً.. وددت الآن لو أسألك عن موقفكم بوصفكم مسلمين جنوبيين من قضية الانفصال.. هل كنتم مع وحدة السودان أم دعمتم خيار الانفصال؟
ــ المسلم بطبيعته وحدوي.. ولا يوجد مسلم انفصالي.. فالمسلم يدعو للوحدة ولم الشمل، لكن الظروف السياسية هي التي حكمت هذا الإمر.. والوضع أقرب للرجل الذي يطلق زوجته، وقد يكون غير راغب في طلاقها لكن الظروف هي التي تضطره للطلاق.. وفي النهاية يفترقان.. و..
٭ مقاطعة»: ربما لأن المرأة «نقناقة» أو تريد أن تفرض رأيها على الرجل و…؟
ــ «مقاطعاً بدوره»: بالضبط.. ويمكن أن يكون الرجل هو السبب.. بتاع مشكلات والمرأة تقول ما دايرة تعيش معاه وتطلب الطلاق، فيقول لها خلاص امشي أنت طلقانة.. لكن ربما يكون الزمن كفيلاً بمعالجة الأمور، فتصفو الليالي بعد كدرتها وتلتئم الجراح فيعود الزوجان لبعضهما البعض.
«يضحك».
٭ إذن.. أنت تعتقد بإمكانية ان يعود السودان موحداً مرة أخرى ويعود الجنوب إلى حضن الشمال مجدداً؟!
ــ نعم.. فهذا الجيل الذي ارتكب خطأ الانفصال وفصل السودان جيل يعاني من عقدة نقص.. لكن بالتأكيد سوف تأتي أجيال لاحقة تراعي المصلحة وتجلس مع بعضها البعض ويوحدوا السودان مرة أخرى على أسس جديدة.
ــ في الشمال ما في زول داير وحدة وفي الجنوب برضو ما دايرين وحدة.. يعني حزب المؤتمر الوطني في الشمال لم يكن يريد الوحدة، وكذلك الحركة الشعبية لم تكن ترغب في الوحدة.. والطرفان كانا يريدان الانفصال وسعيا إلى ذلك.. وفي الفترة الانتقالية لم يسع أي منهما لجعل الوحدة خياراً جاذباً.. واشتغل الاثنان للانفصال.. وللأسف تحقق لهما ما يريدانه.
٭ بوصفك جنوبياً يا دكتور هل شعرت في يوماً ما بأنك مواطن درجة ثانية.. أو بأنك شخص مهمش أو غير مرغوب فيك؟
ــ «يسكت قليلاً» التعامل كان يغلب عليه الجانب السياسي أكثر منه الجانب العنصري.. يعني السياسة هي التي كانت تغلب في التعامل.. وبالطبع كان الكثيرون منا يشعرون بالتهميش السياسي.. لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد بعض التمييز بين الناس.. فالتعالي العرقي من بعض إخواننا في السلطة في الشمال كان إشكالية كبيرة أيضاً.. لكن أنا شخصياً لم أكن أهتم بذلك.. فلدي ثقة كبيرة في نفسي، ومن يتعالى عليَّ أعتبره «ناقص عقل ودين»، والحمد لله من فهمي الكبير للدين الإسلامي والمجتمع السوداني أعرف أن السبب في تعامل الناس هؤلاء بالطريقة هذه حتى يغطوا على نقصهم بالتعالي على الآخرين.
٭ ربما.. علاقتك بجماعة أنصار السنة المحمدية في الشمال الآن ما هي على وجه التحديد؟
ــ الدين واحد طبعاً.. وما يجمعنا هو دين واحد..
٭ وهل مازلت عضواً في الجماعة؟
ــ طبعاً مازلت عضواً في الجماعة.
٭ حتى بعد انفصال الجنوب؟
ــ لحدي بكرة.. «يضحك».. لحدي ما أموت حأكون عضواً في جماعة أنصار السنة.
٭ في الجنوب هل هناك أنصار سنة؟
ــ وأنا من وين؟!
٭ أقصد مكاتب ومؤسسات وعضوية؟
ــ لدينا مساجد ومؤسسات والحمد لله. الصحافة
حاورته: صباح أحمد: