رباح الصادق المهدي : أأسدٌ على زين والأحفاد ؟!

سأل سائل الشيخ عبد الحي يوسف في موقعه (شبكة المشكاة الإسلامية) حول ما ذكره من أن الرقص حرام علي أصوات الموسيقى؛ فما حكم أن يرقص بعض المسئولين علي الملأ في المناسبات العامة؟ وأجاب (الشيخ) عبد الحي بالقول: (الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد. فلا أرى لسؤالك وجهاً ـ أيها السائل ـ إذ ليس من العلم أن يقول المفتي: هذا حرام. فتقول له: فما حكم فلان الذي يتعاطاه؟ إذ المعلوم أن المفتي قد برئت ساحته إذا قال: هذا حلال وهذا حرام، وليس مطلوباً منه إسقاط الحكم على الأشخاص؛ إذ كان من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يقول: {ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا} دون أن ينص على شخص بعينه؛ رغم علمه بأن الفاعل هو فلان، وإني أعيد لك في هذا المقام ما ذكرته من قبل في شأن الرقص للرجال فانتبه؛ أقول: إن الرقص من رذائل الأعمال التي يقبح بالرجل العاقل الوقوع فيها أو التظاهر بها، وهو من الخصال التي لا تليق إلا بالنساء، أما الرجل فواجب عليه التنزه عنها والترفع عن الوقوع فيها. وقد اتفقت كلمة العلماء على ذلك، ففي تفسير قوله تعالى في سورة الإسراء ( ولا تمش في الأرض مرحا) قال القرطبي رحمه الله تعالى: استدل العلماء بهذه الآية على ذم الرقص وتعاطيه.أ.هـ) ومضى عبد الحي يورد شواهد ذم الرقص حتى قال: بل ذهب بعضهم إلى ردِّ شهادة من يتعاطى الرقص. هذه فتوى رفضت التخصيص حينما كان الفاعل شريفا. فتذكرها يا قارئي/ قارئتي الكريمة.
ونحن نعلم موقف الشيخ عبد الحي من الحكم في السودان، والتحالف غير المقدس بينهما، ولا نقول بما يقول، ونعلم أن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام حمل السيدة عائشة رضي الله عنها لتشاهد الحبشة وهم يدنفون (أي يرقصون) والحبشة في عرف أهل الحجاز كما أثبت البروفيسور عبد الله الطيب رحمه الله هم السودان، فهذا إرث لدينا قديم وعرف غير منكر.. ونعلم أن الله جل وعلا كرم النساء مثلما الرجال، ونعلم أن ما ذكره حول المعازف انبرى له الإمام الظاهري أحمد بن حزم فجرحه، وأن الإمام الغزالي قال: من لم يحركه العود وأوتاره والربيع وأزهاره فاسد المزاج ليس له علاج، وهو لدينا إمام مؤتمن على الدين بما لا يقارن بالسيد عبد الحي، ومن لف لفه فجعل الشريعة قاصرة محتاجة لغيرها، وانكبوا على النصوص ولم يدركوا من الواقع شيئا مع أن فقه التنزيل مبني على إدراك وإلمام كامل بالواقع وبالواجب وتنزيله عليه.
وانبرى السيد عبد الحي يوسف في خطبته بجامع خاتم المرسلين بجبرة في الجمعة قبل الماضية لتجريم شركة زين ولتحريض المسئولين عليها لأنها مولت رحلات جامعة الأحفاد التي تقام سنويا هذا العام، واستنكر ما تقوم به طالبات الجامعة من حملات للتوعية بالصحة الإنجابية ورماهن ببهتان عظيم إذ قال بحسب ما جاء في الأخبار: (أين جهود شركة زين في أعمال الخير وفي القضاء على الدجل والشعوذة والسحر والمنكرات العقدية والأخلاقية؟)، (مؤكدًا أن جامعة الأحفاد التي تروِّج للصحة الإنجابية ما عرف عنها إلا القول بأن الزواج المبكر ضرر وكثرة الإنجاب فيها خطر وأنها تعلِّم الناس كيفية ممارسة الجنس الآمن وغيره مما يشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وأشار عبد الحي يوسف إلى أن الصالحين من هذه الأمة كانوا يتزوجون مبكرًا وكان مجتمعهم طاهرًا ونقياً ولم يكن فيه لقطاء أو فاحشة.) إن طالبات الأحفاد هن رسولات وعي واستنارة يقضين على الدجل الذي يحض على ختان البنات باعتباره من الدين والدين منه براء، ويوعين الأمهات بفوائد تنظيم الأسرة من باب ألا تكون كثرتنا كغثاء السيل، وغير ذلك من مناشط الصحة الإنجابية التي سوف نناقشها لاحقا بإذن الله. ولكننا نؤكد هنا أن عبد الحي استهدف الأحفاد وزين بالذكر ورماهما بكل مستقبح. بينما شركة زين في الحقيقة فعلت خيرا كثيرا تستحق عليه الإشادة لتمويلها لتلك المناشط النيرة. ومؤسسة الأحفاد العتيقة والراسخة تقوم بخدمة المجتمع وتعليم إماء الله القراءة والكتابة وغيرها من فنون المعرفة المفيدة لأكثر من قرن.
قالت السيدة عائشة رضي الله عنها (أن قريشاً أهمهم شأن المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه أسامة فقال: أتشفع في حد من حدود الله تعالى؟! ثم قام فاختطب فقال: إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).
ولهذا كان الخليفة العادل سيدنا عمر بن الخطاب يعمل عكس السائد وسط الأمم الهالكة فكان يزيد من العقاب واللوم للشريف كما فعل مع ابنه إذ ارتكب كبائر. وحينما خاطب المسلمين بأن يقوموه لو أخطأ وقال أحدهم «لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناك بسيوفنا» طرب وأعجب من ذاك الحديث. وهذا النهج هو ما عرفه العالم في تقدمه فصيغت أعراف مثل حق النقد، فكلما علت قامة الشخص ومكانته كلما كان أكثر تعرضا للنقد، وكلما كانت أخطائه أقل مقبولية بالنسبة للإنسان العادي.
نعم إن ما يهلك الأمم هو الكيل بمكيالين لصالح الشريف وضد الضعيف والأولى أن يكون المكيال حامل على الشريف ومخفف على الضعيف. ولكن عبد الحي يلطف القول حول الشريف حتى يستاء من ذكره إذا ارتبط بخطأ ويعنّف السائل، ثم يبادر بذكر شركة زين وجامعة الأحفاد ويكيل لهما كيلا ثقيلا.
والسؤال البديهي جدا هو: لماذا استنكر عبد الحي تسمية السائل للمخطئ المسئول مع أن مسئوليته تضعه تحت المجهر وتوسع من مساحة نقده وتقييمه بالسيف على سنة سيدنا عمر؟ ثم سمى زين والأحفاد وأشهر عليهم سيفه، ولماذا لم يكتف بالقول: ما بال أقوام يفعلون كذا، وكذا؟
إنه يتلطف على من استشف فيه شرفا، ويضرب من استشف فيه ضعفا، وهذا هو الذي يهلكنا وليس منع زواج الطفلات اللائي لا زلن يزوجن وبكثرة، وليس في زواجهن إلا مزيد تخبط وهلاك. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وليبق ما بيننا
الراي العام
Exit mobile version