ولكن قبل أن ينفصل جنوب السودان استقلاله قام ديفيد برحلات خطيرة مع جون قرنق حيث كان يعد له الطعام لدى أية محطة. وقد حصل على الوظيفة الاستثنائية بعد أن أعد ما سماه بـ”الطعام الشهي” لقرنق في فندقٍ كيني كان يعمل فيه. لقد بعث الرجل ذو اللحية الكثة مستشاريه ليرتبوا اجتماعاً حيث قال ديفيد: (لم أكن أعرفه وكان عليَّ أن أسأله إذ أجابني بالقول “أنا متمرد في جنوب السودان”)، وقد تغلب ديفيد على مخاوفه ووافق على العمل مع قرنق الذي ليس له معه شيء سوى ذكرياتٍ أثيرة إذ يقول عنه: (كان رجلاً عبقرياً وشخصاً رائعاً وحازماً وكان يحب الضحك مع الناس ويحب المزاح. وكنت أنصحه بأكل الخضروات لكيلا يُصاب بالنقرس، وقلت له: “أنت شخص ذو رؤية عظيمة ويجب أن تأكل الأشياء التي لن تشلَّ رجليك” وقد ردَّ عليَّ قائلاً: “هذا شيء جميل وهل أنت طبيب؟” فقلت له: “نعم أنا طبيب الغذاء”.
لقد تعلم هذا الطباخ الكيني أن يطبخ الأطعمة الجنوبية الشهية مثل البامية من خلال مشاهدته للنساء الجنوبيات وهن يطبخنها. ويقول ديفيد أيضاً إن قرنق كان يحب السبانخ وبعض الصحاف الغربية، وكان يحمل حقيبة زعيم التمرد فضلاً عن الأعشاب والتوابل التي يريد طبخها. لقد كان لهذه المهام غير العادية لحظاتها العصبية إذ يقول ديفيد: (بالطبع يكون لديك أحياناً توتر، فأنا لست عسكرياً ولكني اعتدت أضع إلهي أمامي لأنه يمكن مهاجمتنا. وكان قرنق يقول لي “لا تقلق فلديَّ جنود كفاية”، ولذا اعتدت أن اتحرك معه). لم يكن الطبخ في بعض المواقع البدائية أمراً سهلاً إذ يقول ديفيد: (لديَّ الآن مطبخ ولكن اعتدت في الماضي أن أطبخ تحت الأشجار، لقد اعتدت أن أحمل مواد الطعام وأنا عائد من كينيا بل أخذت حتى لبن البودرة إلى أمريكا لأن ذلك هو ما اعتاد عليه قرنق). واعتاد ديفيد أيضاً على نقل الفراخ في صناديق من الثلج من كينيا حيث تبقى لمدة يوم أو يومين في حرارة جنوب السودان الرطبة.
وقد سبب موت قرنق في تحطم طائرة حيرة للكثيرين وحزناً عظيماً لديفيد أونسير الذي يقول عنه: (كان مثل والدي لذا عندما مات شعرت بالعزلة والمرارة وقمت بحلق شعري حداداً عليه).
واضاف أن رؤية قرنق كانت هي إعادة تشكيل السودان لا الانفصال عنه حيث تحدث عن بلاد حرة تُحتمل فيها الاختلافات، إذن كيف يرى طباخ قرنق السابق شعور قرنق حيال الدولة الجديدة؟ فنجده يقول: (حيثما كان قرنق الآن يمكن له أن يرى أن ما كان يتحدث عنه قد تحقق وأن الناس يستمتعون بثمار الاستقلال). إن الحياة بالنسبة لديفيد أوسنير أصبحت لائقة أيضاً فهو الآن الطباخ الرئيس في فندق لوقالي، ومثلما يحاول جنوب السودان أن يهجر أعوام الحرب نجده هو يستمتع بفوائد السلام بوجود مطبخٍ نظيف ومرتب ترتيباً جيداً وعليه سقف. [/JUSTIFY]
الصحافة