هـل نكـرر الخطـأ … أخطر سـتة أشهر في تـاريخ السـودان

يذكر الناس أن إنفصال جنوب السودان الذي دخل حيز التنفيذ في يونيو الماضي وسط حشد من الحقد والروح العدائية ،ظلت الحركة الشعبية تشحن بهما الجنوبيين حتى في يوم إحتفالهم الذي شاركهم فيه الرئيس البشير، والذي تعمد فيه باقان أموم أن يستهتر بتلك المشاركة ، يذكر الناس أن الجنوب ومنذ ذلك التاريخ ظل يمارس ضد السودان كل ما من شأنه الإيذاء والإضرار بالبلاد إقتصادياً وعسكرياً وأمنياً،
إنذارمبكر
وقد كانت أفعال وممارسات الجنوب هي جرس إنذار مبكر ومؤشر كافٍ كان يفترض أن يعمل على دفع السودان لترتيب أوضاعه للتعامل المبكر والحاسم مع تشكل دولة عدوة من الطراز الأول. تؤكد كل أفعالها وأقوالها أنها سوف تكون شوكة في خاصرة البلاد ،وأنها سوف تسلم نفسها أداة طيعة ورخيصة لكل أعداء السودان ، وبالتالي كان ينبغي على السودان وبمجرد إعلان قيام هذه الدولة التي لم تحترم أو تقدر الشجاعة والإرادة القوية التي أبدتها الحكومة لإجراء إستفتاء تقرير المصير ،ولم تقدر الثمن الباهظ الذي دفعه السودان مهراً لتحقيق السلام، حيث كان ينبغي على السودان وبعد ممارسات الحركة الشعبية العدائية المعلنة أن يعد الخطط والترتيبات اللازمة لخنق هذه الدولة في مهدها، ودون إمهالها أو منحها أية فسحة من الزمن لإنضاج مخططاتها ضد السودان ، ولكننا وكعادتنا دائماً في التهاون بعامل الوقت وإستخفافنا بعامل الزمن وكعادتنا في التعامل بطيبة ،منحنا هذه الدولة فسحة كافية ليس لترتيب أوضاع شعبها المغلوب على أمره، وإنما لترتيب وإنضاج كل مؤامراتها ضدنا لدرجة الغفلة ، حيث ظل السودان بكرم ساذج يسمح بمرور بترول الجنوب لمدة ستة أشهر مجاناً في أغرب ظاهرة وأبشع خطأ يمكن أن ترتكبه دولة تنظر إلى مصالحها أو دولة تتعامل مع ثوابتها بحزم .
فسحة كافية
، والغريب أن فسحة الأشهر الستة التي منحناها الجنوب من حر مال الشعب السوداني ،كانت في المقابل هي الفسحة التي يحتاجها السودان ويحتاجها إقتصاد السودان لإمتصاص التأثيرات السالبة للإنفصال ،وقد حدث هذا بالفعل حيث إستطاع خلالها السودان ودون أخذ نصيبه من مرور البترول من تسيير وضعه السياسي والإقتصادي دون أية هزات عنيفة رغم ضخامة التأثيرات السالبة التي خلفها إنفصال الجنوب ، وفي ذات الوقت كانت تلك الأشهر الستة هي الفترة المصيرية التي كانت يمكن أن تحدد مصير الجنوب موتاً وحياةً لو إستخدمناها بذكاء وكانت هذه الفترة هي الفترة الذهبية التي كان يمكن للسودان خلالها تمرير كل شروطه ومطلوباته من الجنوب ومن المجتمع الدولي الحريص جداً على إنشاء دولة جنوبية قابلة للحياة والحريص جداً على ألا تتولد دولة جنوبية فاشلة سوف يتحمل وزرها المجتمع الدولي الذي حرض الجنوب والجنوبيين على الإنفصال، والذي سوف يصاب بحرج بالغ أمام الرأي العام العالمي حال فشل هذه الدولة ، ولكن عباقرتنا المتهاونين أضاعوا أخطر وأهم (ستة أشهر) في تاريخ السودان كانت كافية جداً لتجنيب السودان كل المخاطر اللاحقة التي كانت يمكن أن يستهدفنا بها الجنوب مستقبلاً ،وبالتالي كان يمكن للسودان لو أحسن التعامل مع تلك (الستة أشهر) المصيرية في تاريخ جنوب السودان أن يسهم إما في بناء دولة محترمة تلتزم حدودها وتلزم حدود الأدب ،أو إما أن يسهم في وأدها في مهدها وشطبها من الوجود. لأن كل نقاط ضعفها السياسية والأمنية والإقتصادية هي كروت جعلها الله -بقدرته ومشيئته- ملكية خالصة للسودان بنسبة (80%) .ولم يكن لأحد أن يلوم السودان في أية إجراءات عقابية ضد تلك الدولة ، لأن الحركة الشعبية ظلت تقود كل مؤامراتها في العلن وتحت سمع وبصر كل مؤسسات المجتمع الدولي والإقليمي .
الحزم المفقود
بل إنني أجزم لو أننا كنا أحسنا التعامل مع تلك (الستة أشهر) التي أعقبت الإنفصال، والتي أهدرناها سهواً وتبرعنا بها لمن لا يستحق ،لو أننا إستخدمنا فيها الحزم والعزم اللازمين لكانت هذه (الستة أشهر) هي الفترة المصيرية التي كانت يمكن أن تدفع الجنوبيين دفعاً للوحدة مرة أخرى رغم أنف الحركة الشعبية، ورغم أنف أمريكا والصهيونية العالمية، ورغم أنف (منبر السلام العادل) ، ولكن و(يا أسفٍ على لكن) تمكن عباقرتنا من تقديم تلك (الستة أشهر) هدية مجانية إبتلعتها الحركة الشعبية وأصبعها في عين السودان وخنجرها في ظهر الوطن ، ولذلك نعيد الصياح ونكرر الإنذار ونقول: يا معشر الإنس من القائمين على أمر الدولة أن دولة الجنوب مازالت دولة هشة قابلة للإنهيار لا تحتمل أدنى عاصفة يمكن أن تهب عليها رغم الإنتفاخ السرطاني الذي تغذيه الصهيونية والذي تحاول الظهور به ، ولذلك فإن (الستة أشهر) القادمة هي أيضاً لا تقل خطورة عن تلك (الستة أشهر الأولى) التي أشرت لها في صدر هذا المقال ، وبالتالي فإن حكومة السودان لو تعاملت مع الجنوب خلال المرحلة القادمة بنفس تلك الأخطاء وبنفس ذلك الإضطراب، فإن الحكومة تكون قد إرتكبت خطأً سوف يسألها عنه التاريخ وسوف يكون سبةً وعاراً سيلحق بثوبها لن يغفره لها أبداً شعب السودان ، لأن المخطط الماثل الآن يتجه نحو مخطط تدميري كبير وخطير ، ولو لم تحسن الحكومة التعامل معه فإنها تكون قد فرطت تفريطاً كبيراً قد يؤدي إلى تدمير ما بقي من السودان ،وقد يذهب فيه السودان شذر مذر قبل أن تجد حكومتنا أن حدود حكمها لم يعد يتجاوز حدود العاصمة المثلثة، ولذلك مطلوب من الحكومة ومطلوب من حزب المؤتمر الوطني الحاكم أن يعلم أن هذا المخطط الخطير لا يجدي معه التخبط والإرتباك ،ولا تنفع معه سياسة (رزق اليوم باليوم) ولا ينفع معه أنصاف الحلول ولا تنفع معه سياسة المُهادنة وعلى الحكومة أن تعلم أن ما يسمى المجتمع الدولي وعصابة الدول الكبرى المتحكمة في المؤسسات الدولية، تمارس ضدنا سياسة إلهاء وخداع وصرف إنتباه،وهي تتجه إلى مخطط تدميري وحيد هو تفتيت السودان ، ولذلك فإن المطلوب خلال المرحلة القادمة هي تشكيل (مجموعة حرب) لإدارة معركتنا السياسية والإقتصادية بعيداً عن (كتائب المطبعين) الخائفين الذين كادوا يتحولون إلى موظفي علاقات عامة لدى المنظمات الدولية والجاهزين دائماً لتخويف الحكومة من بعبع المنظمات والمجتمع الدولي على الرغم من أن نفس هذا المجتمع الدولي ظل يتفرج برضاء باذخ على كل التجاوزات المعلنة التي ظلت ترتكبها دولة الجنوب ضد السودان ،دون أن تطرف له أو لها عين ، كما يصبح كذلك من واجب السودان خلال المرحلة المقبلة ترك سياسة المهادنة والضعف اللتين ظللنا نمارسهما مع ما يسمى بالمجتمع الدولي الذي لم يقابل في أي يوم من الأيام كل ما قام به السودان بمجرد كلمة شكر بل على العكس ظل السودان رغم تعاونه الكبير مع المجتمع الدولي ،ظل في حالة إتهام دائم مما يتطلب وقفة قوية (تفقع عين المجتمع الدولي) ،وقفة لن يتضرر منها السودان بأي شيء. لأن السودان ظل متهماً بصورة دائمة ومطلوب منه دائماً المزيد من التنازلات حتى تحول حال السودان كحال المغني الذي يردد (في الحالتين أنا ضايع)كما يصبح من واجب السودان البحث عن مفاوضين درسوا جيداً سيرة ونخوة الصحابي الجليل ربعي بن عامر!!.
الراي العام
عبدالهادي عبد الباسط
Exit mobile version