البطالة….. الاقتصاد السودانى نظرة من الداخل

[JUSTIFY]البطالة هي ظاهرة اقتصادية بدأ ظهورها بشكل ملموس مع ازدهار الصناعة إذ لم يكن للبطالة معنى في المجتمعات الريفية التقليدية. طبقاً لمنظمة العمل الدولية فإن العاطل هو كل قادر على العمل وراغب فيه، ويبحث عنه، ويقبله عند مستوى الأجر السائد، ولكن دون جدوى.
وقد شكلت البطالة في السودان واحدة من أهم مشكلات التنمية الاقتصادية ، لكن السنوات العشر الأخيرة شهدت تفاؤلاً من بعض قطاعات المجتمع السوداني بتحسن الوضع الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة للشباب، وذلك بعد البدء بتصدير البترول وتوقيع اتفاق السلام الذي أوقف حرباً استمرت لأكثر من عقدين في جنوب السودان.

و تفيد الإحصاءات العلمية أن للبطالة آثارها السيئة على الصحة النفسية كما أن لها آثارها على الصحة الجسدية ، وأن نسبة كبيرة من العاطلين عن العمل يفتقدون تقدير الذات ويشعرون بالفشل وأنهم أقل من غيرهم، كما وجد أن نسبة منهم يسيطر عليها الملل وأن يقظتهم العقلية والجسمية منخفضة وأن البطالة تعيق عملية النمو النفسي بالنسبة للشباب الذين ما زالوا في مرحلة النمو النفسي
وتختلف ملامح وحجم البطالة ما بين الدول الصناعية والدول النامية وهنالك نوعان من البطالة نجد بطالة سافرة ومقنعة والتى تسمى بنقص التشغيل ولاتظهر لدينا فى معدلات البطالة لعدم توفر معلومات عنها وبذلك ينعكس معدل البطالة السافرة فقط وتمثل اغلب الأنواع فى السودان
وحسب تقرير صادر من وزارة العمل فى 2011م تناول قضايا البطالة وسوق العمل وركز على اوضاع العمل والعمالة فى السودان فى الفترة ما بين 2005-2010م ولكن التقرير لم يشير الى اوضاع سوق العمل فى السودان للعام 2011م على الرغم من اهميته باعتباره حدثت فيه متغيرات اثرت على الاوضاع الاقتصادية بالبلاد واهمهما انفصال الجنوب وخروج النفط كمؤثر حقيقى للاقتصاد السودانى وباعتباره عام الاساس للمرحلة الثانية من الاستراتيجية غير ان التقرير اعطى مؤشرات كثيرة ومتنوعه تمكن من قراءة سوق العمل فى ظل المتغيرات الاقتصادية .
ووفقا لتعداد 2008م بلغ اجمالى عدد السكان فى سن العمل حوالى (26.2) مليون يمثلون 67% من اجمالى السكان البالغ ( 39.1) مليون نسمة بينما بلغ حجم القوى العاملة (11.7) مليون نسمة اما معدل المشاركة فى النشاط الاقتصادى وفقا للتقرير بلغ 48.5% بينما بلغ معدل البطالة 15.9% مما ادى الى انخفاض الطلب الكلى دون مستوى التشغيل الكامل بجانب الهجرة من الريف الى الحضر وهجرة العمالة الزراعية.

ويشير التقرير الى ان واقع البطالة على الشباب اكثر واكبر من المعدل العام حيث يمثل حوالى 12% وسط الفئة العمرية 25- 59 سنة وهذا وضع طبيعى حيث تمثل هذه الفئة قمة العمل الانتاجى.
يوضح التقرير ان تأثير البطالة على الشباب يقع على حاملى الشهادات الجامعية اكبر من بقية الشباب ويبين التقرير انها تزيد مع ارتفاع المستوى التعليمى وتصل لضعف وسط الجامعين الداخلين لسوق العمل مقارنة بالاميين وكشف التقرير ان البطالة وسط الاميين من الشباب مرتفعة من المعدل العام مما يؤكد التقرير ان مشكلة البطالة فى السودان مشكلة بنيوية ترتبط بمرحلة الانتقال الديمغرافى التى يمر بها السودان.

ورغم ارتفاع البطالة السافرة فان الجانب الاهم فى السودان هو نقص التشغيل الذى لم يعرف بيانات عنه لعدم توفرها الا انه يمكن القول ان السودان يعانى من كل انماطه سواء الارتباط بانخفاض انتاجية الفرد او عدم حصوله على عائد او كسب يلبى احتياجاته الاساسية
وذكر التقرير ان هنالك اسباباً ادت الى تفاقم مشكلة البطالة خاصة وسط الشباب اهمها تراجع قدرة القطاع العام على تشغيل الايدى العاملة مع الارتفاع المستمر فى اعداد الداخلين الجدد لاسواق العمل ويعانى هذا القطاع من كبر الحجم وانخفاض الانتاجية ويتوقع ان تقل مساهمة القطاع فى التشغيل مستقبلا فى ظل برامج الخصخصة التى تنتهجها الدولة.
ويؤكد التقرير ان مستوى جودة التعليم واحد من اهم اسباب البطالة اذ تعانى الدولة من توجه غالبية الشباب الى التعليم فى مجالات التعليم الاكاديمية سعيا للحصول على فرص عمل فى القطاع العام الذى يقدم الحوافز الوظيفية كالاستقرار الوظيفى والتأمين الصحى والمخصصات التقاعدية ويفتقر النظام التعليمى الى التركيز على المناهج التعليمية المتعلقة بالجوانب الفنية والمهنية التى يحتاجها النشاط الاقتصادى فى اسواق العمل ما يؤدى الى تدنى مخرجات التدريب المهنى باحتياجات سوق العمل ذلك لغياب التخطيط والشراكة مع قطاع الانتاج.

وفيما يختص بوضع سياسات الاستخدام اعتبرها التقرير نقطة الارتكاز التى تتمحور حولها كل مهام الدولة رغم وجود خطط وبرامج التنمية فان التفكير فى وضع سياسات الاستخدام بدأ منذ عام 1975م لكنه لم يكتمل الا فى الاستراتيجية القومية الشاملة و اخيرا الربع قرنية وبدأت وزارة العمل فى تنفيذ برامج جسب التقرير تهدف الى استخدام خريجى الجامعات والمعاهد العليا عبر مسارين يشمل الاول الاستخدام المباشر والثانى المبادرات الخاصة اضافة الى ذلك اهتمت وزارة العمل باستخدام المرأة ومحاربة استخدام الاطفال وصادقت على اتفاقيات مستويات العمل الدولية الخاصة وانشأت ادارة تعنى بشئون المرأة والطفل وتوصلت مع منظمة العمل الدولية عام 2009م لقيام مشروع يعنى بالقضاء على عمالة الاطفال عن طريق التدريب الحرفى وبرغم من الجهد الذى بذل فى مجال الاستخدام اتضح انه يفتقر الى النظرة الشمولية حسب التقرير ولم يتم التعامل فى اطار سياسة واضحة اواهداف محددة ،ولا شك ان مثل هذا النهج فى التعامل مع هذه المسألة الحيوية لايضمن سلامة النتائج بل ربما يقود الى نتائج متناقضة مما يدعى الى ضرورة التعامل مع قضايا الاستخدام من خلال سياسة واضحة تأخذ فى الاعتبار الجوانب المختلفة بالسياسات الاقتصادية والكلية والسياسات القطاعية.
وعلى حسب السجلات الرسمية لوزارة العمل فإن اجمالى فرص العمل التى توفرت خلال الفترة من 2005- 2010م بلغت حوالى (337.615) فرصة منها (151.254) فرصة 45% وفرها سوق العمل الخارجى (الهجرة الخارجية ) و (1813555) فرصة 54% وفرها سوق العمل المحلى وكان نصيب الاجانب منها (88522) فرصة 48% واشار التقرير بان الدولة ساهمت فى حل مشكلة بطالة الخريجين بتبنى المشروع القومى لاستيعاب الخريجين فى الولايات الشمالية وبعد اجراء دراسة ميدانية اتضح ان الحاجة الفعلية كانت حوالى (52.000) ألف وظيفة فى الفترة من 2005 الى 2007م تم التخطيط لها على ثلاث مراحل بتمويل من وزارة المالية لمدة عامين يتحول بعدها لميزانية الولايات ونجد فى العام 2005م كانت الوظائف المصدقة من الدولة حوالى (13) ألف وظيفة لكل الولايات الشمالية ماعدا ولاية الخرطوم وبلغ عدد المسجلين لملء هذه الوظائف بمكاتب لجان الاختيار بالولايات (31957) خريجا وبلغ عدد المستوعبين منه (10090) خريجا ويكون عدد الذين لم يتم استيعابهم (21867) خريجا.

واشار التقرير الى انه فى عام 2006م تم توفير (20) الف وظيفة منها (17) ألف وظيفة للولايات الشمالية ما عدا ا لخرطوم والبحر الاحمر و3 ألف وظيفة للوزارات والهيئات الاتحادية التى لها فروع بالولايات وبلغ عدد المسجلين لملء الوظائف (38389) خريجا فيما وصل عدد المستوعبين منهم (15216) خريجا والذين لم يتم استيعابهم (23173) خريج فى العام 2007م بلغ عدد المسجلين (41230) خريج وعدد المستوعبين (16048) خريج ولم يتم استيعابهم (25282) خريج عليه نخلص الى ان الذين تم استيعابهم فى المشروع القومى لاستيعاب الخريجين فى الفترة من 2005- 2007م فى الولايات الشمالية بلغ (41354) خريجا الذين لم يتم استيعابهم (70222) خريجا وحسب ما جاء فى التقرير تركزت الوظائف التى لم يتم الاستيعاب عليها فى المشروع فى المهن الصحية والتخصصات الصحية المساعدة مثل التمريض العالى ومختبرات وغيرها بجانب التعليم فى مرحلتى الاساس والثانوى فيما تركزالخريجون غير المستوعبين فى التخصصات النظرية والعلوم الانسانية والقانون والاقتصاد وبعض التخصصات التطبيقية فى العلوم الزراعية لقلة الطلب عليها فى سوق العمل .

وفى الفترة من 2007 – 2008م ومن خلال لجنة الاختيار للخدمة القومية المدنية تم استيعاب (8268) خريج والذين لم يتم استيعابهم بلغوا (30176) وفى العام 2009م تم استيعاب (5563) خريح بلجنة الاختيار القومية فى مختلف التخصصات. ويشير التقرير ان الاحصائيات المذكورة تمثل فقط المسجلين بمكاتب لجنة الاختيار او المتقدمين للوظائف وهذا لا يمثل العدد الفعلى للخريجين من مؤسسات التعليم العالى اما بالنسبة للمستوعبين فيمثل القطاع العام فقط
وانفاذ للمادة 138 من الدستور الانتقالى واستنادا للمادة 18. 19. 20 الفصل الرابع من قانون الخدمة المدنية لستة 2008م وبناءً على توصية رئيس لجنة الاختيار القومية اصدر وزير العمل والخدمة المدنية قراراً بتكوين لجنة للمعاينات لابناء الولايات الجنوبية لملء وظائف نسبة الـ20% بالخدمة المدنية القومية حيث بلغ عدد المستوعبين خلال الفترة من 2005- 2010م (3576)

وابان التقرير ان سوق العمل فى السودان يتسم بخصائص معينة تؤثر سلبا وايجابا على معطياته اهمها التخصص العلمى ومستوى التدريب والتأهيل ومعدلات الاجور. وتفيد مؤشرات سوق العمل ان هنالك اختلالاً فى هياكله بوجود فائض كبير فى العرض وعجز فى الطلب على بعض التخصصات الفنية بجانب عدم مواكبة معاهد ومؤسسات التعليم المختلفة مع احتياجات سوق العمل نتج عنه فجوة تزيد اتساعا مع زيادة حركة النمو مما ادى الى معضلة بين ما هو متاح من الكوادر الفنية واحتياجات سوق العمل. واشار التقرير الى التحديات التى تواجه ظاهرة البطالة والتى تفرض نفسها على الواقع السودانى والتى تشكل ضغطا اضافيا يزيد من صعوبة المعالجة واهمها التحدى الناتج عن الزيادة فى معدلات زيادة السكان وتنامى معدلات البطالة بجانب ضعف التأهيل وتراجع عائدات النفط وضعف الاستثمار وصعوبة التحكم فى الانفتاح الاقتصادى والتحرير التجارى اضافة الى التحديات السياسية التى تهدف الى تطوير الحياة السياسية واجهزة الدولة التشريعية والتنفيذية اضافة الى القوانين اللازمة للتجانس مع النظام العالمى الجديد الذى ستوجب اعادة هيكلة الدولة والاقتصاد والمجتمع بما يتوافق مع الظروف الدولية الحالية ومن الضرورى ان نعلم بان التصدى لهذه التحديات هو المهمة الاساسية التى يفترض ان تعمل الحكومة على معالجتها.

إن مشكلة البطالة من اخطر المشكلات التى تواجه البلاد نظراً لما لها من آثار سلبية خطيرة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية ، فعلى المستوى الاقتصادي تفقد الدولة عنصراً هاماً من عناصر التنمية ألا وهو عنصر الموارد البشرية وذلك سواء من خلال عدم الاستفادة منهم وتهميشهم أو من خلال هجرتهم إلى الخارج . أما اجتماعياً فان البطالة توفر الأرض الخصبة لنمو المشكلات الاجتماعية وجرائم العنف والسرقة والقتل والاغتصاب والانتحار …الخ ، وأمنياً تؤدى إلى انتشار ظاهرة الإرهاب الذى يجد فى العاطلين عن العمل ملاذاً له حيث يستغل نقمتهم على حكوماتهم من اجل خدمة أغراضه وأهدافه.
لا يمكن معالجة مشكلة البطالة في السودان وتخفيض أعداد العاطلين عن العمل والحد من زيادتها دون المعالجة الجذرية للأسباب التي ذكرناها سابقاً. ولذلك فإن هذا الموضوع يتطلب القيام بعملية إصلاح شاملة تطال جميع مستويات البنية الاجتماعية، الاقتصادية منها والسياسية والاجتماعية والثقافية،
ويبدو أن الجهات المسؤولة مازالت تتخبط في سياستها تجاه الخريجين، وتعزف على أوتار الكسب السياسي تارة وتنظر إلى تأثير هذه المشاريع على اقتصادها تارة اخرى، ولكن هل وضعت أمام عينيها أن هنالك آلافاً من الشباب يمتلكون طاقات هائلة يضيعونها في أشياء لا تسمن ولا تغني من جوع، ومن الممكن استثمارها لصالح البلد، بدلا من حالة اليأس التي يعيشونها . [/JUSTIFY]

صحيفة الصحافة

Exit mobile version