أصدر المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات الوطني الفريق أول مهندس محمد عطا المولى عباس قراراً بإيقاف وحجز ممتلكات وأصول صحيفة ألوان، وقال مدير إدارة الإعلام أمس لـ(المركز السوداني للخدمات الصحفية) إن حيثيات القرار جاءت وفق المواد (24 و25 د) من قانون الأمن الوطني لسنة 2010م وهي التي تخول للمدير العام إيقاف وحجز أي مطبوعة يرد فيها ما يهدد الأمن القومي. وجاء القرار حسب مدير الإعلام يحمل الرقم (2) لسنة 2012م للحجز على جميع أصول وممتلكات صحيفة (ألوان) المملوكة لشركة ألوان للطباعة والنشر ويسري هذا القرار من تاريخ الثاني عشر يناير 2012م، وكان جهاز الأمن والمخابرات الوطني قد قام بفتح بلاغ في مواجهة الصحيفة فى الحادي عشر من يناير 2012م لدى النيابة المختصة حول ما أوردته الصحيفة في حوارها مع دكتورة لبابة الفضل في عدد الأربعاء الماضي.
ما وراء القرار
فى المقابل قال رئيس تحرير (ألوان) حسين خوجلي إن قوات الأمن أغلقت الصحيفة لأجل غير مسمى بعد أن سيطرت على مكاتب الصحيفة، وأضاف فى حديثه مساء أمس لـ(السوداني) أنه تلقى اتصالا هاتفيا من مسؤول في قوات الأمن أبلغه بقرار إغلاق الصحيفة ووقف صدورها ومصادرة أصولها. وأضاف أن قوات الأمن تحتل مبنى الصحيفة الآن. وقال خوجلي:” يبدو أنه ومنذ فترة ليست بالقليلة يجري ترتيب المناخ الاعلامي في السودان، وفى سياق هذا المخطط تقرر إغلاق (ألوان)”، وزاد خوجلي أنهم لم يملكوا نسخة من قرار الإغلاق الذى تلي عليهم نصه، وأضاف أيضا:”أنا قادم قبل قليل من الصحيفة حيث قام مجموعة من أفراد الأمن بجرد الممتلكات ومن ثم التحفظ عليها، ونرجو أن تكون العودة قريباً”.
ويمضي خوجلي مدافعاً عن سياسة ألوان التحريرية ويقول:” ألوان فيها حرية مسئولة، وقد استطاعت أن تخرج أغلب رؤساء التحرير الحاليين ومعظم كتاب الرأي، وذلك لأنها تعطي مساحة كبيرة للتعبير، كما أنها ومنذ صدورها الأول مثلت معظم القوى السياسية، ولهذا فإن مصدر قوتها في التمايز فى وجهات النظر”.
وينفي خوجلي علاقتهم بالمؤتمر الشعبي ويقول إن السلطات لديها غبش فى هذا الصدد.
ويختم خوجلي حديثه بأنهم أخطروا السلطات الإمنية بأن كسر الإقلام وايقاف الصحيفة هو ردة للحريات وكسر للقانون والدستور، هذا فضلا عن أن تشريد أكثر من 150 عاملاً بالصحيفة يعد مصيبة كبرى.
غير إن مصادر أمنية مطلعة فضلت حجب اسمها- فى حديثها لـ(السوداني) قالت إن صحيفة (ألوان) ظلت تعاني من فوضى إدارية أدت لفوضى مهنية تجاوزت كثيراً الخطوط الحمراء، ودللت على ذلك بما وصفته بالتغطية السالبة التي أعقبت مقتل زعيم حركة العدل والمساواة خليل ابراهيم، وأضافت أنه لا يوجد اتجاه لتقديمه للمحاكمة متوقعين أن يذهب مالك الصحيفة للمحكمة.
أصوات ومواقف
أكد رئيس الاتحاد العام للصحفيين السودانيين د. محيي الدين تيتاوي أن موقفهم المبدئي هو رفض مصادرة أو إغلاق أي صحيفة لأي سبب ويفضل الاحتكام إلى القضاء في قضايا النشر في إشارة لمنع توزيع صحيفة (ألوان)، ودعا تيتاوي في حديثه لـ(السوداني) الصحفيين للاحتكام إلى قيم المهنة ومواثيقها ومراعاة مصالح الوطن العليا وفقا لقانون الصحافة والمطبوعات الذى يحاكم به الصحف، وزاد: “أي تدخل آخر يستند على قوانين أخرى غير الصحافة، لابد من إحالته للقضاء”. غير أن تيتاوي استدرك أن مثل قرار إيقاف ألوان يأتي بموجب الفتوى الصادرة عن المحكمة الدستورية فيما يتعلق بحق الأمن فى إيقاف الصحف، منوها الى أنه لا يريد الدفاع عن جهاز الأمن ولكن ولمنع أي قانون آخر من الاعتداء على الصحافة يجب على الصحف عدم تجاوز (الخطوط الحمراء) حتى لا يتم التعامل معها وفقا لذلك يجب أن يكون القضاء هو الفيصل، وقال: “على الصحف أن تعمل بمسئولية، وأن تفعل هياكلها الإدراية لينساب العمل التحريري بشكل لا يمس الأمن القومي، فالبلد فى منعطف يحتاج لحماية أمنه ووحدته”.
وفى ذات السياق استنكرت شبكة الصحفيين السودانيين تكرار مصادرة الصحف من قبل جهاز الأمن دون إبداء الأسباب بعد طباعتها لإحداث خسارة على الناشر ومن ثم إضعافه. واعتبرت الشبكة فى بيان صحفي مصادرة صحيفة ألوان بقرار إداري من قبل جهاز الأمن مخالفاً للدستور والقوانين. وطالبت فى ذات الوقت جهاز الأمن برفع يده عن الصحافة والصحفيين والذهاب إلى القضاء في حالة تضرره من أي مادة نشرت بأية وسيلة اتصال.
ويقول الخبير القانوني نبيل أديب: “قرار المحكمة الدستورية أن القرار خاطئ، لأنه يقوم بإغلاق الصحف ومصادرة ممتلكاتها من قبل السلطات الأمنية باعتبارها الأدوات المستخدمة للإخلال بالأمن”، ويؤكد أديب فى حديثه لـ(السوداني) أن قرار المحكمة الدستورية السابق لا يتصل بإغلاق الصحف، وإنما يتحدث عن الرقابة الأمنية المسبقة التى تأتي بتكليف من رئيس الجمهورية. من نتائجه رفع الأمن الرقابة، بعد أن أحس أنه خرق للدستور الذى يرعى حرية الإعلام كما يحدث فى الأنظمة الديمقراطية.
ويمضي أديب فى حديثه ويقول: “في حال إغلاق الصحيفة لن توجد حرية صحافة، وهو ما يتنافى مع الدستور الذى كفل للصحف حرية النشر ونقل المعلومات فى حدود الأمن الوطني والآداب العامة وهذا لا يعني إغلاقها أو منعها من الصدور”، وينوه أديب الى أنه من الممكن إصدار قانون بتجريم المسئول عن هذا التعدي، ولكن إغلاقها بموجب قرار من جهات غير قضائية فهذا معيب، وحتى أنه معيب فى حال صدوره من جهة قضائية.
ويشدد أديب على أن حرية الصحافة فى ظل مواجهتها للسلطة القائمة والتى تخالفها الرأي يحدث صدام، ويقول أيضا: “لا يمكن أن يكون الخصم والحكم واحد، ولابد من التفريق بين الأمن الوطني للدولة ومصالح الحكومة القائمة، وهذا يؤدي للإخلال بالسلطات “.
إغلاق رأي الشعب
وكان جهاز الأمن قد قام بتعليق صدور صحيفة (رأي الشعب) التي يصدرها حزب المؤتمر الشعبي والتحفظ على كافة ممتلكاتها بعد فتح بلاغات جنائية في مواجهتها فى مطلع العام، وحذر في تصريح صحفي لمديره الفريق أول محمد عطا عقب ذلك القرار من المساس والتلاعب بأمن الوطن، مهددا “كل من تسول له نفسه باسم الحريات القفز فوق الخطوط الحمراء”. وقال إن الحريات الصحفية لا تعني تعريض الأمن القومي للمخاطر ومساندة الحركات المسلحة “لأن هذا الفعل سيجد الردع المناسب”، مشيرا إلى أن إيقاف الصحيفة تم “بسبب المخالفات التي أتت بها والتي لا تتسم مع أخلاقيات المهنة”.
الجريدة والأجراس
وبعيدا عن الصحف السابقة المقربة من الإسلاميين المعارضين فقد تم توقيف صحيفة أجراس الحرية المقربة من الحركة الشعبية، وصحيفة الجريدة المستقلة لأسباب مختلفة وأوقات متباينة.
وقال الأمين العام للمجلس العبيد مروح فى تصريح صحفي حول إغلاق الأجراس: “ذلك ليس مؤشرا للحد من حرية الصحافة. إنه التشريع الخاص بالصحافة لعام 2009 لا يسمح بوجود أجانب في إدارة صحيفة”. وأوضح: “في التاسع من يوليو أصبح الجنوبيون مواطنين في دولة أخرى (…) وما كان الإقفال ليحصل لو نقلوا حصصهم الى مساهمين شماليين قبل ذلك التاريخ”. مضيفا: “لكن للأسف فات الأوان لأننا تلقينا الأمر بإلغاء حقها في الصدور”. غير أن مدير تحرير أجراس الحرية حسين سعد أكد وقتها أن صحيفته أغلقت لأسباب سياسية، وقال: “لأن الصحيفة مقربة من الحركة الشعبية والمعارضة”.
وفى الوقت الذى بات من الواضح عدم إمكانية صدور الأجراس، فقد صدر قرار يقضي بعودة الجريدة بعد دفعها غرامة مالية لا تذكر، إلا أنها تواجه صعوبات فى اعتماد مرشحها لرئاسة التحرير.
وكشفت صحيفة (الجريدة) عن أن المجلس القومي للصحافة والمطبوعات لم يحسم أمر ترشيح مرشحها لمنصب رئيس التحرير صلاح الدين عووضة الأمر الذي عطل صدورها الذى كان معلنا اليوم لوقت لاحق. وقال المدير العام للصحيفة عوض محمد عوض فى تصريحه لـ(السوداني) إن المجلس قرر إرجاء الأمر لاجتماعه الثلاثاء القادم بعد تقديم مزيد من شهادات الخبرة لافتاً إلى أنهم طالبوا المجلس بالسماح لهم بالصدور حتى الاجتماع المقبل على أن يتولى مدير التحرير مهام رئيس التحرير لحين موافقة المجلس على مرشح الصحيفة لكن الأمين العام للمجلس رفض الموافقة بحجة أن إيقاف الجريدة يؤثر على أدائها المهني.
وقال تيتاوي إنهم لن يستسلموا وسيعملون على إعادة (ألوان) كما عادت من قبل وكذلك الحال مع (رأي الشعب)، ونوه تيتاوي الى أن قضية صحيفة (الجريدة) يبدو مختلفا بعد تجاوزها الخطوط الحمراء ولكنها عادت للصدور، أما صحيفة (أجراس الحرية) فإنها لا تدخل فى هذا السياق فتوقفها يعود لمسألة انفصال الجنوب.
[/JUSTIFY]
صجيفة السوداني -تقرير: محمد عبد العزيز