يرتادها (العشاق) والرياضيون و(المنتحرون) كباري العاصمة (مهام) أخرى

كثيرة هي الجلسات الودية التي تجمعنا بكبار السن، فدائما ما نفضل الجلوس إليهم لنستفيد من تجاربهم وننقب عما في ذاكرتهم من قصص وذكريات ما زالت عالقة بالذاكرة، ولا زلت أذكر عندما نعتت جدتي يومها جيلنا (بالجافي)..الذي لا يعرف أهله..ويقطع رحمه..وبعدها أخذت تستعرض لي جملة من الذكريات الخالدة والمناسبات التي جمعتهم بأهلنا في (توتي) و(أم درمان)…ولم تنس ان تحدثني عن روعة المشهد أثناء قطعهم النيل بـ(المعدية)…قاطعتها مندهشة (معدية شنو ياحبوبة..والكباري دي ماعاجباك ولا شنو؟)… لتجيبني في غلظة: (الزمن داك ما كان في كباري يابتي)…وبدأت (جدتي) تسرد لب تاريخ ميلاد الكباري بالسودان…وقصة إنشاء أول كبري في مجتمع لم يتعمق بعد في استخدام المركبات وان (الإنجليز) هم من ادخلوا ثقافة (الكباري)… فركبوا كبري الخرطوم بحري وطبقاً لمصادر تاريخية فإن كبري شمبات أنشئ في ستينات القرن الماضي، الجسر الذى يربط بحري بأم درمان الحبيبة ليلغي بذلك دور (المعدية) وللكباري القديمة دلالاتها التاريخية فكبري الزعيم الأزهري سمي كذلك تكريما للزعيم الراحل إسماعيل الأزهري وكان ذلك في عقد سبعينات القرن الماضي.
(1)
و(كبري توتي) لوحة فنية من الطراز الحديث العمل عليها خمس سنوات وقدمت في مارس من2009م، ويعتبر الكبري من المعالم الحضارية إضافة لأهميته المكتسبة من ربط الخرطوم (بتوتي)، وكذلك تركيب كبري (المقرن) بعد استيراده من(الهند) وأنشئت هذه الكباري والجسور لربط مدن العاصمة المثلثة ببعضها البعض، إضافة إلى التخفيف من الازدحام المروري في شوارع العاصمة و(الاهتمام بالملامح الجمالية) هي السمة التي اتصفت بها الكباري الجديدة، والتخطيط لها ضمن مشاريع الكباري التي هي تحت الإنشاء مثل كبري العزوزاب الجديد.
(2)
وعملية (الربط بين المدن) ليست الأهمية الوحيدة وإن كانت هي الأهم باعتبارها (الصفة الرسمية)، فالكباري أصبحت ملاذا لعشاق الهدوء والسياحة والترويح عن النفس وبمعنى أكثر وضوحا ودقة نستطيع أن نطلق على بعضها (كباري العشاق)، فحالة من الانتشاء والحب لا تستطيع أن تخفي معالمها وأنت تلحظ تلك الأيادي الشابة المتشابكة، والهمسات الحنينة وتبادل النظرات التي تحكي عن تلك العواطف ناضجة كانت أم مراهقة، وفي هذا تقول(ل.م): نعم نستمتع بالحب في الجو الجميل ومنظر الماء وتكتمل اللوحة بتناول (الآيس كريم) و(التسالي) وقد تشاهد فيها مهازل تخرجك عن طورك ناتجة من مراهقين يشوهون هذه المشاريع الكبيرة والجميلة.
(5)
ثقافة المشي والنشاط البدني ضعيفة في مجتمعاتنا، ونحن بحاجة إلى نشر هذه الثقافة وتعزيز ممارستها عملياً وبمراجعة الأنشطة البدنية الشائعة التي يمارسها المهتمون باللياقة وتحسين الصحة العامة نجد أن رياضة المشي هي الرياضة المثالية التي تمارس على الكباري وشارع النيل ومحمد الفاتح أحد المولعين برياضة المشي ويبدأها في الصباح الباكر وتلحظ جاهزيته من زيه وحذائه الرياضي حاملا معه حيوية ونشاط متوجها إلى كبري شمبات، ويقول محمد:(أستمتع بالرياضة وأنا أسير على الكبري أقف قليلا لأتأمل منظر النيل وعندما أشعر بالعطش أسرع الخطا لأصل إلى الطرف الآخر من الكبري من جهة أم درمان لأرتوي من (الأزيار)، ووصفها بأن لها طعما آخر).
(6)
(واثق الخطا يمشي ملكا).. المقولة تنطبق على (الزوجة) التي تسير بمحاذاة زوجها تطبيقا لتعليمات الطبيب الذي أوصاها (بالسير) تسهيلا لعملية (الوضوع) فليس هناك منظر أجمل من قطع الكبري في وقت المغيب والاستمتاع باللون الأخضر الرويان لمزارع شمبات وريحة الطين صفاء النيل بالإضافة إلى الوجه الحسن مشيرا إلى زوجته مضيفا أنه عند مقاطعتنا لهم كانا يحلمان بـ(الذرية الصالحة) وهذا المنظر على عكس قصة (ز.خ) تلك الشابة التي تتمشى مع حبيبها وهي مرتبكة ومتخوفة على حد وصفها أن يلمحها أحد إخوتها أو أقاربها، ولذلك تتخذ جميع التدابير اللازمة وفي هذا تقول(إنها ترهق نفسها بالذهاب إلى أبعد كبري عن منطقتها).
(7)
وتأسر ناظريك تلك الألوان الزاهية التي تحتضنها (بوسترات) تعبر عن إعلانات لشركات اتصالات أومشروبات معدنية وغازية وكذلك وكالات السيارات كما أن للكباري أهميتها في العبور بالإنسان من مدينة لأخرى، فكذلك يمكن أن تعبر به من حياة الدنيا بالآخرة وهذه النقطة تحديدا تستحضرك عندما تقرأ (مانشيتات) وتفاصيل في صفحة (الحوادث والجريمة)، لأناس استعانوا بالكباري للتخلص من رهق (الحياة الدنيا) ويمكن أن نذكر جيداً كثيرا من قصص بعض من قفزوا من تلك الكباري واضعين حداً لحياتهم.
(8)
ولا يفوتنا أن نذكر أن كلمة (كبري) ارتبطت بثقافة المخاطبة لدى بعض شرايح المجتمع السوداني، ويتمثل ذلك في الرضا عن عملية البيع والشراء وهوامش أرباح السماسرة، وللكباري أيضا رمزيتها في (الانقلابات العسكرية) وربما هذه النقطة بالتحديد تفسر وجود عناصر الشرطة على أطراف الكباري، ومن المتوقع خلال الفترة القادمة بإذن الله تعالى إنشاء كبار جديدة والأهم من هذا وذاك نأمل من (وزارة التخطيط والتنمية العمرانية) أن تشرع في تأهيل الكباري التي ما زالت تحتفظ بسمتها القديمة.
صحيفة السوداني
الخرطوم: فاطمة خوجلي
Exit mobile version