وزراء الإنقاذ المُعمرون .. شكر الله سعيكم

رغم فتور (اللياقة السياسية) اللافت لبعض وزراء الإنقاذ ممن ظلوا يتنقلون طوال الـ (23) عاماً الفائتة بين وزارة وأخرى، دون أن يشغلوا أياً من الكراسي التي يجلسون عليها بجدارة، إلا أن أولئك الوزراء المحظوظين – فيما يبدو- ظلوا (أساسيين) في تشكيلة الإنقاذ، ولا تطالهم يد التغيير التي تطال البعض الآخر فقط من أجل وضع مساحيق تجميلية على وجه الحكومة القديم ،للتغطية على تساقط أسنانها، بوضع أحمر الشفاه.
وزراء، أصابتهم أمراض ذات صلة بالجلوس الطويل على الكراسي من فرط ما جلسوا عليها، رغم أن كراسي الوزراء غالباً تكون وثيرة. فالبعض قد عمّر في وزارته، أو وزارات أخرى حجزت له مقعداً دائماً في مجلس الوزراء.
التعمير المقصود هنا بالطبع، ليس بمعنى الإنشاء أو البناء، فحظ الوزراء المعمرين من ذلك قليل، وإنما بمعنى الإقامة الدائمة واللا محدودة على مقاعد الوزراء حتى تقدمت بهم السن، كما تقدم بهم الحكم كذلك.
طوال عمر بعض الوزراء في الحكومة، ووجودهم كقاسم مشترك أعظم في الحكومات المختلفة سواء أكانت عريضة أو ضيقة، رشيقة أو مترهلة شكل عامل ضيق للكثيرين من عامة الشعب السوداني، ثم إمتدت حالة الضيق تلك لداخل الحزب الحاكم نفسه الذي بح صوت الشباب الإصلاحيين فيه بضرورة تغيير الوزراء الذين قضوا عشرين عاماً أو يزيد في الحكومة، حتى وإن كان ذلك بآخرين من ذات أعمارهم حسبما قال محمد عبد الله شيخ إدريس ،نائب رئيس المؤتمر الوطني للشؤون التنظيمية السابق بولاية الخرطوم.
شيخ إدريس، قال في حديث لـ (الرأى العام): إن المشكلة مازالت داخل المؤتمر الوطني هى القدرة على التغيير والقابلية لذلك. وتساءل: هل هناك قابلية أن نغير الشخص الذي ظل أكثر من (23) سنة وزيرا أم لا؟ وهل لا يوجد أحسن من هذا الشخص لتولى المناصب؟
ولما كانت هناك أحاديث عن أسباب بقاء بعض الوزراء كل تلك الفترة في مواقعهم، من قبيل أنهم الأكثر دراية بتسيير دولاب الدولة، وأن صعوبة المرحلة تقتضي وجودهم، وأنّ لنا بوزراء بمثل خبراتهم إذا ذهبوا؟ قلل شيخ إدريس من كل ذلك، بل عده نوعاً من ضعف الإيمان قبل أن يشير إلى التغيرات التي تمت في دول مجاورة ،وصعود قيادات لسدة الحكم تسيّر الآن العمل بمهارة ،بينما كان الناس قبل عام واحد يتساءلون (إذ ذهب بن علي مثلاً فمن يستطيع أن يحكم بعده)؟
طول البقاء في الوزارة ليست ظاهرة سودانية فحسب، بل هى ظاهرة غير خافية في كثير من الدول العربية .حيث يبقى الوزراء هناك لعشرات السنين، وفي مصر قبل الثورة مثلاً، كان صفوت الشريف وزيراً للإعلام لما يقارب الثلاثين عاماً ،وهو ما أفرز حالة من الغضب والتململ الذي قاد في النهاية لثورة يخشى الكثيرون الآن من أن تنحرف عن مسارها.
لكن هنالك أكثر من صفوت في السودان فيما يبدو، ولكن في نفس الوقت هنالك أصوات إصلاحية ترى ضرورة أن لا يجدد للشخص في الوزارة لأكثر من دورتين فقط ،وأن لا يتولى من يزيد عمره عن الستين عاماً أى موقع تنفيذي، بينما في واقع الامر نجد عكس ذلك ربما، فحتى الذين ينتقدون (الكنكشة) في العلن، يمارسونها في الواقع. الأمر الذي يجعل كلامهم عن التغيير، ضرباً من (كلام الطير في الباقير) – كما يقولون.
في الأسبوع المنقضى، أقرّ البروفيسور إبراهيم أحمد عمر القيادي بالمؤتمر الوطني ومستشار رئيس الجمهورية في حوار مع صحيفة (الأحداث) بأن حالتي الضجر والتململ التي يشعر بهما البعض سببها بقاء البعض في مواقعهم لفترات طويلة. بينما قال الرئيس البشير نفسه خلال مخاطبته المؤتمر التنشيطى الثالث لقطاع الطلاب بالمؤتمر الوطنى في الفترة الماضية، الشعب السودانى ملول ويحب التغيير وأنهم لم يكونوا يظنون ان الشعب سيصبر عليهم نصف الفترة التي قضوها، ونوه إلى أن حب شعب في التغيير، يكون حباً في التغيير فقط في بعض الأحيان.
وقال مراقبون، إن صعوبة المشكلات التي تواجه البلاد وتعقيداتها تحتاج لأشخاص جدد بفكر جديد لهم القدرة على إدارة الصراع الذي سيشتد على البلاد في المرحلة المقبلة بعد أن أُستهلِكت القيادات القديمة وأعطت كل ما تملك من خبرة وجهد وعلم كان ثمرته في النهاية الواقع الذي لا يسر الآن. فكما هو معلوم، في الدول الديمقراطية لا يجدد للرئيس أكثر من دورتين رئاسيتين لا تتجاوز الثماني أو عشر سنوات على الأكثر. وكذلك الحال بالنسبة للوزراء مهما كان عطاؤهم، لأن التجربة أثبتت أن بإمكان الوزير أن يقدم كل ما يستطيع من خبرات في فترته الأولى، وربما يضيف عليها شيئاً قليلاً في حال تم التمديد له مرة ثانية. أما عدا ذلك فلن يكون بمقدوره أن يضيف شيئاً يذكر وسيكرر ،على الأرجح نفس ، التجربة بطريقة أقل ذكاءً عن سابقتها في كل عام.
ولما كان معظم الوزراء المعمرين في وزارت مهمة، فإن بعض المحللين يرون أن مسألة التكهن بتوجهاتهم وقراراتهم وأعمالهم وحتى أقوالهم باتت مسألة في غاية اليسر لدول الإقليم والعالم الخارجي كذلك، وبالتالي، أصبحوا أرقاماً غير مركبة في معادلات مناوراتهم وخططهم التكتيكية والإستراتيجية. مما يجعل إبعادهم – على كفاءتهم أحياناً- مُصعِباً من تلك المهمة، ويجعلهم يتفرغون للكتابة ربما، وتقييم تجربتهم التي إمتدت لنحو ربع قرن في الوزارة وهو أمرٌ مهم للأجيال القادمة حتى وإن كان من باب تفاديها على الأقل.
مهما يكن من أمر، فلا حاجة فيما يبدو لإيراد أسماء المعمرين من وزراء الإنقاذ، في هذا الموضوع المخصص عنهم، فلا حاجة لأحد بإيراد أسماء باتت معلومة بالضرورة للجميع، بحكم قربها من مطبخ إتخاذ القرار. لكن ثمة حاجة ملحة لإستدعاء ما قاله في وقت سابق ناظر الشكرية، وحكيمها أبو سن عندما سُئَل عن أحد المفتشين الإنجليز، فقال هذه العبارة الموحية: (كويس إلا طوّل)، ولما كان بعض الوزراء قد (طولوا) أكثر من ذلك المفتش الإنجليزي، خاصة وأن أداء بعضهم دونه بكثير، فربما يكون من المناسب القول لهم: (شكر الله سعيكم).
الراي العام
فتح الرحمن شبارقة
Exit mobile version