والسبب فى هذه التعزية وتهدئة الخواطر التى اضطرت إليها حكومة جنوب السودان يرجع الى أن القتيل ويُدعي محمود عبيد وأُشتهر بلقب (جودة) تربطه صلة مصاهرة بأحد أبرز أعيان منطقة جور، وهو سلطان دينكا جور! حيث ان القتيل متزوج من ابنة هذا السلطان وفى ذات الوقت لزوجته هذه شقيقين من قيادييّ الجيش الشعبي الكبار. ذلك ان حوادث قيام استخبارات الجيش الشعبي بتصفية وإغتيال مواطنين سودانيين مقيمين هناك، أو ملاحقتهم أو مضايقتهم تجري بصفة راتبة ومستمرة ولا نغالي إن قلنا إنها تتم بصورة يومية ولم يسبق ان أرسلت حكومة جنوب السودان مع إلمامها التام بهذه العمليات وفوداً للعزاء وتهدئة الخواطر.
كان ولا يزال مواطني السودان الذين أقاموا منذ عقود فى جنوب السودان هدفاً سهلاً للجيش الشعبي واستخباراته المسعورة، والتُهمة الجاهزة – والمضحكة ومبكية دائماً – هى التجسس لصالح دولة السودان! حيث يكفي أن يوجّه أى فرد من الجيش الشعبي أو استخباراته هذه التهمة دون الحاجة الى أدلة لأي مواطن سوداني ليكون من حقه بعد ذلك اعتقاله لما يشاء من الأشهر والسنوات أو تصفيته كما حدث للقتيل جودة؛ فقد تم اعتقاله فى البداية ثم عاد جنود من الجيش الشعبي ليسلموه للمستشفي بدعوي أنه مريض فى حين أنه كان واقعاً تحت تأثير تعذيب شديد الوطأة أفضي الى موته بعد ساعات من إحضاره للمستشفي.
وتعتقد مصادر مطلعة فى مدينة جوبا حاضرة جنوب السودان ان الحادثة قد تقود الى تعقيدات سياسية و إثنية صعبة نظراً لكون القتيل من إقليم دارفور (مدينة نيالا)، ويسود شعور متنامي بالاستنكار والغضب وسط قبيلة وأفرد أسرته، كما أن أصهاره من قبيلة الدينكا وأعيانها. وتشير المصادر الى ان أفراد استخبارات الجيش الشعبي لم يكونوا على دراية تامة بهذه الخلفية الأُسرية للقتيل بما يشير الى درجة من الجهل الفاضح التى ما ينبغي ان تتوفر بهذا القدر لدي جهاز استخباري، وهو ذات الأمر الذى يهدم تماماً تهمة وإدعاء التجسس التى وُجِهت ظلماً للضحية، كما أن الأمر الآخر المثير للسخرية فى هذا الصدد هو ماهية وطبيعة عمليات التجسس التى يستخدمها أفراد استخبارات الجيش الشعبي كذريعة بهذه الكيفية، فالدولة الوليدة هناك لم تشب بعد عن الطوق، وليست راقدة كما يقولون على تل هائل من الأسرار؛ كما أن التجسس إن وُجد وإن صحَّ إنما يتم إثباته أمام جهات قضائية ومن ثم يتم الحكم على المتهم؛ ولكن لا يستقيم أبداً أن يتم توجيه التُهم مقدماً ثم تنفيذ الحكم بلا أدلة ولا حيثيات، ولا أي قدر من الإجراءات العدلية.
إن مؤدي هذا المسلك الذى دأبت حكومة جنوب السودان على انتهاجه هو أن لديها سياسة مرسومة غير معلنة رسمياً بملاحقة المواطنين السودانيين المقيمين بدولتها، وهى سياسة قديمة يرجع تاريخها الى بداية الفترة الانتقالية فى يوليو 2005 حينما أصبحت السلطة فى جنوب السودان بيد الحركة الشعبية، ومع عدم وجود إحصائية رسمية دقيقة عن عدد المواطنين السودانيين الذين قضوا بأيدي استخبارات وأفراد الجيش الشعبي، فإن الحوادث التى أُتيح للصحف ووسائل الإعلام رصدها منذ ذلك التاريخ تشير الى أن العدد قد يصل الى ما يجاوز العشرة ألف قتيل! هذا طبعاً بخلاف الحوادث والحالات التى لم يتسنّ للإعلام الوقوف عليها أو الإلمام بها.[/JUSTIFY]
تقرير: سودان سفاري
الانتباهة