وقدم مثالاً للسياسي السوداني العفيف والصادق والمتجرد والنزيه يتقدم النزال والنضال لقد شهده الجميع في تظاهرات المعارضة في شوارع الخرطوم لم يتأخر مطلقاً وإن تخلف الآخرون يكتب لهم بسخريته اللاذعة “حضرنا ولم نجدكم”. وعندما يحين أوان المغانم يتأخر الصفوف ويمارس “الاختفاء” ولا تجد له أثراً، لم يكنز المال والذهب والفضة طيلة حياته وإنما كرسها في جمع محبة الناس واحترامهم وبها يلاقي ربه.
السمة الأساسية لنقد أنه ظل من الساسة السودانيين القلائل الذين مارسوا العمل المعارض بالداخل طيلة المقاومة ولم يركن للجوء للخارج حتى في أحلك الظروف التي كانت حياته فيها مستهدفة باعتباره من ضمن المطلوبين من قبل النظام المايوي لتنفيذ حكم الإعدام عليهم عقب إعدام قيادات الحزب الشيوعي السياسية والمدنية بعد إحباط محاولة الرائد هاشم العطا الانقلابية في يوليو 1971م،وحينما قرر الحزب الشيوعي إعادته مجدداً لباطن الأرض مختفياً منتصف تسعينيات القرن الماضي إبان سنوات حكم الإنقاذ فإن الرجل ظل موجوداً ومستقراً داخل البلاد ممارساً نشاطه السياسي والتنظيمي على عكس ما ظلت تردده بعض الصحف وقتها بأنه في العاصمة الإرترية أسمرا ومتواجداً على مقربة من الحدود السودانية الشرقية.
وصمد الرجل في مخبئه رغم الحرب الدعائية والنفسية العنيفة التي استهدفته إبان فترة اختفائه وتزايد تلك الحملة بصورة ضارية عقب إعلان انقسام حركة حق بقيادة الخاتم عدلان التي تجاوزت حزبه واستهدفت صحته بالقول أنها متدهورة أو قناعته بالإشارة لتراجعه عن أفكاره وهي وقائع ثبت عدم صحتها مطلقاً عقب خروجه العلني بعد التوقيع على اتفاق السلام الشامل في العام 2005م بعد زيارة مدير الأمن حينها اللواء وقتها- صلاح قوش ونائبه اللواء محمد عطا لمكان مخبئه وإبلاغهما له بأنه ليس مطلوباً وبإمكانه ممارسة نشاطه السياسي العلني.
لعل في ضخامة التشييع الذي حظى به الراحل من مختلف الأوساط السياسية والشعبية السودانية يعبر عن رسالة بليغة مفادها أن الشعب السوداني وبمختلف فئاته وفي للأوفياء من أبنائه الذين عملوا بكل تجرد وتفاني من أجله.
الأمر المتفق عليه أن غياب نقد هو خسارة كبيرة للحزب الشيوعي وللحركة السياسية السودانية باعتباره يمثل أحد رموز حكماء الساسة السودانيين كما أن وضعه الحزبي كسكرتير سياسي للحزب الشيوعي يمثل رمزية مهمة في الهيكل التنظيمي للشيوعي، ولعل هذا الأمر هو ما جعل التساؤل المطروح “من يخلف نقد” حيث بدأت الساحة تموج بالعديد من التحليلات والأسماء، إلا أن الأمر الذي أثار الانتباه والقلق هو في التصريح المنسوب لعضو اللجنة المركزية المهندس صديق يوسف والذي كشف فيه عن تقديمه لمقترح بعدم شغل منصب السكرتير السياسي للحزب وتصريف الأمور لحين انعقاد المؤتمر العام السادس العام المقبل.
بدا أن المقترح استند على فرضية منطقية وهي اعتزام الحزب تنظيم مؤتمره العام السادس بعد عام وهو ما يدعو لاستمرار الأوضاع كما هي ولم يغب عن المقترح أيضاً الصعوبات القاسية التي ستقابل السكرتير السياسي الجديد والذي سيظل على الدوام تحت رحمة سيف المقارنة مع نقد، ولكن هذا المقترح أغفل أبعاد أخرى باعتباره يظهر الشيوعي بمظهر عدم القدرة على امتصاص الصدمة وربما يقود لنتيجة ثانية والمتمثلة في تزايد حدة الصراعات الداخلية في ظل ترك مقعد الزعامة والقيادة شاغراً، كما أن الشيوعي في ظل ظروف أشد قسوة من الوضع عقب إعدام سكرتير الحزب عبد الخالق محجوب وتسمية نقد سكرتيراً للحزب ووقتها اعتبر هذا الإعلان بمثابة انتصار وصمود وتجاوز الحزب لصدمة الإعدامات. ولعل تلك المعطيات هي التي ستفرض وستحتم على الحزب الشروع في تسمية قيادي بديل لشغل منصب السكرتير السياسي.
الجزئية الثانية وبذات الحيثيات الموضوعية لإرجاء اختيار سكرتير سياسي جديد للحزب باعتبار أن المؤتمر العام السادس من المقرر انعقاده في العام المقبل، فهو أمر يحفز على الإسراع في هذا الاختيار باعتباره يمنح المؤتمر العام السادس عند انعقاده الفرصة لتقييم أداء السكرتير السياسي البديل.
لكن تبقى النقطة الأساسية الجديرة بالانتباه والتفاؤل خلال الفترة الماضية وسط صفوف الشيوعي عقب رحيل نقد تتمثل في عدم بروز التوجهات الجهوية أو العشائرية التي ابتليت بها عدد كبير من القوى السياسية، وهذا أمر يحسب لصالح الحزب ونجاح كبير في تذويب الفوارق الجهوية والعشائرية بين مكوناته وتشكيلها في إطار قومي.
وبغض النظر عن السؤال “من سيخلف نقد ؟” فإن المطلوب من الشيوعي هو تجاوز هذا الأمر بما يطمئن أنصاره والمتعاطفين معه بأن مؤسسات الحزب العتيقة لا تزال فاعلة ومرنة وقادرة على مواصلة عملها وفق نسقها المؤسسي دون تغيير رغم فداحة وألم الفقد صحيفة السوداني