القصة الأولى تحكي عن أحدهم في إحدى المناطق بجنوب السودان، كان ذا ثروة ويعيش بالقرب من مدرسة. كان هذا الشخص يقوم كل فترة من الزمن بذبح ثور من الماشية التي يمتلكها لأبناء المدرسة المجاورة له، في الوقت الذي كان ينعته فيه أغلب معارفه بأنه (أهبل أو عوير)، اما طلاب المدرسة فيتحدثون معه أحياناً متسائلين لماذا يفعل ذلك وهو ليس قريباً لهم أو يعرفهم إلا في هذه المدرسة وخاصة أنهم لم يكونوا بحاجة للكثير من الطعام لأن المدرسة توفر السكن والمأكل.. فيجيبهم العجوز “يا اولادي انا ما قريت وانتو صحيح ما أولادي، لكن بشوفكم زي أولادي والحاجة اللي بتعملو فيهو عاجبني عشان كدا أنا فرحان بيهو وبديكم الحاجات دي من كل قلبي”!!
مرّ الزمان وكان أن جاء منتصف ثمانينيات القرن الماضي أيام الديمقراطية الثالثة، وفي تلك الأيام ظهر ما سمي بالكوتات المخصصة للأقاليم الجنوبية. هذه الكوتات استفاد منها الكثير من الناس خاصة الذين لهم علاقة بالتجارة. وكان من ضمن الذين سمعوا بالذي يحدث بالخرطوم أحد تجار الجنوب، فتحرّك التاجر قاصداً لعله يحصل على حظوة من تلك الغنائم. وفي الخرطوم لم تكتمل الأوراق فهو يقذف به من مكتب إلى مكتب آخر ويطلب منه تصديقاً من فلان ويذهب لفلان حتى انه خسر مبلغاً أكثر من قيمة المواد التموينية التي تم التصديق بها له، المهم وهو على تلك الحالة المزرية وهو يمر أمام أحد المكاتب المخصصة لأحد المسؤولين من تلك الجهة الذي لم تصله الأوراق بعد والمسؤول كان ينظر خارج المكتب.. إذ عينه تقع على الرجل الماشي فنادى على أحد رجال الشرطة وطلب منه احضار الذي مرّ قبل قليل، وفعل الشرطي ظاناً بأن العجوز قد يكون أخطأ وعند حضور العجوز حياه المسؤول بكل أدب واحترام وهو قائم من كرسيه حتى أن الشرطي تحيّر من هو هذا العجوز. ثم سأله المسؤول ماذا اتى بك إلى هنا فأراه الأوراق فنظر ذاك فيها وادرك مدى التعب الذي عاناه العجوز من خلال التاريخ المكتوب على الورق الذي يدل على مرور زمن طويل وأدرك بأن هذا العجوز قد خسر الكثير من الأموال نظير الجري وراء هذه التصديقات.. فأخذ الورق من بين يديه بعد ما أجلسه وأحضر له الماء والشاي وأطعمه. وقام بتصديق المواد التموينية، مضيفاً إلى المكتوب رقماً مضاعفاً وأمر الموجودين بضرورة تخليص إجراءات العجوز بأسرع ما يمكن. وهنا كان العجوز يشكر الله ويشكره ويدعو له بكل خير. وجلس هذا مع العجوز سائلاً عن أحواله ومتى جاء إلى الخرطوم وأين يسكن وكيف يمكن الوصول إليه ما أمكن ذلك.. فشرح له العجوز أحواله وأوضح له عنوانه فطلب من العجوز موعداً يزوره والعجوز محتار من هذا الشخص لكنه وافق في النهاية.[/ALIGN]
لويل كودو – السوداني-العدد رقم 1006- 2008-09-01