في ظل عالم متغير … هل تغيَّرت الأسر السودانية …؟

[JUSTIFY]الأسرة السودانية وحدة إجتماعية، تتميز بعادات وخصائص متعددة منها التعاون والتسامح والتكافل والعلاقات الاجتماعية الممتدة وتوارث الأجيال ، ويتم غرس هذه القيم الفاضلة في نفوس الأطفال منذ الصغر، وتنتقل من جيل إلى جيل ، ولكن بمرور الزمن إتضح أن ثمة تغييرا بدأ يسرى في الأسرة السودانية تبدلات مجتمعية … وفي ظل هذا العالم المتغير هل تغير العالم أم نحن الذين تغيرنا ؟ في هذا التحقيق اردت تسليط الضوء على هذا الموضوع المهم فإلى مضابط التحقيق …
أزمة أخلاق
عبدالرحمن عبيد من سكان مدينة حلفا قال أن هنالك تغييرا كبيرا طرأ على الأسر السودانية متمثلاً في الأخلاق وهي الأساس الذي تبنى عليه الأمم مجتمعاتها وتغرسها فيها وتورثها أجيالها ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال : «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» ، ونتيجة لإنحسار الأخلاق استشرى في المجتمع الكذب والنفاق والغش والغيبة والنميمة وعدم إحترام الصغار للكبار ، وتساءل أين القيم التي ورثناها من أسلافنا ؟ وقال عبدالرحمن الأمة الآن تعاني من أزمة أخلاق ، حيث قال الشاعر :
إنما الأممُ الأخلاقُ ما بقيت *** فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وفي الماضي كان انتشار الزنا وشرب الخمر علناً ومع ذلك لم تتأثر الأخلاق كما الآن ، والآن شرب الخمر والزنا مع أنه ممنوع إلا أنه منتشر ودخل معه البنقو والحشيش ، وكان كبير الأسرة هو الآمر والناهي في البيت لكن اليوم أي زول بي رايو تتكلم مع البت تقول ليك دي حقوق الانسان وحقوق المرأة ! ودي زمان ماكنا بنسمعها ، وأهم أسباب تدهور الأخلاق نتج من تدهور الخُلق والثقافات الخارجية والغزو الثقافي والعولمة على حد تعبيره .
ياحليل قعدتنا ولمتنا
الحبوبة فتحية سعيد قالت إن الفرق بين الماضي والحاضر كما الفرق بين السماء والأرض ، ففي الماضي ونسبةً لعدم التعليم والمعرفة سادت الكثير من العادات الضارة والتي إندثرت بفضل انتشار التعليم ، وتقول الحاجة فتحية أن من هذه العادات ( الشلوخ ? دق الشلوفة ? دق الخشم وغيرها الكثير) ، وأضافت أن هذه العادات كنا نعتقد أنها تزيدنا جمالاً ولكن للأسف ماهي إلى تشويه لصورتنا ،وتأسفت لحال البنات اليوم وذلك مع توفر التعليم والعلوم وهن يستخدمن الكريمات الضارة والمشوهة للجسم وقالت : (الشينه شينه كان تدَّعك كل يوم … والسمحة سمحة كان قامت من النوم)، أما بالنسبة للإجتماعيات مثل الزواج فقالت : في الماضي الفتاة مابشاوروها للعرس ويكون إجباريا ومابتختار العريس ومرات ماتشوف العريس إلا يوم العرس (مش زي بنات الزمن دا ، حب ومواعيد وخطوبة 10 سنين) ولي أسه في حبوبات ماعارفين الحب دا شنو !!! ، واستنكرت وجود عادات جديدة وخطيرة مثل الزواج العرفي والعنوسة ولبس البنات الشاذ والعولمة التي غطت على دور الأب والأم ، وقالت من إيجابيات التغيير إنتشار التعليم بمختلف أنواعه وقالت : (زمان المدارس والجامعات بالعدد أما اليوم فلا تحصى ولا تعد ) ، وفي الختام قالت متحسرة : ياحليل زمن الكسرة العسناها وأكلناها ، وياحليل الطاقة القدينا الحيطة وقسمناها وياحليل زمن كرومة وسرور ، وياحليل لمتنا وقعدتنا .
ضيق المعيشة
أما أحمد سراج الدين فقال ان هنالك تغييرا بعض الشيء حدث في الأسر السودانية ومازالت هنالك أُسر محافظة على موروثاتها وثقافاتها ، ولكن نسبة لزيادة عدد أفراد الأسر حدث ضيق في المعيشة ، وعاد وقال أن الحياة في الماضي كانت رخيَّة ورخيصة وجميلة وكل واحد (مادي رجلينو حسب لحافو ) عكس الحال اليوم فالناس شفقانة وماراضين بالمقسومة ، وأضاف أن الأمراض المنتشرة اليوم مثل الأيدز والسرطانات والسكري والضغط والأمراض الخبيثة لم تكن موجودة في السابق ، وقال في الماضي (40) سنة مايجيك صداع ولا حمى ولم نكن نعرف المستشفى بي وين ، لكن اليوم تجيك حمى وصداع ووجع ضهر وقضروف والمستشفيات لا تسع المرضى من كثرتهم . وقال أحمد أن المشاكل الأسرية تأتي من عدم الإستقرار والخلافات المالية وتجد كثيرا من الأسر اليوم في المحاكم، وفي الماضي كان كبير البيت هو من يحل هذه المشاكل إن وجدت، وتألم لإهمال جيل اليوم للكبار ، وقال الماعندو قديم ما عندو جديد .
الفقر هو السبب
وترى الدكتورة عواطف مصطفى عبدالحليم الأستاذه المحاضرة بجامعة الأحفاد أن الفقر عامل قوي في تشتيت الأسر وعدم تماسكها . فالاسرة الفقيرة لا تستطيع ان ترعى ابناءها رعاية سليمة صحية ونفسية واجتماعية وتربوية . واضافت بأن المجتمع يؤثر على الاسرة بأمور سلبية تزحف في داخلها وتقوض بنيانها ، وهذه المؤثرات السلبية هي التي تمزق كيان الاسرة وتجعلها بيئة غير صالحة لتنشئة الاجيال .ومن اهم هذه السلبيات هي الفقر والجهل والمرض وهذا الثلاثي الخطير يعتبر عدو الامة بالاضافة للمخدرات التي انتشرت هذه الايام ، واحيانا يهرب الاطفال من بيوتهم لعدم شعورهم بالأمان النفسي فينعكس ذلك على مستواهم الدراسي بل البعض يترك الدراسة ويتسكع في الطرقات .
واوضح الجهاز المركزي للاحصاء ان عدد الاسر الفقيرة (5.159.012 ) والاسر الاشد فقرا (2.288725 ) الفئة الاولى( 363.527 ) والثانية ( 1679944 ) والثالثة ( 245.254 ) .
شيء طبيعي
اما الدكتور علي صديق استاذ علم الاجتماع بجامعة النيلين فقال ان التغيير شيء طبيعي وهو سنة الحياة والاسر تتغير باستمرار وبتغير الظروف المحيطة بها وباختلاف المناطق الجغرافية ، نظرا لإختلاف المراحل التي يمر بها الفرد .فالاطفال عندما يكبرون تتغير حياتهم ، واشار الى ان التربية اصبحت تشترك فيها جهات كثيرة ، موضحا ان دور الاسرة اصبح ثانويا ، وضعفت سلطة الوالدين داخل الاسر ولذلك انعدم العنف الذي اقتصر على الاسر المفككة ، اما التربية التي تعتبر مربط الفرس فالمدارس تربي من الناحية الاكاديمية والشارع والفضائيات من الناحية الاخلاقية ، والزواج تحل مشاكله في المحاكم ، وفي السابق الاسرة هي التي تحدد الزوجة والزوج ، وتحسر على انعدام ظاهرة (غطي قدحك) ، واضاف ان جيل اليوم به كثير من التغيير فابسط شيء قضاؤهم لجل اوقاتهم امام التلفاز والكمبيوتر مقارنة مع الاجيال السابقة التي كانت تحتك بالآباء والاجداد وتقضي اوقاتهم بين كنفهم متعلمين منهم الثقافات والعادات والقيم السودانية الاصيلة ونتيجة لبعد الابناء عن اسرهم نتجت كثير من العادات الضارة والدخيلة على مجتمعنا خصوصا فئة الشباب ، واشار الى أن هنالك عادات سادت ثم بادت مع مرور الزمن نسبة للتغيير الذي طرأ على الاسر السودانية منها لبس الثوب السوداني الذي تميزنا به عن بقية دول العالم واصبح عادة وموضة قديمة ، وختاما قال ان اقتصار النشاطات الشبابية على الرياضة فقط دون النوادي الثقافية والاجتماعية والادبية يلقى بظلال سيئة على تربية النشء ، وحذّر من توافد الاجانب علينا والذي احدث تغييرا لايستهان به في المجتمع بكافة شرائحه .
وزارة الرعاية
اكدت الاستاذة أميرة الفاضل وزيرة الرعاية والضمان الإجتماعي إهتمام الدولة بالأسرة ووضع السياسات التي تحفظ للأسرة مكانتها في تنشئة الأجيال والمحافظة على العادات والتقاليد والقيم السودانية الأصيلة ،جاء ذلك لدى مخاطبتها احتفال الوزارة باليوم الوطني للاسرة .وقالت أن هناك عوامل أدت إلى حدوث تغيير في الأسر السودانية مما نتج عنه تفكك في الأسر وزيادة معدلات الطلاق وإنتشار ظاهرة التسول والتسرب من المدارس وغيرها ، وقالت أن الأسر السودانية ممتدة وهنالك مسئولية من الوالدين تجاه الأبناء وقيمنا الثقافية واضحة المرجعية ولدينا سياسات واضحة ومجازة من الدولة ، وأشارت إلى وجود تحديات تواجه العمل الاجتماعي مثل الفقر والعولمة وما تفرزه من مخاطر ثقافية والغزو الثقافي والأجيال الجديدة وتعدد وسائل المعرفة . وتابعت: أن إصلاح المجتمع يبدأ من إصلاح الأسرة . ودعت الوزيرة إلى تعميق شراكة الوزارة مع الجهات ذات الصلة في العمل الإجتماعي . وقالت لن نستطيع أن نقوم بحل القضايا الموجودة في المجتمع إلا بالشراكة .
وفي السياق قالت بأن الوزارة تعمل على تقديم الخدمات الصحية والاجتماعية للمجتمع بمفهوم الأسرة . ولفتت إلى أن معظم الدول الأخرى لاتهتم بتقديم هذه الخدمات على الأسر كافة وإنما على مستوى الفرد فقط ، ودعت الاسر للاهتمام بالمسنين باعتبارهم نواة هذه الأسر ويجب علينا الحفاظ عليهم وعلى حقوقهم المشروعة .
الأسرة السعيدة

وتحدث للـ(الرأي العام) الدكتور سليمان علي أحمد رئيس المجلس الاستشاري لمنظمة الأسرة السعيدة ، وقال أن الاسرة السودانية الآن تشهد تحولا كبيرا ومستجدات جمة أثرت فيها سلبا وإيجابا الأمر الذي يقتضي ضرورة القيام بعمل مؤسسي منهجي تتكامل فيه الجهود من قبل الأكاديميين والمهتمين بقضايا الأسرة ووسائل الأعلام .واشار د. سليمان الى ايجابيات وسلبيات الأسرة الممتدة والنووية ، مبينا أن الأسرة والمجتمع بأسره أضحى عرضة للأثر السالب للتطور التكنولوجي ، مضيفا أنه أسهم في زيادة المشكلات الأسرية والظواهر السالبة الأمر الذي يستدعي ضرورة رفع الوعي بالاستفادة من الإيجابيات، مؤكدا استمرار جهود منظمة الأسرة السعيدة من أجل القيام بدورها في مساعدة الاسرة لتحقيق سعادتها وذلك بدءاً بارشاد ما قبل الزواج .
وأكد د. معاذ شرفي اختصاصي الصحة النفسية للأطفال والشباب أهمية دور التربية في إحداث التنمية ، متناولا الأسس المطلوبة لكي تكون التربية ايجابية ، مشيرا الى أن غالبية المشاكل الأسرية ناتجة عن عدم تعليم فن الحوار ، إضافة الى خلل في المفاهيم لدى الاسر والمجتمع، قائلا أنه يتم التركيز على النمو الكمي وليس الكيفي داعيا لضرورة الموازنة بينهما وفق أسس علمية ودينية .
إرتفاع معدلات الطلاق
وفي ذات الإطار تحدثت الأستاذة عفاف إبراهيم البكري مدير إدارة البرامج بوزارة الرعاية والضمان الإجتماعي للـ(الرأي العام) أن هنالك تغييرا طرأ على الأسر السودانية خاصة من الناحية الإقتصادية وإرتفاع معدلات الطلاق ،والميل للفردية ،وترك العمل الجماعي، وإنتشار المخدرات ،وتغيير كبير على مظهر المرأة العام ، ووسائل التكنولوجيا أحد أهم أسباب التغيير. وأشارت إلى أن التغيير أمر طبيعي في المجتمع والأسرة، فكل الأشياء قابلة للتغيير ، والتغيير أحد سمات المجتمع وضرورة لبقاء الجنس البشري ، وهنالك فرق كبير بين التغيير والتغير ، فالتغير يحدث بطريقة تلقائية، أما التغيير فيكون بإرادة الفرد ويرتبط بطبيعة البناء الاجتماعي والنظم والأجهزة الاجتماعية ، والمجتمع الإنساني بطبيعته مجتمع متغير وغير ثابت على حالة واحدة ، والأسرة السودانية التقليدية أسرة ممتدة إذ نجدها تمثل وحدة اجتماعية يعيش فيها الزوج والزوجة والأبناء في بيت واحد. والمجتمع السوداني يتصف بالترابط بين أفراده والنمط السائد في الأسر السودانية هو نمط الأسرة الممتدة .
وأضافت الأستاذة عفاف أن عوامل التغيير كثيرة منها العوامل الجغرافية. فأي تغيير في المكان الجغرافي يؤدي إلى تغييرات في نظام الأسرة كالزلازل والفيضانات والأعاصير ، وهنالك العوامل البيولوجية والأيدلوجية ،ففي الماضي كانت العلاقة بين الآباء والأبناء علاقة سلطة وسيادة ،أما اليوم فتغيرت وتميزت بالتفاهم والاحترام ، وكانت التربية بحزم شديد، أما اليوم فيحصل الأطفال على قدر كبير من العطف والحنان ، ويعتبر عامل التعليم عاملا مهما في التغيير الاجتماعي بواسطة تغير ثقافة المجتمع ، وانعكس أثر التعليم على الأسرة خاصة بعدما نالت المرأة قدراً من التعليم وبذلك أدت إلى تغيير مكانتها داخل الأسرة ، وهنالك العوامل السياسية من حروب ونزاعات وهذه تؤدي إلى تغيير إجتماعي متمثل في النزوح والهجرة والتشرد .
أثر التغيير على شكل الأسرة
وعن أثر التغيير قالت الأستاذة عفاف: مازالت الأسرة تحتفظ بالشكل الأبوي ، حيث نجد أن المسئول الأول عن رعاية الأسرة في الغالب هو الأب ، ونتيجة لعوامل التغيير نجد أن بعض النساء في المجتمع يقمن بمسئولية رعاية شئون الأسرة بدلاً عن الرجال وهذه واحدة من مظاهر التغيير التي طرأت على الأسرة ، أما آثار التغيير الإقتصادي فظهرت نتيجة لإنتقال المجتمع التقليدي الزراعي الرعوي إلى العمل في الصناعة والتجارة والخدمة المدنية هذا بالإضافة للعمل الفردي والاستقلال الاقتصادي والاعتماد على النفس ، وهذا أثر على دور الأسرة في الإختيار للزواج فأصبح الإختيار فرديا ، وحتى السكن أصبح منفصلاً عن الأسرة الكبيرة مع إنحسار مساحة المنازل وإختفاء الحوش الكبير وخروج المرأة للعمل . ويرى البعض أن خروج المرأة للعمل يعتبر تغييراً إيجابياُ لأنه يساعد على تحسين أوضاع الأسرة إقتصادياً واجتماعياً كما يقلل من النزاعات الأسرية ،وبهذا نجد أن المرأة اسهمت في حماية الأسرة من التصدع والإنهيار ، وحرصاً من الدولة للحفاظ على الأسرة السودانية وطبيعتها المميزة وضعت الاستراتيجيات والسياسات والخطط والبرامج المتكاملة لرعاية الأسرة ومنها (مشروع تخفيف حدة الفقر ? مشروع التمويل الأصغر ? مشروع تنمية المرأة الريفية ? مشروع الدعم الاجتماعي للأسر الفقيرة والذي يستهدف (500.000) أسرة ) هذا بالإضافة إلى برامج مؤسسات الضمان الإجتماعي والحماية الإجتماعية مثل : ( ديوان الزكاة ? الصندوق القومي للتأمين الصحي ? الصندوق القومي للتأمين الإجتماعي ? الصندوق القومي للمعاشات ) .
[/JUSTIFY]

تحقيق : عمر عبد السيد إبراهيم
صحيفة الراي العام

Exit mobile version