بت الحلال (٢-٦)

[ALIGN=CENTER]بت الحلال (٢-٦)[/ALIGN] [ALIGN=JUSTIFY]اقتربت الصغيرة (سلمى) ذات الوجه البريء والملامح الملائكية من مجلس (الرضية) ومشرفات الدار في فضول طفولي .. وقفت بالقرب من باب مكتب المديرة فالتفتت إليها (الرضية) تتأمل الصغيرة في اعجاب خالطه التحسر والشفقة، تأملت وجهها الباسم الجميل .. ملابسها البالية .. ثم انحدرت ببصرها تتابع ضفيرتي شعرها الطويل المسدلة على جانبي قامتها النحيلة .. نادت إحدى المشرفات على الصغيرة عندما لاحظت اهتمام (الرضية) بها:
تعالي يا سلمى سلمي على الضيوف.
توارت (سلمى) خلف الباب في خجل وظلت تتسلل برأسها لتراقب مجلسهم بين الحين والآخر دون أن تبتعد أو تتجرأ على الدخول .. نادتها (الرضية):
تعالي يا حلوة .. انتي اسمك شنو؟
تقدمت منها الصغيرة في خطوات مترددة .. فتحت (الرضية) ساعديها لتضمها فإذا بها ترمي نفسها داخل حضنها وتحيطها بيديها النحيلتين.
دخلت (سلمى) إلى قلب (الرضية) بنفس سرعة وتلقائية ارتمائها في احضانها، وماهي إلا بضعة أيام حتى اكتملت الإجراءات، وحملت (الرضية) الصغيرة لتعيش معها في كنف حاج (اللمين)، الذي تلقّاها بقبول وصدر منشرح، فلم تكن الصغيرة تشكو من شيء يمنع دخولها إلى القلوب دون استئذان.
جعلت (سلمى) ذات الأربع أعوام، من طبعها الودود المشاغب جواز مرور لدخول مجتمع الحي واسرتي (الرضية) وحاج (اللمين)، فسرعان ما ساقتها شقاوتها وحيويتها وشغبها الطفولي الجميل لتحتل مركز الريسة الزعيمة في ميادين اللعب والجري والتنطيط وسط عيال الحلة، الذين على غير عادة العيال في صراحتهم القاسية لم يقذفوها بحقيقة كونها (لقيطة) والتي سمعوها من أفواه الكبار، رغم أنها بوعيها المبكر وذكائها المميز كانت تعلم بصورة مبهمة أن هناك خللا ما أدى لوجودها في الدار بدلا عن وجودها وسط أسرة بين أم وأب تناديهم (ماما) و(بابا)، كما في مسلسلات الأطفال التي كانت تتابعها بشغف من تلفزيون (الدار) ، لذلك وبحافز من احساسها بحرمانها العاطفي من حنان الأم بالفطرة، كان تلهفها ورغبتها الملحة في محبة وحنان (الرضية) التي منحتها منه الكثير، فهي بدورها كانت في شوق لممارسة الأمومة التي عاشت محرومة منها لسنوات، أما حاج (اللمين) فوجد في رفقتها ضالته، فقد ازاحت عن كاهله ثقل الصمت والوحشة التي عمت ايامه بسبب التقاعد، بعد أن أحيتها وبعثت فيها الروح من جديد بحكايها وانسها البريء، فلم يعد يستطيع الاستغناء عن تأثير وجودها اللطيف على حياته.
دخلت (سلمى) إلى قلوب جميع المعارف والأهل ولم يجدوا حرجا أو ضيق صدر من أن تكون فردا من أفراد الأسرة الممتدة .. لم يقفل أبواب قلبه في وجهها أحد سوى (خديجة) شقيقة حاج (اللمين) الوحيدة، والتي كانت تنظر لها بعين الخوف من أن تستحوذ على ثروة شقيقها أوتشاركهم فيها، فقد كانت ترى أنها وأبنائها ( أولاد الحلال المن ضهر أبوهم) أحق بثروة أخيها من:
(الناس الملقطين .. الما معروف ليهم أصل من فصل) !!
مرت سنوات شبت فيها (سلمى) واستوت صبية حسناء تسحر الألباب، وتقدمت فيها السن بحاج (اللمين) واقعده المرض والكبر، فكانت له نعم البنت البارة لزمت خدمته ورعايته دون كلل أو ملل، ولم تفكر في أن تعيش حياتها كما تفعل الصبيات في سنها ولا أن تشغل عقلها بما تنشغل به الصبايا بفضولهن لاستكشاف عالم الشباب والعلاقات العاطفية .. فرغما عن جمالها الخلاب الذي صار يلفت أنظار الشباب ويجذبهم إليها، إلا أنها في دخيلة نفسها كانت تشعر بأنها لا تمتلك حق أن تَحب وتُحب وتفكر في الزواج كصديقاتها ورفيقاتها من بنات الاسرة .. كانت تعلم بحصافتها التي جعلتها تدرك منذ صباها المبكر حقيقتها ووضعها الشاذ في تلك الأسرة، فقد أحست بأن ما يرغبه منها الشباب في توددهم إليها هو التسلية فقط وليس النهايات الجادة السعيدة.
وهذا ما كان يشغل بال (الرضية) فقد اهمها التفكير في مستقبل (سلمى) وما سيحدث لها إذا ما أصابها أوالحاج لا قدر الله مكروها .. بحثت لها بعيني الأم بين شبان الأسرة عن عريس .. لكنها كانت تعلم في قرارة نفسها بأنها لا يجب أن تخدع بمحبة الاسرة لسلمى، فقبلوها بينهم كان من باب الاحسان والتفضل، ولن يجرؤ أحد منهم على التفكير في زواجها خوفا من العرق الدساس، وان تكون (سلمى) قد ورثت عن أمها المجهولة (جينة) الخطيئة والزلل .. فكم ساء (الرضية) من قبل تهامس نساء العائلة عن جمال (سلمى) الباهر الذي لابد أنها قد ورثته عن أمها .. فـ (الجمال مسحور) ولا شيء أيسر ولا أحلى على قلب (ابليس) من اغواء الجميلات. [/ALIGN]

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

Exit mobile version