كنا مجموعة تتراوح ما بين العشرة والإثني عشر بنت، ولم تكن أعمارنا تتجاوز الستة عشر، كنا نتجمع بعد الأفطار لممارسة رياضة المشي ، وبما أن منطقتنا كانت تجاورها الكثير من الأحياء الجديدة غير مكتملة العمران مما جعل طرقاتها الهادئة وشبه الخالية من المارين مسالك مأمونة لجولاتنا الليلية.
كانت لتلك المشاوير فوائد عدة، فبالإضافة لفايدة تنشيط الدورة الدموية والتخلص من الفايض، كانت لها قيمة إنسانية أخرى تتمثل في إنتهاجنا لمنهج (المطوّعين) في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك لان تلك الطرقات الأمنة كانت ملاذا للعشاق والمحبين ممن تقصر الظروف والجيوب منهم عن إمكانية التلاقي في المنتزهات والحدائق العامة، فيتخذون من مصاطب البيوت المتناثرة في تلك الأحياء مجالس أنس ويستعيضوا عن جلسات تقطيع النجيلة بجلسات الشخبتة في الواطة بواسطة الأعواد، وتبادل الحكى وحجى (أم ضبيبينة) وده للما بعرف مصطلح معناه (النقة) طبعا بمعناها الإيجابي ليس (الزن في الأضان).
كنا نسمي ثنائيات العشاق بأجواز الحمام، فما أن نصادف جوز حمام وهم جلوس على إحدى المصاطب حتى ننطلق إليهم في سعادة بالصيد الثمين ونحن نقول :
هدييك جوز حمام .. ورح عليهم النطيرم.
ثم نحيط بهم من كل جانب فيصيبهم الرعب ويغادروا مكانهم بسرعة، فنبحث عن غيرهم لنعاود معهم نفس تكنيك الحصار حتى نتمكن من جلاءهم، ولكننا أحيانا كنا نصادف نوع من الأجواز اللطيفين ممن يتحلون بروح الدعابة فيلومونا علي حسادتنا لهم علي الحُبكانة الما لامين فيها أنحنا (دي وجهة نظرهم هم طبعا)، كما قد يتحلى الشاب أحيانا بروح الحمية فيحاول الدفاع عن محبوبته ودفع الإحراج عنها فيمس قلوبنا بتصرفه فنتركهم ونواصل الطريق، وهكذا غالبا ما تنتهي جولاتنا بإستتباب الأمن وخلو الطرقات من المخالفات العاطفية ونكون بذلك قد ساعدنا بنشر الفضيلة في ليالي الشهر الكريم.
ومع الصحوة الأسلامية في الثمانينات، وإزدياد معدلات إنتظام النساء في صلاة التراويح في المساجد، وكنا قد كبرنا وعقلنا شوية، فبدأنا في إستبدال جولات صيد الحمام بإن تحولنا نحن أنفسنا لحمامات مسجد ، وصارت جل رحلاتنا لصلاة التراويح ومغامراتنا تنحصر في تنظيم الصفوف ومكابسة النسوان والفرفرة تحتهن، فبسبب النحافة وصغر الحجم كان الوقوع بين (حاجتين) من النوع الفخيم في صف الصلاة، قد يؤدي لتفعيصنا تحتهن دون حتى أن ينتبهن لذلك، ورغم المعاناة من الزحام ومقاومة السرحان مع صلاة بعضهن الجهرية لدرجة الإخلال بخشوع الآخرين، ولكن متعة صلاة العشاء والتراويح لا يمكن حتى مقارنتها بغيرها من أنشطتنا الرمضانية.
[/ALIGN]
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com