بسم الله الرحمن الرحيم
الـــحــــمـــدُ لله رب الــعــالمـيـن ، والـــصــــلاةُ والــســلام عـــلى المـــبـــعـــوث رحـــــمــــة للــــعــــالمـيـن .. ســـيــدنـا مـحـمـد ، وعـلـى آلــــــه وصـحـبـه ، ومــــن اهـــتــــدى بــهــديــه إلى يـــــوم الـديـن.
المــواطــنــون الأعــزاء..
الـــســـلام عـــلــيـــكـــم ورحـــمـــــة الله وبــــركـــــاتــــه
إنَّ غرة شهر يناير ، هو يوم التاريخ ، فيه نَحتفل ونحتفي بأغلى ذكرى ، هي ذكــرى الإسـتـقـلالٍ المـجـيــد الـذي صنعنـاه نـحـن شـعـب الـسـودان بتضحيةٍ ونـضـالٍ دائـبْ ، حمل راياته ودفع مَهْرَهُ ، دماً وعَرَقاً وسِجْناً وتشريداً ، الأباء المُؤسِسوُن الذين رسموا بدمائهم ودموعهم لـوحةً خالدة ، أرسوا بها لَبِنَاتْ الأساس لقواعدَ هذا الوطن الحُرّْ الأبيُّ الشامخُ ، الـحُـرُّ المستقل ، الذي بنَى قَـواعـدَ مَـجْـدِهِ كوكبةٌ من الرجالِ الأفذاذِ الشُرفاء ، رجالٌ عاهدوا الله فأوفوا بالعهد وما بدلوا تبديلاً ، وقد كُتِبتْ أسماؤُهم بأحرفٍ من نور.
وفي هـذه الـعُـجـالـةِ لا يَفوتُـنـا أنْ نـَذكـرَ بالـفـخـرِ والإعتزازِ شَعبنا السوداني والمجتمع السوداني بـكـافـةِ مكوناته الـداعـمـة للـقـوات المـسلحـة وقـواتـهِ النظـاميـة مـن كـافـة الـرتـب ، وأنّ من أبرزِ المواقف ، توحيدُ الصفِ الوطنى والإرادةِ والوفاقُ الذي به تحقق مزيدٌ من التُوحدِ والتُكاتفِ ، ولابدْ من الإشارةِ والإشادةِ بدورِ الشبابِ الواعدِ والمرأة المستّنيرة في البناءِ الوطني ودعمِ الأداء على كافةِ الأصعدة والمناشط.
ذكرى الاستقلال هذا العام تَجِئُ في ظِلِ وضعٍ جديد ، ومُتغَيِرَاتٍ كثيرة شَهِدْتهَا بلادنا الفترة الماضية ، وقد اعددنا لها العُدَّة برؤيةٍ نافذة ، ومُعالجات لأىِ آثارٍ ناجمةٌ عن تلك المتغيرات ، وماضونَ بإذن الله في التزاماتنا الوطنية التي تُملِيهَا علينا قيادتنا لهذا البلد العزيز.
وذكرى الاستقلالِ هذا العامُ هي بدايةٌ لتجديدِ الارتباطِ بالوطنِ ، وتأكيدٌ للثباتِ على المبادئ ، وتجسيدٌ للروحِ الوطنيةِ وقِيمِ الولاء والإنتماءِ وشوطاً جديداً في مسارِ فكِ الإرتباط والركونِ والارتهانِ للمستعمر ، مُحَّررَينَ من كلِ أشكالِ التبعية.
ونـحـنُ إذ نـحـتـفـلُ الــيــومَ بـعـيـدِ الاسـتـقــلالِ وقـــد تــحــقــقــتْ إرادةُ الـشـعـبِ الـسـوداني ، استقلالاً سياسياً وثقافياً واقتصادياً بما يُعَبِّرْ عن مدلول الاستقلال الحقيقي الــــذي يــعـنـى أن نـكـفـي حاجة أنفسنا بأنفسنا ، وأنْ نُسَلِّحَهَا بقوةٍ ووقايةٍ ذاتــيـــة ، لــقــد قــطــعـنـا بـحـمـد الله اشـــواطـــاً مــن الاستقلال الاقتصادى ، بجراحات مــؤلمـــة ، وأفـــضـل للجَسدِ أنْ يَتعَافَىَ بجراحةٍ صعبةٍ وشاقة ، منْ أنْ يتَعامَىَ ويتغَافَلْ عن عِـلَلِـهِ ، ويـُـعــالِــجَــهــا بالمُسكِّنَاتْ ، وتَــغَـلَّبْنَا على كـــل الإِستهداف والــحـصـار بشتى صنوفه ، وعَبَرْنَا إلى مرافئِ السلامِ والاستقرار ، وجَنَّبْنَا السودان مسالك الحروب الطاحنة ، والأزمات الخانقة ، ولانزال على الدرب سائرين ، ساعينَ من أجلِ إعمار السودان ، وحِفِْظ أمنه واستقراره ، والمحافظة على مجده وعزته ، وتحقيق النمو والتنمية ، بموارده الوفيرة ، وبإنسانه الواعي الصبور ، وبما تذخر به دولتنا من طاقات شابة ، وُلِدَتْ وتَفتَّحتْ عقولها على سودانٍ مُستَِقّلٍ ، فمن أبناء السودان أجيالٌ لم تشهد مَخَاضْ وِلادة الاستقلال ، وواجبٌ عليها تسلم الراية الوطنية ، وحُقَّ علينا أنْ نَدُلَّهُمْ على معالم الطريق ، لنرسم لهم مستقبلاً مزدهراً في إطار الجمهورية الثانية ، لدولةٍ تسعى بكل جِدٍ إلى بناء ثروتها الوطنية الجديدة ، وقد توفرت لنا مقومات القوة والمنعة التي تُمكَّنُنَا ، من التفرغ لعمل دؤوب في كل حقول الإنتاج ، من أجل تحقيق التنمية المرجوة ، وجهود التنمية إنْ لـم تشمل العنصر البشري ، وترتقي به علما ومعرفة وتحضراً وعيشا كريماً ، فهي لَيْستْ بتنميةٍ حقيقة. وإِنما تنهض على الإرادة الموحدة للعيش المشترك ، وتُعَزَّزْ بالأواصر الثقافية والوشائج الإجتماعية ، ولم ينقطع ذلك بإنفصالِ جنوب السودان ، بل ربما كان هذا بداية جديدة لتقوية الروابط ، وبناء علاقة تواصلٍ وانتفاعٍ ، يَسْعَدُ بِهَا أبناء الوطن هنا وهناك ، ولئن كان انفصال جنوب السودان بداية هناك ، فهو بداية جديدة هاهنا أيضاً.
المـواطـنـون الــكــرام..
إنَّ احتفالنا بذكرى الاستقلال هذا العام يحمل في طياته ، إعلان انتقالنا إلى مرحلة إكمال ما أنجزناه في سبيل هذا الوطن ، ويَحِقُّ لنَا في هذه المناسبة أنْ ننظر إلى مـا تـحـقـق بـفـضـل الله وعـــونــه ، في شـتى مــجــالات الـتـنـمـيـة مــن طــرقٍ رابِـطَة ومطارات ، وجسور وموانئ ، وخطط سكنية وكهرباء ومواصلات ، وخدمات صحية وتعليمية ، ووفرة في السلع ، وشبكــة اتــصــالات فـــائــقــة السرعة أحــدثــت ربــاطــاً إجـتـماعـيـاً وتواصلاً كثيفاً ، وتأميناً للأنفس والأرواح ، فالأمن هو مفتاح الحركة والانتعاش. والسلام هو طريق التنمية ، ونحن إذ نُصْدِرُ المراسيم لتحقيق ما التزمنا به في سلام الدوحة ، ندعو كل أبناء الوطن لوضع السلاح ، والأوبة إلى رحاب وطن لن يضن على أبنائه بشئ.
ودعوتنا لمن انساقوا وراء ما يسمى بحركة العدل والمساواة وأباطيلها وعناد قائدها الذى نالَ جزاء ما اقترفه من قتلٍ ودمارْ بحقِ الشعب السودانى ، أنْ ينخرطوا في المسار السلمي ويلتزموا جانب الحوار من أجل السلام ، وأبوابنا وقلوبنا مفتوحة لمن أراد السلام وسعى له ، ولم يركن للقوى الأجنبية والأجندات الدولية الغشيمة، واؤكد هنا أنْ اياً من حركة أو مجموعة ترفع السلاح في وجه الدولة ، ليستْ بأقدر وأقوى من كل صولجان الدول التى حاصرتْ وقاتلتْ واعتدتْ على السودان وما استطاعت ، وسيخيبُ ظَن كـل من يعتـقـد أنَّ الـقـوات المسلحة والـقـوات النظامية الأخـرى المسنودة من الـشـعـب ، غــافــلـة ونـائمـة ، فـهـي في حــالــةِ يـقـظــةٍ دائـمـة تــدفـعُ عــن الـسـودان كـل غـازى ، وتحمى شعبه من أى عدوان.
المـواطـنـون الأعـزاء..
إننا ننظر إلى المرحلة المقبلة من تاريخ بلادنا ، على أنها مرحلة الشراكة الوثيقة مع الشعب ، والصلة الوطيدة بالمواطن ، هى مرحلة العبور من حال المكابدة للعيش الكريم ، إلى حالِ السعة والرفاهية بإذن الله ، وهى مرحلة جِدٍّ واجتهاد ، للحفاظ على النجاحات والمكتسبات والإنجازات التي تحققت ، والبناء عليها والإضافة إليها ، غير قــانِـعِـيـنَ بـمـا تَـحـقَّـق ، ومـا تـَحقق ليسَ بالقليلْ ، فنحنُ نتطلعُ إلى قَفَزَاتٍ تنمويةٍ كُبَرى ، قِوامُهَا نهضة زراعية واسعة المَدَىَ ، وجهودٌ متواصلةْ لاستكمال البنى التحتية في مجالات الطرق والنقل والنفط والصناعة والصحة والتعليم. وقد اعددنا لهذا العام رؤية مسنودة بخطة إستراتيجية قومية شاملة ، والتى جاءت الميزانية التى أجازها المجلس الوطنى قبل أيام ، على هُدَى تلك الخطة والتى محورها الأساسى ، وضع حَدٍّ للمعاناة الاقتصادية عبر البرنامج الثلاثى القائم على إحلال الواردات وتوسيع الصادرات وتحقيق فائضٍ إيرادى ، ونُضاعِف الجهود في مجال التنقيب واستخراج النفط في إنحاء السودان المختلفة ، كما نُضاعِف الجهود لتسريع استخراج المعادن التى تذخر بها بلادنا بحمد الله.
إنَّ مَرْحَلَتَنَا هـذه هى مـرحـلـةُ التفكـيـر وحُـسن الـتـدبير ، وتوسيع المشاركة السياسية ، ولقد تواثقنا مع شركائنا في حكومة القاعدة العريضة ، على ميثاقٍ ثُلاثى للإصلاح الاقتصادى ، ولترسيخِ الاستقرار في الوطن ، وتخفيف الأعباء على المواطن.
وإنَّ إنجازات الأعوامِ التي مضت هي بدايات ، وأكبر منها ما هو آت ، وسيكون هذا العام بإذن الله هو عام الزراعة وجذب الاستثمارات على صعيد التنمية الاقتصادية كما أنه سيكون عام التركيز على التعليم بإنعقاد المؤتمر العام للتعليم بالبلاد والذى يتم الإعداد له لينعقد خلال الربع الأول من هذا العام ليشكل منطلقاً لصياغة مستقبل التعليم توسعاً وتعميماً وتجويداً واهتماماً ببيئة التعليم والعاملين بها ، والارتقاء بمستوى الـخـدمـات والمـعـيـشـة يـَتـصـدَّر أولــويـات اهتمامنا ، فـالمـواطـن هـو الأولوية الأولى ، تواصلاً فَعَّالاً معه ، فتحاً لأفاق المشاركة الشعبية التي يتحمل فيها الجميع المسئولية الوطنية بالكفاءة والولاء. واننا ملتزمون كفالة الحريات في إطار الحقوق الدستورية والمسؤولية وسلامة الوطن وأخلاق شعبه ، وحافظون كذلك لحقوق الإنسان ورعايتها ، فنحن احـرص على حفظها من المنادين بها إدعاءاً ، وينتهكونها صباحاً ومساءاً ، وإننا بصدد تكوين مفوضية لحقوق الإنسان تنشأ قريباً.
المـواطـنـون الــكــرام..
إنَّ مستقبلنا الموعود بالخير والفتح والنصر والتأييد مبنىٌ على دُعامَتين ، الأولى هى الاهتمام الأعظم بالوطن ، سلامتِهِ وأمنِهِ وتحصينه وإِعماره ، وغرس حبه في صدور أجيالنا الحالية والقادمة ، فحُبُّ الأوطان من الإيمان ، وخيانة الوطن الذى به نشأنا ومـن أرضــه نبتـت أجـسـامـنـا لاتـعـدلـها خـيـانـة ، والـولاء لـه جـزءٌ مـن الـولاء لله ولـرسـولـه ، والسهرُ عليه واجبٌ وفرضُ عين على كل من يَقْطُنَه من أبنائه . والدعامة الثانيـة هى ذات الاهـتـمـام الأعـظـم بالإنـسان في هـذا الـوطـن ، فـهـو صـاحـب الـرسـالـة في الـحـيـاة ، ومبعـث عـمـرانـهـا ، وأسـاس نـهـضـتـهـا ، وهـو المُـكـلَّـفْ مـن الله تـعـالى بـهـذا الهدف ، وواجبنا صونه ورعايته وحمايته ، وتزويده بالمعرفة والعلوم والثقافة ، وإعداده بالتدريب لرفع قدرته ، وزيادة قيمته وتوظيفه لأداء مهمته في التعمير ، والنهضة والرفعة والريادة.
وإننا إذ نحى الذكرى السادسة والخمسين مُنذ العام السادس والخمسين ، يَتوَجَّبُ علينا أنْ نـعملَ سـويـاً بـهِـمَّـةٍ وإخـلاص ، لـردِ الجميل لـهذا الوطن الذي نعتزُ بالإِنتماء له ، والعيش في تُرابِهِ الطاهر ، الذى مَهَرهُ الشهداءُ من ابناءِ القوات المسلحة والقوات النظامية الآخرى ، والمجاهدون المتطوعون ، بالدماء الغالية ، فلهم جميعاً التحية مَنْ مَضَىَ منهم ومن بقوا بعدَهُمْ ، ما بدلوا تبديلاً ، ونحن على العهد معهم شركاء في حب الوطن ، وفي الذود عنه ، ولن ندع كائناً من كان ، أنْ يُدنِسَهُ أو يَستَبيحَ تُرابَهُ ، ولن نَـدَّخِرَ وُسْعاً في سبيل رِفْعَتِهِ وإعـلاءِ شـأنِـهِ ، ورِفـعـةُ الـوطـن تَتحَقَّقْ بـصِدْقِ أهـلِـهِ وإخلاصهم ، والسودان وطـنـنا ، جـسدٌ واحــد يتلاحــم ابناؤه وتتوحد ارادتهم ، رؤيةٌ واحدة ، وغايةٌ واحدة ، فهذا دأب الشرفاء من ابناء السودان ، والذين نجدد الدعوة اليوم لـهم للإئتمار عـبـر مـفـوضـيـة الــدسـتـور لإعداد دستور السودان الذى ندعو له كل المفكرين وأساتذة الجامعات والقوى الوطنية لنصوغ إستراتيجية شاملة ، ولننجز دسـتـوراً يـكـون مـوجهاً ومرشداً وراسماً لصــــورة الـسـودان المــتـجـدد في الجمهورية الـثـانـيـة ، والـتى نُـــريــدُهَـــا كــمــا يـُريـدُهَـا أهــــل السودان ، عــزيــزةٌ منيعــة ، حُـــرَّةٌ مُتحررة ، متقدمة متطورة كما هو قمينٌ بأهلِ هذا الوطن العزيز.
والـحـمـد لله أولاً وآخــــراً ، والــســلام عــلـيــكــم ورحــمــة الله وبــركــاتــه.