تصريحات النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه أعلنت مؤخرا بصورة وصفت بالقاطعة انحيازه لـ(الصقور) في أكثر من مرة ، آخرها أمس الاول لدى مخاطبته برنامجا تدريبيا للدعاة بمنسقية الخدمة الوطنية ، بقوله (الحرب الدائرة في جنوب كردفان فرضتها ظروف الدفاع عن السودان وسنخوض هذه الحرب حتى النهاية) وأضاف(لا بد أن يفهم الناس أن هذه الحرب ليست إرادة الدولة ولن نخوضها خوض الجاهلية ولن نخرج عن إطار الدين) ودعا طه إلى مزيد من أواصر الوحدة بين فئات المجتمع السوداني في وقت تتوحد فيه البلدان الغربية في أوروبا ومن قبلها الولايات المتحدة الأميركية ، قاطعاً بعدم ركوع البلاد لقوى الغرب الصهيونية خَاصةً بعد المحاولات الجارية في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان. مطالباً الدعاة باجتثاث شجرة العلمانية التي وصفها بالخبيثة، ولفت إلى أن قوى الغرب والصهيونية زرعت في تربة الأمة الإسلامية العديد من الأفكار الخبيثة بغرض فصل الأجيال عن مصدر قوتها وعزتها..
قساوة العبارات وحدتها التي استخدمها النائب الاول ، كانت مفاجئة للمراقبين بالخرطوم ، لجهة أن الرجل ظل ولفترات طويلة يصب جل جهده مهموماً بالمشاريع الاجتماعية ذات الطابع الخدمي ، راكلاً كرة التصريحات الملتهبة لآخرين .. وهو ما أثار جملة من استفهامات حول العودة المفاجئة بمزاج حاد ..
قد يرى البعض أن الغضبة لخروج الجنوب من الجغرافيا الوطنية كانت سبباً لمحاولة امتصاص ردة الفعل والغضب والاحتقان الجماهيري بتقليل النائب الاول ظهوره في المسرح السياسي ، باعتباره أحد مهندسي نيفاشا التي قادت للانفصال.
ورغماً عن كون التحليل الأخير قد يتبادر الي الذهن إلا أن دوائر العالمين ببواطن الأمور وصفته (بالفطير) باعتبار نيفاشا اتفاقية سلام تم التوقيع عليها بعد الرجوع لمؤسسات الحزب الحاكم ودوائره المختصة، وطبقاً لمقربين من الحزب الحاكم، فالنائب الأول لا يتحمل وزرها اذا تم اعتبار نيفاشا وزراً، بالإضافة الى أن المؤتمر الوطني حرص على مستوى خطابه السياسي ، التأكيد دوماً على أن نيفاشا اتفاقية ذات استحقاقات وأنه ملتزم باستحقاقاتها وتلبية رغبة شعب جنوب السودان، وهو الأمر الذي وصفته الدوائر الدولية بالإيجابي وثمنته الحركة الشعبية باعتبار أن الوطني حزب يتمتع بالشجاعة.. بينما اعتبر نائب الأمين العام للحركة الإسلامية الاستاذ حسن عثمان رزق حديث طه طبيعياً ومتسقاً مع الأوضاع والأحداث بالبلاد وقال لـ(الرأي العام)( خطاب النائب لا جديد فيه ولا يحتاج لتعليق)..
تحليلات أخرى ترفض اعتبار خطاب طه أمس الأول جديداً ، ويؤرخون لأحاديث النائب الأول بغير ما اعتاده منه الناس في خطاباته السياسية، لتاريخ إلغاء الرئيس لما عرف باسم (نيفاشا تو) كاشفاً حينها بعدم وجود خيارات في التعامل مع ما وصف وقتها بالتمرد سوى الحسم والحسم فقط.. ليخرج النائب الأول بعدها بخطاب يعضد توجه الحسم الرئاسي، في اجتماع لمجلس الوزراء يومذاك، وليعلن الرئيس بعدها بأيام قلائل تسمية طه نائباً أول والحاج آدم نائباً له.
مدير مركز الراصد للدراسات والمحلل السياسي د.ياسر أبو اعتبر مجئ خطاب النائب الأول بذات معنى خطاب رئيس الجمهورية على المستوى التعبوي مستوحياً ذات اللغة ، دليلا على اختفاء الخط الفاصل بين ما يعرف بالصقور والحمائم أو مدنيي الحكومة وعسكرييها، حينما تواجه البلاد التحديات والمؤامرات، وقال لـ(الرأي العام)(أهمية الخطاب تتزايد قياساً على الفترة الماضية التي شهدت العديد من المذكرات لمجموعات داخل الحكومة والمؤتمر الوطني تجاه القيادات، وكأن هناك هزة في النظام السياسي، لينسف خطابي الرئيس و نائبه ذلك ، مؤكدين تضامن وتماسك الحكومة ووقوفها على قلب رجل واحد) وأرجع أبو خطاب طه للعمليات والأحداث التي جرت في جنوب كردفان، بهدف دعم الروح المعنوية للقوات المسلحة واستدرك(تركيز طه علي عدم النكوص عن التوجه الاسلامي مهما كانت الدواعي والأسباب والمضي قدماً فيه، يجئ في تناغم مع الإرادة الشعبية في الاحتكام للإسلام كونه الحل لكل القضايا السياسية والاجتماعية والفكرية الثقافية والاقتصادية)..
شبه اجماع تشهده الخرطوم على أن خطاب النائب والرئيس، يجيئان في سياق التعبئة ورفع الروح المعنوية وتأكيد التضامن الشعبي والجماهيري مع القوات المسلحة ، إلا أن ثمة مخاوف من تأثير الخطاب التعبوي ذاك خصوصاً عبر لسان طه على ملف القضايا العالقة والتفاوض حولها، كونه الرجل الداعم للحلول السلمية والتفاوضية أو هكذا الانطباع العام حوله، وهو ما يقلل منه د.ياسر أبو في معرض تشريحه للخطابين وقال(بالعكس فان الخطابات موجهة لأبعد من حدود القضايا العالقة ومن حدود الجبهة الداخلية فقط، لتصل الى تحالف كاودا، وللحركة الشعبية في الجنوب ، وللجنائية التي اختارت توقيت العمليات لإصدار مذكرتها في حق وزير الدفاع الذي يمثل رمزاً عسكرياً للقوات المسلحة، لاستهداف إضعاف روحها المعنوية، لذا كان لابد من التأكيد على أن كل الفروق تنتفي في مواجهة أي استهداف بالتالي فان القضايا العالقة تتراجع أهميتها في مقابل الاستهداف الكلي للسودان).
غض النظر عن مفاجأة الخرطوم أو اندهاشها من خطاب طه، إلا أن الرجل يظل في نظر الكثيرين القادر على تحديد متي يرفع من حدة الخطاب السياسي ومتي (يبرده)، ضارباً بكل التكهنات حول خطواته عرض الحائط مؤكداً في كل مرة يبرز ضباب الخلافات في الحزب الحاكم أنه دوماً رجل الرئيس القوي الي جانب نافع ما يجعل من المنطقي طبقاً للمراقبين أن يكون لكل منهما دوره المرسوم في الساحة السياسية، لكنه دوماً دور مرسوم داخل خارطة الوطني لا خارجها..
ميدانياً ومن الحدود مع دولة الجنوب بجنوب كردفان ، كان لخطاب الرئيس ونائبه أثرهما المعنوي ارتفاعاً على القوات العاملة بجانب القوات المسلحة، وهو ما أكده أمير المجاهدين بقطاع بحر العرب موسى محمد عبد الله بقوله لـ(الرأي العام)(الخطابات مثلت دافعاً داخل القوات المسلحة لتأدية دورها الاساسي) وأضاف( ونحن كقوات خاصة ومجاهدين علي الشريط الحدودي ندرك جيداً حجم رهان القيادة علينا في العمل الي جانب القوات المسلحة ) واستدرك(لكننا بحاجة لإمكانيات خصوصاً وأننا نقوم بواجبنا ودورنا بلا تعليمات محدده ولا نقاتل من أجل سلطة أو مال ، ومع ذلك ثمة إهمال نعاني منه طيلة الفترة الماضية ، وربما كان الخطابان بداية لدعم القوات الشعبية على الحدود ..
[/JUSTIFY] تقرير: عمرو شعبان
صحيفة الراي العام