مأساة .. الطفلة التركية (يسرا إيبك) الطفلة في حالة موت سريري بحي الأزهري بالخرطوم – صورة

حالة انسانية (مؤلمة) و (موجعة) بكل ماتحمل هاتين الكلمتين من معان ودلالات وقفت عليها ميدانيا صباح الجمعة الماضي بأحد المنازل بحي الازهري مربع (16) الخرطوم … طفلة تركية الاب ، سودانية الام ، عمرها لم يتجاوز الثامنة ، ترقد في حال سباق عميق اشبه بـ(الموت السريري) … لاتجلس ، ولا تتحرك ، ولا ترى ، ولا تأكل ولا تشرب إلا بالملعقة ، ولا تتكلم ولا تفصح عن آلامها وعذابها الذي تعاني منه منذ ست سنوات … والدها مؤلف وناشر وصحفي تركي مشهور في بلاده ووالدتها السودانية صحفية ومترجمة لغة انجليزية ، انفصلت عن زوجها منذ حوالي (6) اشهر … كانت تقيم مع زوجها وطفلتيها بين دبي وتركيا الا انها ضحت بكل شيء براً بوالديها المسنين فعادت للوطن لتقف بجانبهما في شيخوختهما … واليكم التفاصيل المؤلمة .
هكذا حال يسرا
(يسرا إبيك سنان) قدرها ان تولد لام سودانية واب تركي ، سمعت بحكايتها المؤلمة فانطلقت الصباح الباكر من الجمعة الماضية الى المنزل الذي تقطن فيه مع والدتها (فاطمة الامام) بحي الازهري مربع (16) بالخرطوم … عندما شاهدتها على السرير تكشفت حجم مأساة هذه الطفلة المعذبة … (يسرا إبيك) ترقد بلا حراك على سرير طبي تبرع به احد الخيرين … (يسرا) طفلة حلوة الوجه ، بيضاء اللون ، طويلة الشعر ، لم تأخذ من ملامح والدتها السودانية (فاطمة) شيئا ، فملامحها تركية بالكامل ، وكذلك شقيقتها الصغرى (إلارا) ذات الثلاث سنوات … لاحظت ان (يسرا) ينتابها السعال بنوبات متواصلة … وفي كل مرة تأتيها نوبة السعال كانت تصدر صوتا ضعيفاً وكأنه بكاء ، فالمسكينة تبكي وتتألم في صوت ضعيف، فهي غير قادرة على الكلام والبكاء ، واحيانا تفتح عينيها وكأنها تشكو آلامها عبرهما ، رغم انها عمياء لا ترى شيئا … قالت لى والدتها (فاطمة الامام) وهي تنظر لطفلتها : هكذا حال ابنتي منذ ست سنوات ترقد بلا حراك ، لا ترى ، ولا تأكل ، ولا تتحرك ، ولا تجلس … اصيبت بالشلل الدماغي عندما كان عمرها سنتين ، حيث اصيبت وقتها بحمى مجهولة تأكد للاطباء بمستشفى (البلك) بامدرمان انها ليست سحائي ، ولا حمى مالطية ، وتم تحويلها الى مستشفى (جعفر بن عوف) للاطفال بالخرطوم ، وعندما ساءت حالتها تم نقلها كحال طارئة الى تركيا ، لكونها تركية وتحمل الجنسية والجواز التركيين ، فوالدها تركي ، وهو يعمل ناشرا ومؤلفا هناك ، وظلت (يسرا إبيك) ست سنوات بمستشفى (انطاليا) ثم مستشفى مدينة (كوينة) ، وقتها كانت تحظى بعناية طبية مكثفة ومستمرة على نفقة الحكومة التركية ، بحكم انها مواطنة تركية ومعاقة ، وكانت الحكومة تقدم لها الدعم العلاجي والمادي والغذائي حيث يشمل الحليب الخاص وكل احتياجاتها تتكفل بها الحكومة التركية لكونها تركية ، ولإعاقتها بنسبة (100%) .
التقرير الطبي
اطلعت على التقرير الطبي الخاص بالطفلة التركية (يسرا إبيك سنان) ، باللغة التركية ، ترجمت لي والدتها (فاطمة الامام) التي تجيد اللغة التركية ، التقرير الطبي ، كتب في اعلاه (تقرير معاق) ، صادر من مستشفى (انطاليا) التركي الحكومي ، بتوقيع فريق طبي تركي يتكون من (7) اطباء برئاسة الدكتور (خالد كارلان) … اشار التقرير الطبي لحالة الطفلة (يسرا) بانها معاقة بنسبة (100%) ، وان جميع اعضائها لا تعمل بصورة طبيعية ، ولذلك فهي تحتاج الى ترتيبات خاصة ووسيلة تتحرك بها ، ولاستخدام جهاز خاص ووسيلة تعلم خاصة .
الجنسية التركية
الطفلة (يسرا إبيك سنان) ، تركية الجنسية ، تحمل جنسية تركية بالرقم (clo.no.70438) ، صادرة بتاريخ (31/7/2007م) (بدل فاقد) … وبجانب اسمها كتب على جنسيتها انها (معاقة بنسبة 100%) انظر صورة الجنسية .
تفاصيل اخرى
عندما دخلت المنزل شاهدت رجلا وامرأة مسنين ، انهما والدا (فاطمة) وجدا الطفلة (يسرا إبيك سنان) … اشارت فاطمة اليهما قائلة : عدت للسودان من اجلهما ، فهما مسنان ، لا احد يرعاهما غيري في كبرهما ، واستأجرت هذا المنزل للاقامة معا .
* سألتها : اين التقيت بزوجك التركي والد (يسرا إبيك) ؟
اجابت : في مدينة دبي بالامارات حيث كنت اعمل بمؤسسة نشر ، وكان هو يتردد على المؤسسة بحكم عمله كمؤلف وناشر ، بعدها تم الزواج على كتاب الله وسنة رسوله .
* هل المنزل ملك ام خاص ؟
لا ،استأجرته بمبلغ (700) جنيه شهريا .
* متى عدت مع طفلتيك الى السودان ؟
خلال عيد الفطر المبارك الماضي .
* لماذا قررت العودة للسودان ؟
للبقاء والوقوف بجانب والدي المسنين .
* حسب قولك ان (يسرا) كانت تتلقى الدعم العلاجي والمادي من الحكومة التركية اثناء وجودكم في تركيا ، فلماذا توقف عند قراركم العودة للسودان ؟
لا ادري ، لكنني فوجئت بايقاف الدعم من الحكومة التركية للطفلة المعاقة .
* ألم تتصلي بالسفارة التركية بالخرطوم للوقوف على سبب توقف دعم الحكومة التركية لطفلتك (يسرا) ؟
بالطبع اتصلت بهم ، واطلعتهم على كافة المستندات التي تثبت انها تركية الجنسية ، وتحتاج للدعم لاعاقتها بجانب التقارير الطبية الصادرة من تركيا .
* وماذا قالت لك السفارة التركية ؟
بعد تقديمي الاوراق لهم ، عدت بعد فترة فقالوا انهم اتصلوا بوزارة الصحة التركية ، عبر وزارة الخارجية التركية ، والرد سوف يستغرق بعض الوقت .
* متى كان ذلك ؟
في اكتوبر الماضي .
* اين والد الطفلة التركي ؟
انفصلت عنه بمحض ارادتي قبل حوالي ستة اشهر .
* لماذا ؟
لاداعي للخوض في التفاصيل الشخصية يا استاذ ، المهم الآن انقاذ طفلتي .
* ألا يسال زوجك السابق التركي عن طفلته المعاقة ؟
لا ، ولا نعرف مكان اقامته .
* ألا يقيم في تركيا ؟
فهو كما ذكرت لك مجهول العنوان خارج تركيا ، كما علمت .
* منذ متى ترقد طفلتك بلا حراك ؟
منذ ست سنوات ، فهي مشلولة شلل كامل ، عمياء لاترى شيئا ،ولا تتكلم ولا تتحرك ، ولا تستطيع تناول الطعام الا الطعام السائل بواسطة الملعقة ، وكذلك السوائل من عصائر وحليب وغيرها .
* ماطبيعة الاعراض المرضية التي تنتابها ؟
تعاني من اضطراب واعراض مرضية مختلفة : ( حمى ? امساك ? استفراغ ? ضيق التنفس ) ، ومنذ عيد الفطر المبارك الماضي وحتى الآن نقلتها الى قسم الحوادث اكثر من عشر مرات ، آخرها الخميس الماضي (15) ديسمبر الجاري ، حيث كانت تعاني من امساك حاد بسبب عدم توفر الادوية الخاصة بها ، والغذاء الملائم لحالتها المرضية .
* مانوعية الغذاء غير المتوفر لها الآن ؟
يسرا ، كانت في تركيا تعتمد في غذائها على حليب (بيديا شور) فهو حليب سائل خاص وغير متوفر بالسودان ، يوجد في شكل بودرة فقط وهو الذي تسبب في اصابتها بالامساك ، بجانب (سيريلاك) فهو متوفر في السودان لكنه غالي الثمن ، فشلت في توفيره لها ، حتى البامبرز ، والبودرة الخاصة بالتقرحات لم استطع توفيرهما لها ، حيث ان ظهرها تعلوه التقرحات لرقادها الطويل ، وسوء التغذية .
* لماذا لا تنقلي الطفلة للمستشفى ، فالعناية بها افضل من المنزل ؟
لا ، المنزل افضل للطفلة من المستشفى حيث انني اشرف عليها بنفسي .
إختناق بالبلغم
اثناء تواجدي قرب الطفلة لاحظت انها تتنفس بصعوبة ، وصدرها يصدر صوتا متواصلا (حشرجة) ، علمت من والدتها ان ضيق التنفس يسبب البلغم ، الذي استخرجه منها بواسطة مناديل الورق ، فهي تحتاج الى جهاز شفط للسوائل يدوي لسحب البلغم ، لم استطع جلبه لها ، فثمنه في حدود (250) جنيها .
نداء للحكومة التركية
اخيرا نتوجه للحكومة التركية عبر السفير التركي بالخرطوم ، بهذا النداء الانساني الطفلة (يسرا إبيك سنان) تركية الجنسية ، لا حول لها ولا قوة ، تعاني من مأساة مرضية ، وتفتقد لابسط المقومات العلاجية والغذائية ، فالعناية بها تكلف حوالي الف دولار شهريا على الاقل ، لتغطية تكاليف العلاج والغذاء الخاص ، واسرتها بسيطة ، والاب تخلى عن طفلته المعاقة ، وهو مجهول المكان بعد انفصاله عن زوجته … والطفلة تحتاج الى ممرضة متخصصة للعناية بها ، حيث ان والدتها موظفة تعمل طيلة النهار ، ولا تعود لطفلتها الا عند الرابعة والنصف عصرا .
باختصار الطفلة (يسرا) تحتاج لكل شيء ، فهي تفتقد لأبسط مقومات الحياة ، كما وقفت على ذلك بنفسي صباح الجمعة الماضي .
ونحن على ثقة ان سعادة السفير التركي بالخرطوم سيهتم بحالة مواطنته الطفلة (يسرا إبيك سنان) ،واستعادة دعم الحكومة التركية لعلاجها الذي توقف بعد عودتها للسودان مع والدتها السودانية والنداء الانساني يشمل اهل الخير السودانيين ، فالطفلة ايضا تنتمي لهذا البلد الكريم الخيّر ، بحكم انها سودانية الام ، ولكونها طفلة معاقة لاحول لها ولا قوة ، والدها مجهول الاقامة ، ووالدتها موظفة محدودة الدخل عاجزة عن توفير مستلزمات طفلتها العلاجية والغذائية ، بجانب رعايتها لوالديها المسنين حيث انها عادت للسودان من اجل رعايتهما والوقوف معهما في شيخوختهما ، فهي ابنة بارة بوالديها .
صحيفة الراي العام
تحقيق وتصوير : التاج عثمان
Exit mobile version