قوش .. العودة بالبوابة الجنوبية!!

ابتعادي عن العمل العام لأسباب موضوعية سأفصح عنها في وقتها .. عبارة القى بها الفريق أول مهندس صلاح عبد الله قوش في احدى مناسبات التكريم الاجتماعية التي دشنت عودته للأضواء، مبرراً بها اختفاؤه لزهاء تسعة اشهر إلا قليلاً بعد قرار إقالته المثير للجدل في 28 أبريل 2011م.. قوش لم تمض على عبارته تلك ثماني وأربعون ساعة، إلا وطل خفيةً في لقاء تفاكري جمعه ولفيفا من الناشطين بمساعد رئيس الجمهورية عبد الرحمن الصادق المهدي مسؤول ملف الجنوب، واضعاً بصمته في ذلك اللقاء بكلمات إستقرت اليوم التالي على قصرها في مواقع بارزة من صحف الخرطوم.
مراقبون، يرون أن المفاجأة لم تكن في ظهور قوش نفسه، ولكن في تعليقه بأن المساحات أمامه مفتوحة وان الكثير من الدعوات وجهت له لكنه يلبي ما يختاره، ما فسره الكثيرون على أنها رسالة عن أن اختفاءه لم يكن قسراً وإنما بمحض إرادته، تزامن بروز الرجل وتسريبات ترجح لعودته متوهطاً لدولاب العمل التنفيذي بالدولة، الأمر الذي لم يستبعده المراقبون خصوصاً وأن قيادات الدولة والوطني سارعت بعد قرار الإقالة آنذاك لرفض اتهام الرجل بـ(شق عصا الطاعة) والخروج على السلطان.. ويبدو أن قوش وقتها أدرك خطورة الاتهام فظل يردد ومنذ قرار إقالته ذاك، بأنه سيظل جندياً مخلصاً للمؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، ليجدد دفاعه عن حزبه مرة أخرى في لقائه مع مساعد الرئيس برفض تحميل الإنقاذ مسؤولية الانفصال..
المؤتمر الوطني من جانبه، لم يسع لنفي تسريبات عودة قوش لتولي منصب في أمانات المؤتمر الوطني على خلفية اجتماع المكتب القيادي للحزب الأربعاء الماضي ناقش خلالها مقترحات لإعادة هيكلة التنظيم، وربما لم يسع لذلك من باب (نفي النفي إثبات).
وغض النظر عن غياب معلومات مؤكدة حول قدوم الرجل الذي خابت توقعات سابقة بعودته في مواقع وزارية وولائية متقدمة، فقد أدخل السؤال حوله الكثيرين في صمت مريب، إلا أن لصيقين به أكدوا لـ(الرأي العام) أن ما فتح شهية الرجل للظهور من جديد في عمل عام، كون اللقاء بمساعد الرئيس الشاب يرتبط بملف الجنوب الذي يتمتع فيه قوش نفسه بتجربة توصف بالكبيرة، مستدلين بالفترة الطويلة التي قضاها كأحد المفاوضين بنيفاشا، قبل حزم حقائبه ذات صباح مغادراً قبيل يوم واحد من توقيع اتفاق الترتيبات الأمنية، متحفظاً على وضع الجيش الشعبي في المناطق الثلاث جنوب كردفان والنيل الأزرق وآبيي، لتأتي الأيام بما تخوف منه الرجل..
الرجل ذو الخمسة وخمسون عاماً، يعده البعض من القلائل المتمتعين بالخبرة في القضايا ذات الطابع (السياسي/ الأمني) ومن الخبراء الاستراتيجيين، خصوصاً فيما يتعلق بالعلاقة بجنوب السودان، الأمر الذي دفع بعلامات الاستفهام لتتقافز حول إمكانية عودته من بوابة الجنوب كذراع أيمن يعتمد عليها مساعد الرئيس عبد الرحمن الصادق المهدي في مهمته، بعد تقديمه لشرح وصف بالـ(منقوص) بسبب ضيق زمن اللقاء يومئذ، حول محددات ومعالم وضع إستراتيجية التعامل مع الجنوب.
مصدر بالأمانة السياسية للمؤتمر الوطني – فضل حجب اسمه – رفض ربط القضايا والملفات بالشخوص، وقال (العلاقة بين السودان والجنوب كملف يحتاج لكل أنواع الخبرات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية وحتى متخصصي الجغرافيا السياسية، باعتباره من أكثر التحديات التي تواجه البلاد حالياً) مردفاً (الخط العام الذي يجب الالتفاف حوله هو تغيير كل (تيم) التفاوض الذي قاد لنيفاشا واستبعاده وإعداد فريق بديل، فطرائق التفكير والتكتيكات والاستراتيجيات أصبحت محفوظة، التغيير يمكن أن يحدث اختراقا في الملف).
ويرى القيادي بالوطني حصر دور فريق تفاوض نيفاشا في الجانب الاستشاري للاستفادة من خبراتهم للفريق الجديد مبرراً ذلك بتغيير العقول يغير النظر للأمور ومن ثم ستتغير النتائج، وأضاف (المرحلة الجديدة، تحتاج النظرة الإستراتيجية التي يجب مراعاتها في السياسات، وماذا لم ينجح الفريق الجديد في تحقيق هذه الأبعاد الإستراتيجية سيفشل ويدخل السودان في مأزق)، وبرغم رفض الرجل لشخصنة القضايا إلا أنه لم ينف نفياً قاطعاً إمكانية الاستعانة بقوش، وخبرته التي يحتاجها ملف الجنوب خصوصاً في هذا التوقيت الموصوف بالعصيب..
محللون يرون أن العلاقة بالجنوب مدخل لعلاقات مستقرة مع المجتمع الدولي لجهة أن الجنوب محاط بالرعاية الدولية، الأمر الذي أكده قوش في حديثه يومذاك بقوله (علاقتنا بالجنوب لا تقف عند حدود الجنوب فقط، بل تمتد للمجتمع الدولي الأمريكيتين وأوروبا، ويجب إدراك بإدارتنا لعلاقتنا بملف الجنوب سنعرف كيف ندير علاقتنا بالخارج لأنه متداخل مهم) وهو عامل جديد يدخل لصالح عودة قوش بحكم علاقاته المميزة بدول كبرى في سياق تعاون السودان خلال الفترة الماضية في الحرب على الإرهاب إبان ترؤسه لجهاز الأمن والمخابرات.
المصدر القيادي بالأمانة السياسية للوطني ينسف عامل عودة قوش من باب العلاقات الدولية الذي توقعه بعض المحللين، ويرى أن علاقة السودان بالجنوب لا تصلح لأن تكون مدخلاً لعلاقات السودان الدولية، مبرراً ذلك بأن جنوب السودان لم ينضج سياسياً ، ولا يدرك ماهية التعامل كدولة وقال(بالتالي نحن مطالبون بالتعامل بحصافة لتحقيق استقرار للمنطقة وللبلدين ولمصالحهما).
تحليلات ترى أن تعدد الشخوص والعقليات لن يحقق أهدافه في ملف الجنوب في الحد الادنى من الجانب السوداني، وتعتبر ذلك حلولاً جزئية، وهو ما يدعمه الخبير الأمني اللواء حسب الله عمر بشكل غير مباشر بقوله لـ(الرأي العام) ان دور الدولة حالياً يتلخص في ضرورة وضع رؤية شاملة تتضمن رؤية لعلاقتنا بالمجتمع الدولي والإقليمي ثم رؤية لمسار التطور السياسي الداخلي، ورؤية لمستقبل دولتي السودان وجنوب السودان ، وشكل العلاقة بينهما متضمنةً معالجة القضايا المحدودة ، مضيفاً ،ما لم تنجح هذه الرؤية الشاملة فان أية مقاربات جزئية لن تحقق أية نتيجة ويظل الوضع القائم مرشحاً لأن يفلت السيطرة عليه من كلا الطرفين.
الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة سابقاً الفريق محمد بشير سليمان يرى أن ملف الجنوب بالتحديد يحتاج لكفاءات علمية في العديد من المجالات كالاجتماع والعلاقات الدولية والاقتصاد والاتصال بالإضافة لمتخصصين في البيئة الإقليمية والمحلية بالتركيز على دول شرق ووسط أفريقيا وضرورة استصحاب العلاقات الجنوبية الإسرائيلية وفي مقدمة كل ذلك متخصصين في الإستراتيجية والأمن القومي.
وفضل سليمان من لهم تجارب وخبرات في هذا الشأن ممن خاضوا تفاوضا سابقا مع الجنوب، وقال لـ(الرأي العام) (ذلك ضروري للحصول على تخطيط متكامل وكلي للوصول لرؤى ومفاهيم لإدارة العلاقات بين الطرفين) وأضاف(بالتالي يمكن لمتخذ القرار اتخاذ القرار بشكل سليم وإدارة هذه العلاقات بشكل علمي يقود للتكامل في بناء علاقات السودان وجنوب السودان) ويرى الفريق محمد بشير أن مسألة أسماء بعينها أو أشخاص ليس جوهر المسألة بل قضية معرفة وجمع وتحليل المعلومة ومن ثم تنزيلها في استراتيجيات تستوعب تقاطعات السياسة الإقليمية الداخلية بما في ذلك الجنوب نفسه وبين السودان، ويرى أن مرود الدعم المقدم من العالم للحركة يجعلها تخلق معادلة معقدة جداً مما يجعل الأمر متجاوزاً للأشخاص وقدراتهم لتكوين مجموعة إدارة أزمة.
ملف الجنوب الباب الذي اختاره قوش لتدشين عودته للعمل العام- إذا جاز التعبير- يبدو الباب الأكثر تعقيداً، فالشواهد تؤكد اشتعال ملف الجنوب وتجعله على رأس الأولويات، مما يفرض على الحكومة الاستعانة بالقادرين على قراءة تطوراته والحد من انفلاته، وبغض النظر عما إذا كانت الحكومة غاضبةً على قوش من عدمه، فهل تفرض الحاجة لقوش عودته عبر بوابة الجنوب؟!
عمرو شعبان
الراي العام
Exit mobile version