اللاجئون فى شرق السودان.. حكايات لاتنتهى!

[JUSTIFY] يعيش أكثر من 86 ألفا وخمسمائة شخص كلاجئين وبعيدين عن ديارهم وأهليهم ومحبيهم بشرق السودان ، ويقطن اكثر من 72 ألفا منهم فى معسكرات للجوء فيما فضل الباقون مشاركة السكان المحليين فى حياتهم الخاصة. وحياة السكان المحليين ليست بالجيدة فهم – طبقا لتعميم صحافى صادر عن المفوضية السامية لشئون اللاجئين التابعة للامم المتحدة- يعيشون فى فقر مدقع ويقاومون ظروفا طبيعية قاسية وجافة وشبه مجاعة مطلة برأسها ، وعدم وجود التعليم والخدمات الصحية هذا فضلا عن البطالة المتفشية فى اوساط السكان . وطبقا للاحصاءات الاممية فإن نحو ألفى شخص يصلون شهريا الى داخل الحدود السودانية من دول اريتريا والصومال واثيوبيا والكونغو الديمقراطية وبورندى والكنغو برازفيل واوغندا . كما ان هنالك نحو 35 ألف نازح بولايات شرق السودان منهم نحو 18 ألفا من دولة جنوب السودان ويعيشون فى وضع خطير بفعل انفصال الجنوب وعدم وجود خطة واضحة لنقلهم الى الجنوب بجانب عدم توفيق اوضاعهم حتى الآن. ويبلغ عدد معسكرات اللاجئين فى ولايات شرق السودان الثلاثة 12 معسكرا ولكن اشهرها واكثرها تأثيرا هو معسكر»شجراب» فى ولاية كسلا.
معسكر قديم وحكايات متنوعة:
للوهلة الاولى عندما تطأ قدماك ارض معسكر «شجراب» للاجئين بشرق السودان ، وعندما تشاهد شكل المبانى التى يقطنونها والاسواق التى يتسوقون منها والحالة الصحية الجيدة التى هم عليها تقول فى نفسك ان هؤلاء اللاجئين محظوظون ، وانهم يجدون مايريدونه من طعام وماء شرب نظيف مجانى وعيادات تقوم على معالجة مرضاهم وبالمجان ايضا ، خاصة وان السكان الاصليين فى المناطق المجاورة يفتقدون لمثل هذه الاشياء بل هم يعيشون فى فقر مدقع وبطالة شديدة فى ظل عدم وجود اى بادرة امل لتحسين اوضاعهم المزرية. ولكن بعد ان تعمقت فى ارجاء المعسكر لعدة ساعات بعد وصولى برفقة عدد من الصحافيين بمعية المفوض السامى لشئون اللاجئين التابع للامم المتحدة ، واستماعى لقصص اللاجئين وحكاياتهم اعدت التفكير فى الانطباع الاولى والذى بنيته على المشاهدة الاولى.
يقع معسكر «شجراب» للاجئين فى محلية ود الحليو ، على نحو 120 كيلومترا شمال مدينة كسلا عاصمة ولاية كسلا ، فى مساحة تقدر بنحو 8.000 مترا مربعا ومقسم الى ثلاثة معسكرت داخلية وتم افتتاحه فى العام 1985 ، وطبقا لاحصاءات الامم المتحدة فإن المعسكر الاول والاقدم يضم فى داخله اكثر من 27 ألف وستمائة نسمة معظمهم من دولة اريتريا والذين يمثلون 98% من جملة القاطنين. وتنتشر المبانى المبنية من القش بكثافة على ارض المعسكر فيما يوجد عدد من المنازل الثابتة والمبنية من الطين. والمعسكر نفسه مقسم الى اماكن للساكنين القدامى والواصلين الجدد وهى عبارة عن ثكنات فى شكل «كرانك» موزعة عند مدخل المعسكر فيه جزء للذكور وآخر للاناث ، وثمة 5 مدارس واحدة منها ثانوية للبنات ومراكز صحية واسواق داخلية ومتاجر مختلفة وتبيع كل شئ من لاشئ ومبانى لادارة المعسكر والذى تديره مفوضية العون الانسانى التابع للحكومة السودانية ، بجانب وجود عدد من منظمات الامم المتحدة العاملة هنالك وعلى رأسها وكالة الامم المتحدة لشئون اللاجئين وبرنامج الامم المتحدة الانمائى واليونسيف ومنظمة الصحة العالمية ووكالة الامم المتحدة للعون الغذائي بالاضافة الى بعض المنظمات الاخرى مثل منظمة اكورد ومنظمة السقيا الوطنية.
قصص نجاحات:
معظم سكان المعسكر من دولة اريتريا ، وهم مسلمون وثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم تشبه الى حد كبير ثقافة السكان المستضيفين ، وبالتالى فانهم لم يجدوا صعوبات فى التأقلم مع الوضع الجديد او التواصل مع السكان المحليين ،وتبدو نسبة حظوظهم الاندماج في المجتمع عالية جدا وتصل الى نسبة مائة فى المائة. وتقول كلثوم محمد على عبد الله وهى خمسينية انها وصلت الى هذا المكان فى العام 1985 برفقة زوجها ، بعد ان ساءت الاوضاع الاقتصادية فى بلدها اريتريا بسبب الجفاف فى ذلك العام.وتضيف قائلة «انجبت عدد ثلاثة اولاد فى هذا المعسكر وبعدها توفى زوجى وظللت اعيلهم والآن قمت بادخالهم الى المدرسة». وحول الكيفية التى قامت بها بتربية ابنائها الثلاثة تقول كلثوم « تم منحى قرضاً صغيراً بواسطة منظمة اكورد وقمت بعمل حلويات وبيعها فى المعسكر هذا فضلا عن الاعانات التى يتم تقديمها من داخل المعسكر». اما على ادريس على فقال انه وصل الى المعسكر سنة 1985 برفقة زوجتيه الاثنتين والآن لديه نحو 8 من البنين والبنات. ويقول مضيفا: « معظم ابنائى ولدوا فى هذا المكان وكان الوضع فيما مضى جيدا.. والآن تغيرت الامور بعد ان تم ايقاف المعونات الشهرية التى كانت تقدم لنا ، وانا الآن فى ورطة حقيقية بسبب عدم وجود مصدر آخر للدخل وانا عاطل عن العمل الآن ولا ادرى ماذا افعل ، واتمنى ان يجد المشرفون على المعسكر حلا لهذه الازمة التى اعانى منها وتعانى منها مئات الاسر فى هذا المكان». كما يلفت ادريس الى مسألة اخرى وهى متعلقة بالتعليم حيث يقول « يذهب ابنائى الى المدرسة الابتدائية وعندما يكملون المستويات الست فانهم لايفعلون شيئا آخر سوى العطالة لعدم وجود مدارس ثانوية فى المعسكر ، وكثيرون يعتقدون انه لاجدوى من ارسال ابنائهم الى المدرسة اذا كانوا سيتوقفون فى مرحلة الاساس». كما هنالك صور مشرقة اخرى داخل المعسكر وذلك عندما التقينا باحدى السيدات اللائى حققن نجاحا فى المشاريع الصغيرة عندما بدأت بمشاريع صغيرة متمثلة فى صنع الحلوى بواسطة القرض الممنوح لها ، والآن زادت نسبة القرض ودخلت فى مجال تربية المواشى والتى تقوم بتربيتها ومن ثم بيعها الى سكان المعسكر.
قصص مأساوية:
وعند تجوالنا داخل الجزء المخصص للقادمين الجدد ، وجدنا ان معظمهم من الشباب ومن الجنسين ، ويعيشون فى «كرانك» كبيرة مقسمة الى غرف صغيرة ، يتم فيها ايواء القادمين لفترة تتجاوز الشهرين حتى يتم توفيق اوضاعهم ومن ثم نقلهم الى سكنهم الدائم داخل المعسكر. وفى هذا الصدد يقول مدير المعسكر ابراهيم عبد الله ان المعسكر يستقبل فى اليوم نحو 100 حالة. ويختلف القادمون الجدد عن السكان القدامى فى كل شئ سوى انهم قادمون من دولة اريتريا ، فهم شباب مابين 18- 25 من عمرهم ، ولايتحدثون العربية وانما اللغات المحلية وبعضهم يجيد الانجليزية كما ان معظمهم يدين بالمسيحية وليس الدين الاسلامى كما فى حالة الواصلين من اكثر من 35 عاما. ويبدو مفعمين بالحياة ولايتطلعون الى المكوث طويلا فى المعسكر ويستمعون الى الاغانى بواسطة الهواتف النقالة التى يقتنونها. ويقول احد هؤلاء الشباب بعد ان اشترط الا يتم تصويره او ذكر اسمه بسبب خوفه على حياته انه جاء قبل اقل من شهر الى هذا المعسكر. واضاف قائلا: « جئت الى هنا هربا من البطش الذى نعانيه فى بلادنا ، وانا تخرجت في الجامعة وكنت اود ان اواصل تعليمى ولكن لم يحدث ذلك بل تم طلبى بواسطة الخدمة الوطنية الالزامية وهى عندنا غير مقننة وعندما يتم الزج بك فى الخدمة فانك لن تنجو ابدا» . ويقول الشاب الارييرى ان الوضع فى المكان المخصص للواصلين الجدد مزر للغاية بقوله « نعيش اكثر من 20 شابا فى غرفة صغيرة جدا واشبه بالزنزانة. وهذا الامر غير انسانى واحيانا يطلبوا من البعض منا الانتقال الى جزء آخر من المعسكر ولكننا لن نذهب الى هنالك لانه غير آمن ويمكن ان نتعرض للاختطاف». ويمضى الشاب الثائر فى بث شكواه « اما بالنسبة للمواد الغذائية فهى غير كافية ، حيث يتم توزيع مواد غذائية وحبوب بماقيمته 20 دولارا فى الشهر ، وهو امر غير منطقى وغير مقبول ، ونحن لانملك مالا لشراء اى طعام او شراب من المعسكر». وتبدو قصة الفتاة صاحبة العينين الحزينتين ، اكثر مأساوية عندما حكت قصتها وهى ايضا اشترطت عدم ذكر اسمها او تصويرها خوف ان يصيبها مكروه حيث تقول « وصلت الى المعسكر قبل شهرين قادمة من اثيوبيا مع اننى من دولة اريتريا.. ولقد ذهبت فى رحلة طويلة جدا الى صحراء سيناء المصرية برفقة عدد من المهربين عندما قامت عائلتى بدفع اموالا كثيرة لترسلنى الى اسرائيل لاعمل هنالك ومن ثم اقوم بارسال الاموال لهم». وتتابع قائلة فى اسى « عندما وصلنا صحراء سيناء طلب منى المهربون مزيدا من الاموال وعندما قلت لهم اننى لا امتلك شيئا آخر ، قاموا بتركى وحيدة فى تلك الصحراء ، فتم اعتقالى بواسطة الشرطة المصرية التى وضعتنى فى السجون لمدة 9 اشهر .. وبعد ذلك قالوا لى اننى سنعيد الى بلادك اريتريا فرفضت ذلك وقلت بان مكروها سيحصل لى فى حال عودتى ، فتم ارسالى الى اثيوبيا ، ومنها مكثت لبعض الوقت وهانذا اعود مرة اخرى لهذا المعسكر ، واريد الذهاب الى اسرائيل او اى دولة اوروبية».
قصص تهريب واختطاف البشر:
تنشط فى هذه المعسكرات والانحاء مجموعات منظمة وشبكات اجرامية كبرى تعمل فى تهريب البشر ، واحيانا يتم اختطاف الاطفال ، واغتصاب النساء ، وبيع الاعضاء البشرية. ويقول المفوض السامى لشئون اللاجئين انطونيو غونتيرس ان قضية تهريب واختطاف البشر اصبحت قضية دولية وليست فى معسكرات شرق السودان ، وقال ان هنالك مجموعات دولية ومدربة للعمل فى السودان ومصر وبعض الدول المجاورة تعمل على تهريب هؤلاء النازحين ويجب مقاتلتهم ومحاربتهم وفى نفس الوقت يجب محاربة الضحايا. وهنالك احصائيات مخيفة فى هذا الصدد ، حيث تشير الى ان هنالك حالات كثيرة قد رصدت لحالات اختطاف ومن ثم طلب الفدية والتى تتراوح مابين 10 ألف دولار والف وخمسمائة دولار ، هذا فضلا عن حالات الاغتصاب المتواصلة بالنسبة للفتيات ، وما يزيد من هذا الامر هو وجود المعسكر فى مناطق حدودية شاسعة يصعب السيطرة عليها من قبل القوات الامنية والشرطة السودانية ذات العدد القليل والتجهيزات المحدودة ، هذا فضلا عن ان المجرمين يمتاوزن بتجهيزات كبيرة ويعرفون مسارات عديدة لتهريب البشر. لكن المفوض السامى قال ان الامم المتحدة ستقوم بدعم الشرطة السودانية بعدد من السيارات والدراجات البخارية واجهزة كمبيوتر بجانب لوجستيات اخرى لتساعدها فى تحجيم عمل شبكة المجرمين. ويقول سائق العربة التي كنا فيها ان المهربين ابتدعوا وسائل جديدة حيث اصبحوا يقومون بنقل اللاجئين عبر مراكب صغيرة وغير معروفة فى نهر عطبرة قبل ان يتم ترحيلهم الى مناطق اخرى من السودان مثل الخرطوم او ودمدنى ومنها يفرون الى جنوب السودان واحيانا يحاولون الوصول الى مصر عبر دارفور.
وتقول الامم المتحدة ايضا ان هنالك عقبة اخرى تواجه هؤلاء اللاجئين فى مثل هذه الوضعية وهى وجود حدود محددة للحركة للاجئ فى الاراضى السودانية ولايستطيع التحرك كيفما يشاء بحسبما يسمح له القانون الدولى ، ومع ذلك فإن المفوض السامى يقول ان السودان يستضيف العدد الاكبر من اللاجئين فى افريقيا وبالتالى فى العالم ، وانه يشكر الحكومة السودانية والشعب السودانى على ذلك ، لأن كثيرا من الدول تقوم باغلاق حدودها فى وجه اللاجئين الطالبين للمساعدة.
بارقة أمل للمستقبل:
خلال لقاء بين المفوض السامى وممثلين عن اللاجئين داخل المعسكر ، تقدم اللاجئون عبر المتحدث بالنيابة عنه بجملة من المطالبات واهمها فى رأيهم هو ايجاد حل جذرى للسبب الذى يجعلهم ينزحون من بلدهم وهو عدم الاستقرار السياسى ووجود نظام استبدادى فى السلطة حسب قولهم. كما طالبوا بانشاء مدارس ثانوية بجانب المواصلة فى برنامج الاعانات وعدم ايقافها بعد مرور سنوات لأن من شأن ذلك يؤدى الى دمار العديد من الاسر. وفى معرض رده على هذه المطالب قال المفوض السامى ان الجسم الذى يترأسه ليس له طبيعة سياسية وانما انسانية بحتة ، وبالتالى فهو لايستطيع التدخل فيما يحدث فى اريتريا لكنه عاد وقال انه متضامن معهم وبشكل كامل. اما عن المشكلات داخل المعسكر فقد كشف عن خطة يتم تنفيذها بواسطة الامم المتحدة والحكومة السودانية والبنك الدولى ، وتتمثل فى تحسين بيئة المعسكر والوصول الى مرحلة الاكتفاء هذا فضلا عن تحسين الاوضاع بالنسبة للمجتمعات المحلية المستضيفة ، والخطة بدأت اولى مراحلها فى العام الماضى وتستمر حتى العام 2016 وتكلف نحو 90 مليون دولار من اجل تنفيذها على أرض الواقع. [/JUSTIFY]

صحيفة الصحافة

Exit mobile version