و(الأفكارُ النمطية) ظاهرةٌ إنسانيةٌ مستمرة، توجد في كلِ المجتمعاتِ، بدرجاتٍ مختلفةٍ، وإن كانت صفة الشيوع أو الذيوع لا تمنع من وصفِها بأنها ظاهرةٌ إنسانيةٌ سالبة، ففي كل بقاع الدنيا هناك عشراتُ الأفكارِ النمطيةِ عن المجتمعاتِ والحضاراتِ والثقافاتِ الأخرى.
ولدينا في السودان أيضاً الكثير من هذه الأفكار، التي يكررها الناسُ دون وعي منهم لشيوعِها وذيوعِها وتغلغلها فيهم لدرجة اليقين، حتى أصبحت ظاهرة تتأجج بالنقلِ وتعادي العقل، والترديد هو الذي يعيد إنتاجها من جديد .
وفي إعتقادي أن الإنسانيةَ لن تبرأ بشكلٍ مطلقٍ من الأفكارِ النمطيةِ، لإرتباطها بأهواء النفس وعللها المختلفة، وأهم أسبابها هي :-
تغييب العقل وعدم إرهاق الفكر بالتقصي .
عدم التصدي للأفكار لتمحيصها .
إستسهال البناء على القوالب الفكرية الجاهزة .
روح التعصب لجماعة ضد أخرى .
البحث عن مايشوه صورة الآخر .
المباهاة الإجتماعية والتقليل من الآخر .
فمن الأفكار النمطية عنا كسودانيين في الخارج، أننا (كسولين) ومهما حاول السودانيون مدافعة هذه الفكرة النمطية، فإنهم لن يغيروا شيئا فيها.. والغريب أن أكثر الشعوب كسلا في التاريخ، هي اشدها تحمسا لوصفنا بالكسل .. فالخليجيون مثلا لايستطيعون إصلاح إطار سيارة ويعتمدون على غيرهم في مثل هذا، بل في أبسط الأمور الشخصية .. لكنهم لايرون أنفسهم كذلك، بل يروننا كسالى، لدرجة أن كل الخدمات في دولهم يقوم بها الأجنبي، ومن بينهم السودانيون المنعوتون عندهم بالكسل، وذلك مثلما أننا نحتفظ في دواخلنا، بفكرة مسبقة عن المصريين مثلا والأثيوبيين ونحوهم .
لكن إخواننا المصريين يرون كسلنا على نحو أخر، فهم يعرفون أن بالسودان مساحات كبيرة صالحة للزراعة، ويستغربون أن تظهر بالسودان مجاعات أو فجوات غذائية، لذا فإن فكرة الكسل تغلغلت فيهم حتى أصبحت يقينا يمشي بينهم من هذا الباب .
فمن الأفكار النمطية في مجتمعنا السوداني، أن المجتمع كله يصنف اللاعبين على انهم سواسية وأنهم فاقد تربوي، وانهم فارغون من أي محتوى، بل أن غالبيتهم (بتاعين فارغة) وتحت هذه المظلة الفارغة لك ان توصمهم بكل ما يحلو لك من وصف، إذ هم السكارى والحيارى، وربما السيئوون في عالم السوء، بل هم (الصقور والنسور والجوارح) والمتعاطون، وفيهم مافيهم من المساويء المسكوت عنها والمسموعة للناس، للدرجة التي تجعل الكثيرين من قدامى اللاعبين، وانا منهم أتحرّج كثيرا جدا حينما يعرّفني أحد بأنني من قدامي اللاعبين، ويكتفي بهذا التعريف المبتور.
دون أن يحدد مكاني من الإعراب، وكأنني بلا شغل أو مشغلة، وفي أقل القليل تكون الصورة لدي المتلقي أنني (ساكي الفارغة) ، فأن تكون لاعبا سابقا دون ان يكون لك وجود في عالم اليوم لهو شأن مشين لا يدعو للفخر ولا للإعتزاز، ولربما تأتى ذلك لأن كثير من اللاعبين السابقين يعيشون على بقايا نجوميتهم الآفلة، وليس لهم من مؤهلات يواجهون بها الحياة إلا تلك الصفة المنتهية الصلاحية، وأذكر أنني وصديقي العزيز عزالدين (الصبابي) قد توافقنا على هذا الأمر الذي يقدح أكثر مما يمدح .
صحيح أن هناك لاعبين كثيرين متفوقين، وصحيح أن بين هؤلاء من تبوأوا مراكز مرموقة، وقد وصلوا في مدارج العلم الى أعلى الدرجات، لكن الصورة النمطية تأتى على محمل التعميم، ولا تعرف قانون التبعيض، فتضع الجميع في سلة واحدة، لأنها تفترض أن اللاعب السابق لن يعدو أن يصبح (مدربا) في أحسن الحالات، وهنا تنتهي حدود شخصيته.
فما أن بدأت أكتب عبر الصحف المختلفة حتى وجدت سيلا من علامات الإستفهام والدهشة عند الكثيرين، الذين عبروا عنها في كثير من الأحوال ضمنا وعلانية، وكثيرون ممن لا أعرفهم كتبوا إلي في ذات الخصوص، بل أن البعض من هؤلاء يعتقد أن ورائي كاتب متخفي، وكأنهم يستكثرون على اللاعب السابق أن يكون متعلما أو مثقفا، أو صاحب حظوة .
وهذا الأمر عانينا منه ونحن لاعبين فمجرد أن تطلب إذنا، أو أن تنقطع عن التمارين بحجة الإستذكار وأنت مقدم على إمتحان، كان ذلك مصدر تهكم من الكثيرين الذين كانوا يرون إنفصاما بين العلم والكرة .
وأذكر أن زميلنا بنادي الموردة الكابتن المهندس (دفع السيد منغستو) كان ملتزما ومازال، وكان يستأذن للصلاة مهما كانت أهمية المباراة أو أوانها، لكن ذلك كان لايعجب الكثيرين، الذين كانوا يرون في اللاعبين صفات لا تمت للإلتزم في شيء، وهذه صورة أخرى أكثر نمطية من غيرها .
ورغم أنني أحمل شهادتين دوليتين في تدريب كرة القدم من الفيفا، عبر إتحاد كرة القدم الإماراتي، فاحمد الله أنني تخرجت في كليتين هما الآداب قسم الجغرافيا بتقدير جيد، وأخرى في الحقوق بمرتبة الشرف مع دبلوم في الفنون الجميلة.. بل نلت درجة الماجستير في (جغرافية الجريمة) لأكون أول سوداني يتخصص في هذا العلم الذي ليس له كرسي، إلا في جامعة اونتاريو بكندا .
وهذا بالطبع سيهزم نفوس الذين ظلوا يكتبون الينا حقدا، ويبصقون في بريدنا الألكتروني خلسة.. وسيمرق أنوف بعض الحاقدين الذين ظلوا يدورون بين الهمز واللمز، حتى اولئك الذين ظنوا أنني لا أحمل قيدا صحفيا فنطمئنهم الى أننا نحملة بصفة (محترف) وليس إستثناءا إستجدائيا مثلهم، إذ لسنا من الذين يمتهنون المهنة إهانة، بل نحن من الذين يرتقون بها فكرا وأدبا وجزالة، لأننا نصوب نحو المفاهيم وليس الأحداث الوقتية العابرة.
والله المستعان .. ولكل هؤلاء نهدي بيت شعرنا الذي درجنا على أن نزيل به مقالاتنا
ملء السنابل تنحني بتواضع … والفارغات رؤوسهن شوامخ
صلاح محمد عبدالدائم شكوكو
shococo@hotmail.com