سؤال مجاني .. جاء على لسان الفتاة لوالدتها، لتحدد لها خيار (الاختيار) أو لتمهيد التدخل في معايير الذوق لديها، حيث إن الأم تمثل (مرجعاً) لابنتها..
بنات عديدات لا يستطعن الخروج أو الافلات من عباءة امهاتهن، من حيث الاستشارة.. والاختيار، أو حتى المفاضلة بين معايير القيم..
فتيات غير قادرات على تقبل فكرة (الفطام)، بنات تجاوزت أعمارهن العشرين ولا يستطعن شراء الملابس، أو حتى الخيار بين الموديلات..!!
هن بنات لم يُفطمّن بعد..
وآباء غير منتبهين لخطورة الوقت العمري الذي يحتشد حول الأسرة، وما زالت فيه الابنة الشابة التي تفكر في الزواج، والعمل،و السفر، أو حتى لون الاسكرت.. ما زالت داخل رحم أمها..
كارثة حقيقية تمارسها الأم مع بناتها، لاستنساخ (ذاتها) في بناتها، الابنة بالطبع، ومنذ ولادتها، تتماهى في والدتها، لتكتسب منها المعايير والطبائع و فنون الحياة..
كارثة ألا نعلم أطفالنا (منذ الصغر) معنى الاستقلالية..
نعم لنعلمهم الخروج من حياتنا تدريجياً إلى حياتهم الخاصة التي خلقوا من أجلها..
ودوماً تفضل الأم نسخة (منقحة) لشخصها في ابنتها.. لتأتي – والابنة تخوض غمار المراهقة- حينها المعايير المزدوحة، فالأم تعامل ابنتها كطفلة، تخشى عليها حتى ملامسة حاجيات البيت، وفي ذات الوقت تطلب منها أن تكون ناضجة فور خروجها من المنزل (شاطرة زي أمها)..!!
د. حيدر خضر طبيب الاسرة واختصاصي علم النفس يرى ان تعليم اطفالنا الاستقلال الشخصي والاعتماد على الذات، وتدريبهم على الخروج من حياتنا تدريجياً، هي (مصدات) ايجابية للنضج، حتى نحميهم من صدمة (الخارج) وحتى لا يكونوا غير قادرين أو غير محتملين لفكرة ادارة حياتهم بأنفسهم، ويؤكد د. حيدر ان الأخطر في ذلك والأهم هو اننا قد نكون سبباً في تعاسة أبنائنا وبناتنا، دون شعور أو بحسن نية، ولكن العواقب حينها ستكون وخيمة.
في كتاب (60 خطوة لتنشئة الأطفال) يرى المؤلف (جون روزموند) ان الاستقلالية تشعر الطفل بالنضج الحقيقي في سن مبكرة، ويشير إلى أن الكثير من الاهتمام بالأطفال -خصوصاً البنات- ومبالغتنا في حمايتهن، فقط لأنهم أطفال حتى يكبروا، يولد ذلك أول نوع من الادمان..
فالطفل يتربى -كما يرى جون- على الحصول على الكثير من الانتباه والتدليل، قد لا ينمو أو يكبر حقاً، ولن يحصل حينها على التحرر الوجداني..
ويؤكد روزموند بأن الاسرة تشبه (النظام الشمسي) حيث مصدر الطاقة، وتدور حولها الكواكب، وهم الأطفال الذين يدورون حول الاب والأم لانهم بحاجة اليها للحصول على الاحتياجات الأولية.
ولكن كلما كبروا يزيد اتساع مدارهم باستمرار إلى أن يصلوا لنهاية مرحلة المراهقة وأوائل سن العشرين، حيث يجب أن يتمكنوا من ممارسة فكرة (الهروب) من قوة جاذبية الآباء، ويبدأون حياتهم بمفردهم.
إذن وكما يقول د. حيدر ان المهمة الأساسية للأبوين هي (مد) الأطفال بالحب مهما كبروا، وتدريبهم على الابتعاد والاستقلال عنهم حتى لا تعيقهم (فكرة السمكرة) وتعطلهم عن الحياة، والاستمتاع بلذة (الاختيار)..!
الخرطوم: نشأت الإمام
الراي العام