أسرع توظيف في التاريخ

[ALIGN=CENTER]أسرع توظيف في التاريخ [/ALIGN] رغم استمتاعي التام بالدراسة الجامعية، فإنني كنت في لهفة على التخرج ودخول الحياة العملية، لأنال الاستقلال الاقتصادي، ولم يكن هناك خريج يعاني البطالة أكثر من 6 أشهر بعد التخرج، وكان خريجو كل دفعة يتسلمون شهاداتهم في حفل جماهيري مهيب بحضور آلاف الأقارب والأحباب يقام في أحد ميداني كرة القدم بالجامعة، بعد شهور من مغادرتهم الجامعة بحيث يأتون الى الحفل وجيوبهم مليانة بعد تسلم رواتب عدة أشهر، وكان التقليد الثابت هو أن يصطحب الخريج أصدقاءه من الدفعات التي ما تزال تتلقى الدراسة للعشاء واللهو على نفقته، ثم يعطي كلا منهم ما تيسر من كاش لتأكيد أنه صار موظفا “فنجريا”.
كان من عادتي أن استعد للامتحانات قبل مواعيدها بنحو شهرين او ثلاثة على الأقل، بحيث لا أعرض نفسي لأي ضغط عصبي أو نفسي ليلة الامتحان، التي كنت أفضل قضاء جزء منها في دار للسينما ثم النوم المبكر، ولهذا لم تكن الامتحانات ترعبني قط، وإن كنت لا أحب أجواءها الكئيبة، حتى في المواد التي كنت ضعيفا فيها كنت أدخل قاعة الامتحانات متماسكا رابط الجأش بمنطق “عملت اللي عليك والباقي على الله”، وأورثت فلسفتي تلك لعيالي: ذاكر دروسك جيدا واجلس للامتحان وانت مقتنع بأنك لم تقصر في الاستعداد له وبعدها ليحصل ما يحصل.. فالامتحان مثل البطيخة لا تعرف محتواه إلا بعد “الفتح”، ولا جدوى من اللطم والبكاء إذا طلعت البطيخة بيضاء! صح؟
كنت أقيم في السنة النهائية في الطابق الأول من داخلية بحر الجبل، بالقرب من قاعة الطعام الرئيسية ونادي الطلبة وحوض السباحة المركزي، وبعد انتهاء آخر امتحان، توجهت الى غرفتي وغسلت وجهي بماء بارد متكئا على الحوض من دون النظر في المرآة، وأحسست أن الماء غسل عني عبء سنوات طوال من الدارسة والبهدلة والضرب وجدول الضرب… أغمضت عيني، وأحسست براحة عجيبة وكأنما صخرة ضخمة كانت جاثمة على صدري هوت بعيدا عني وخرجت من التجربة معافى.. وعندما فتحت عيني وجدت الحوض مكتسيا لونا أحمر.. كان الدم ينزل من أنفي بغزارة، ولكنني لم أجزع لأن جسمي كان في حالة استرخاء تام وراودني احساس او اقتناع بان الدم ذاك جزء من عبء سنوات الدراسة يتخلص منه جسمي.. ثم خلعت قميصي الذي كان ملطخا بالدم وضغطت به على أنفي فتوقف الرعاف، وتخلصت من القميص ثم ارتديت قميصا نظيفا وتوجهت نحو وزارة التربية التي كانت تتاخم السكن الطلابي المعروف بالبركس وذهبت الى إدارة التعليم الثانوي وقلت لهم: أنا خلصت الدراسة الجامعية قبل شوية ومتخصص في اللغة الانجليزية واريد العمل مدرسا.. قالوا: مرحبا.. اسمك؟ بلدك/ قريتك/ مدينتك.. وغادرت الإدارة بعد ان طلبوا مني إحضار نسخة من الشهادة بعد ظهور النتائج.. غادرتها مدرسا.. يعني دخلت الحياة العملية بعد آخر امتحان بنحو ثلاث ساعات.. كانت الوظائف في مختلف القطاعات متاحة بالهبل ولكنني كنت راغبا في التدريس، وكانت المفاجأة السارة هي أنني سأتقاضى راتب نحو 3 أشهر من دون ان امارس أي عمل، وكل ما كان مطلوبا مني بعدها هو متابعة توزيع المعلمين على المدارس في الإذاعة في أواخر يونيو.. وعندما تسلمت النتيجة توجهت الى الوزارة لتقديم نسخة منها الى إدارة التعليم الثانوي وهناك التقيت استاذي عمر حسن مدثر الشهير بعمر ماث لأنه كان بارعا في علم الماث (الرياضيات) وكان مشرفا على داخلية ابو قرجة التي كنت اقيم فيها في مدرسة وادي سيدنا الثانوية وسألني: إيه اللي جابك هنا، فقلت له: بقينا زملاء.. ولم يفهم، فشرحت له انني صرت مدرسا، فصاح: حيوان.. غبي.. امشي من وشي (وجهي).. لو صمدت في الشغلانة دي سنتين أحلق شنبي! فقلت له: خسرت الرهان يا استاذي سلفا لأن شنبك محلوق على الدوام… الله يرحمك يا عمر اللماح الفطن ذو اللسان اللاذع الحلو.

أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com

Exit mobile version