صاحب منزل يضع امرأة أمام خيارين

خريجة المختبرات الطبية ثمنها ألف وخمسمائة جنيه ليست هذه قصة من قصص ألف ليلة وليلة وليست حكاية من نسج خيال الكاتب . ولكنها غصة حقيقية تعترض حلوقنا وتعيدنا مرة اخري لمعمل اختبار ذاتنا السودانية التي نفاخر بها بين الامم ونحن نعتز بسودانيتنا .
صعدت فوق مدارج سلم الصحيفة مبحرة فوق شلالات الدموع التي لم يتبق لها سواها ام البنات هكذا عرفت بنفسها وهي تجلس تجابد الكلمات لتخرج الي السطح علها تخفف عنها حينما عجزت كلماتها اخرجت اوراقها وليتها لم تفعل الورقة الاولي كانت مناشدة في «الصحافة» وتحت عنوان انفاس المساكين وفي مهب الريح في تلك الايام كانت تنتظر ان يتقدم احدهم او احداهن ليرفع عن كاهلها قيمة الدين والا دخلت السجن لم يحدث ذلك وصار السجن علي الابواب الا انها رددت علي مسامعي وبلسان يوسف «السجن احب الي مما يدعوني اليه» .
الورقة الثانية كانت هي وصل الامانة الذي وقعته ملتزمة فيه بسداد متأخرات 3 اشهر لصاحب الملك ومضي زمان تسديده دون الحصول عليه فهي لا تملك سوي 3 بنات ووظيفة بالكاد توفر حق الاكل مما دفع بصاحب الدين بالوصول الي المحكمة التي اصدرت قرارها بالتسديد او السجن .
الى هنا وتبدو الحكاية عادية رجل يطالب بحقه ولكن ما يؤسف له فان الرجل الذي يحمل وثيقة الانتماء لنفس الارض قدم خيارا اخر من اجل تجاوز دينه واعفائه فقد طالب بالزواج من ابنتها في مقابل بقائها حرة طليقة . ومع استمرار عبراتها واصلت وهي تقول ان الرجل الذي كانت تجمعه معرفة سابقة بزوجها الراحل كان قد منحها المنزل لتسكن فيه في منطقة الشقيلاب بعد ان رحلت من منزلها السابق بالشجرة وعندما عجزت عن الدفع استأجرت منزلا الان في منطقة الكلاكلة القطعية فهو اب لخمسة اطفال قد يماثلون ابنتها في العمر وهو مصر علي خطوته وانه سيأتي بالمهر والشيلة يوم الجمعة .
لو اقضي باقي عمري في السجن ان شاء الله بس العرس ده ما يتم هكذا رددت العبارة قبل ان تضيف وقد اغلقت كل الابواب امامها لكن كيف وانا لا امتلك القروش التي ادفعها له . وما يؤسف له ان البنت موافقة علي العرس ليست قناعة وانما اختيارا لولوج السجن بديلة لي وانا واثقة وبقلب الام ان البنت ما عاوزاه لكن ما باليد حيلة .
«البت مقابل الدين» تلك هي النظرية الاساسية التي تخرج من بين دموع الحكاية التي شهدتها صالة الصحافة امس ومعها عجز ام عن الحفاظ علي فلذة كبدها التي استثمرت فيها ووضعت فيها كل امالها وهي الان تقضي الخدمة الوطنية في احدى مستشفيات العاصمة في انتظار وظيفتها ولم تكن الطبيبة وحدها من تدفع فاتورة الفقر وانما معها شقيقتها الاخري التي قامت بتجميد عامها الدراسي الاخير في كلية الاعلام لضيق ذات اليد ومثلها كثيرات الا ان الجديد في الامر هو تلك الحكاية التي كتب سيناريوها الفقر وبطلها ذلك الرجل ومعه السيدة التي تعيد حكاية من اجل بناتي .
تري ماذا نحن فاعلون ؟؟ الاستفهامات اطلقتها دموع السيدة وهي تنتظر اخو البنات او ابوهن من اجل دفع مليون ونصف من الجنيهات . الا ان سؤالا اخر يطرح نفسه :الي هذا الحد وصلنا نحن ؟؟
في انتظار الجمعة التي سيأتي العريس فيها حاملا شيلته او يأتي اخر من ابناء بلدي من الذين يطلقون عليهم «شيال الحمول دخرينا» الذي يشيل من ام البنات احزانها ويعيد العروس الي مستشفاها تعالج المرضي وان كنا ننتظر من يعالج امراض المجتمع وما اكثرها .
الخرطوم « الصحافة
Exit mobile version