د. أمين حسن عمر تحدث برؤية سياسية لمثقف ومفكر وصحافي، واقترب حديثه من التحليل عن الرأي السياسي (القاطع)، وبدا متحيزاً لتيار الإصلاح السياسي داخل المؤتمر الوطني، الذي يرفع شعار التجديد والتطور، وتقديم المؤتمر الوطني لمرشح جديد لخلافة البشير، الذي ما لبث يؤكد بين فينة وأخرى رغبة في دواخله بمغادرة كرسي الرئاسة، دون سعي حقيقي لتقديم خليفة له لقيادة الحزب، سواء بالتدريب على ملفات الحكم، أو تقديمه للرأي العام قبل حلول أوان الترشيح.. ولم يتحدث أمين حسن عمر بلهجة السياسي التنفيذي الذي يوثر السلامة والنأي بالنفس.. السير على حافة الهاوية دون حساب احتمالات السقوط في لجة الجب، ود. أمين حسن عمر مثقف ينتمي لمدرسة أهل النظر في الحكم، وهي مدرسة تفقد كل يوم بريقها ونفوذها لصالح مدرسة الفعل، التي يمثل الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع أحد أركانها ومصدر قوتها ومضاء عزمها.. وبدا الفريق عبد الرحيم محمد حسين رافضاً لمبدأ تقرير مصير بقاء البشير في السلطة من عدمه، إلا بإرادة الشعب السوداني، وقرار المؤتمر الوطني.. وقال الفريق عبد الرحيم بعبارات لا ينقصها الجفاف في فصل الصيف: قرار ترشيح البشير لا يملكه البشير ولا أمين حسن عمر الشعب هو من يقرر ومؤسسات المؤتمر الوطني..
إنتهى حديث وزير الدفاع الذي لا يمثل تياراً في المؤتمر الوطني، ولا وزيراً متنفذاً فحسب، فالجنرال عبد الرحيم ورفيق دربه بكري حسن صالح ينظر اليهما الشعب السوداني بانهما يمثلان وهج ثورة الإنقاذ الوطني، ووجهها القومي من خلال احتفاظهما بالبزة العسكرية دون بقية زملائهم من قادة مجلس الثورة، الذين تفرقت بهم الدروب وغشيتهم نوائب الدهر، فاصبحوا في بيوتهم يراقبون من ضفة الأكثرية الصامتة من الشعب السوداني.. وتصريحات الفريق عبد الرحيم محمد حسين التي نقلتها من الدوحة صحيفة الصحافة في عددها الصادر الأربعاء الماضي وضعت حروفاً في سطور الجدل الدائر حول من يتولى قيادة المؤتمر الوطني.. فالبشير سيواجه بضغوط كبيرة من قبل تيارات نافذة في المؤتمر الوطني وخارجه، وسيحظى بسند واسع ودعم كبير من المؤسسات القومية لإعادة ترشيح نفسه لدورة أخيرة، خاصة وقرار المحكمة الجنائية بتوقيفه اسهم في تنامي شعبيته والتعاطف معه، ولا يملك متنفذون في المؤتمر الوطني إلا النظر لتهديد المحكمة الجنائية كمبرر يدفع باتجاه إعادة ترشيح البشير لدورة جديدة.. لكن القضية ليست سهلة- كما يعتقد البعض- والضغوط الدولية ستمضي سراعاً نحو حمل المؤتمر الوطني لتجديد خلاياه الداخلية، وتقديم وجه جديد لمنصب الرئيس.
وجدل البقاء!!
في الوقت الذي آثرت قيادات المؤتمر الوطني النأي بنفسها من مغبة (الولوج) في قضية (الخلافة)، ووراثة الرئاسة في الحزب بدأت الحركة الإسلامية والتي تمثل بتاريخها وروحها عظم المؤتمر الوطني وسنده العقائدي، ووهجه الذي لا ينطفيء، بدأت في إعداد نفسها ونفض الغبار عن جسدها المثقل بالجراحات، لعقد مؤتمرها العام نهايات العام الجاري، وسط ركام كثيف من الدخان العالق، هل تبقى الحركة الإسلامية كياناً باطنياً داخل المؤتمر الوطني أم تنفصل عنه وتستقل بنفسها؟.. وهناك تياران يتبنيان رأيين مختلفين، تيار يرى ضرورة حل الحركة الإسلامية ونقل وظائفها للمؤتمر الوطني، والتيار الآخر يرى ضرورة أن تستمر الحركة الإسلامية ككيان يؤدي وظائف لا يؤديها المؤتمر الوطني، ويرون أن خيار حركة الأخوان في مصر ببقاء كيان حركتهم وتأسيس حزب يكون واجهة للعمل السياسي هو الخيار الأمثل.. ولكن من واقع إعادة تشكيل قيادة المؤتمر الوطني الأخير، فإن الخيار الأول بدأ في النفاذ، وليس أدل على ذلك من الدفع بأمين الاتصال التنظيمي بالحركة الإسلامية (المهندس حامد صديق) ليتولى رئاسة قطاع التنظيم بالمؤتمر الوطني، والدفع بمحمد أحمد حاج ماجد أمين الشؤون الاجتماعية بالحركة الإسلامية ليتولى ذات الأمانة بالمؤتمر الوطني. وبين هذا وذاك ربما يظهر خيار ثالث وهو تأسيس حركة إسلامية جديدة تتمايز عن الحركة الإسلامية الحالية وعن المؤتمر الوطني، ولكنها داعمة لكيان الدولة وللرئيس عمر البشير كرمز للحركة الإسلامية.. ولا يبدو منبر السلام الذي يقوده الطيب مصطفى بعيداً عن حركة إسلامية تتشرنق الآن، وربما ولدت في غضون السنوات القادمة، والحركة الإسلامية لا تبدو قادرة على طرح خيارات في قضية خلافة البشير، ولا تملك القدرة على الجهر بآراء سياسية، رغم أن البشير لا يبدو يضع في كثير من حساباته ثقل الحركة الإسلامية، وحينما سئل في البرنامج التلفزيوني عن مذكرة (الألف أخ)، تباهى الرئيس بكسب المؤتمر الوطني الذي تبلغ عضويته الـ5 ملايين نسمة، والذي يجلس على كرسي السلطة ويخوض الانتخابات يبحث عن التأييد والسند الشعبي بغض النظر عن هوية وبطاقة الداعمين له فهل تلج الحركة الإسلامية حقل الترشيحات وترمي بسهمها لترجيح الخيارات المحدودة، التي أمام المؤتمر الوطني وهي خيارات لا تتعدى التجديد للبشير لدورة جديدة، أو أن يذهب ومعه الجيل القابض على السلطة حالياً بما في ذلك نائبه الأول، ومساعده الأول، وخازن مال الدولة د. عوض الجاز، ليصبح الباب مشرعاً للجيل الثالث من الحركة الإسلامية الذي يمثله أسامة عبد الله، وعلي كرتي، ومصطفى عثمان، وبكري حسن صالح، وعبد الرحيم محمد حسين، وربما كان الخيار للوسطية ما بين الخبرة والشباب، لتذهب الخلافة من حوش بانقا لبادية البطانة، حيث (تميد) النافعاب، وثمة طريق ثالث يجهر بتقديم خيار من دارفور أو كردفان لقطع الطريق أمام (مزايدات) الغرب، ووصم الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني بالجهوية وسيطرة أبناء النهر على حساب سكان البر الشرقي من كسلا ودرديب إلى البر الغربي من الصالحة حتي الطينة!!
آخر لحظةحديث السبت: يوسف عبد المنان