أهلّ علينا الشهر الكريم وشمس الظهيرة الحنينة تمد أشعتها الباآآردة بحنان لتمسك بها ألسنة الصايمين وتنشف ريقهم قبل أن ينتصف نهار اليوم، وبعد أن نعمنا بصيام الشتاء لسنين عددا، أستدار الزمان كهيئته الأولى وعادت إلينا سنين الصيام في الصيف.
لرمضان في ذاكرة الطفولة شئون وشجون ولقد أرتبطت ذكريات الإستعداد لرمضان باجتماعات الراكوبة في شعبان التي تجتمع فيها نسوة الحي لـ(عواسة الآبري) عواسة جماعية، وتقطيع وتجفيف البصل وطحن البهارات، كان ذلك يمتد لأيام نعيش فيها الفرح الطفولي باللمة والونسة واللعب غير المحدود، كما إرتبطت بعبق الروائح المصاحبة لبهارات الآبري ودموع تقطيع البصل الممزوجة بضحكات النساء.
وعندما يهل الشهر الكريم تتغير مع تغير مواعيد الوجبات فيه الكثير من العادات، فتتغير قوانين مواعيد اللعب فبعد أن كانت آخر اوقات اللعب المسموح بها هي مغيب الشمس فيصيح فينا الكبار:
خلاص يا شفع .. بطلوا اللعب الشمس غابت.
تصير أوقات اللعب في رمضان بدون نهاية، فبعد السفسفة بغير (وعى) والتي تنتهي بالقئ أحياناً لكثرة ما نحشوا بطوننا به من مشروبات ومأكولات، ننتقل لـ (اللعب والبرطعة) في الشارع على (البروش) المخصصة لإفطار الرجال الجماعي في الحي حتى تحين مواعيد صلاة العشاء والتراويح في (الزاوية) التي نسعد فيها بإختراق الصفوف ومحاولة شد إنتباه أمهاتنا بجر أيديهن والدخول تحت أثوابهن أثناء السجود، ثم يمتد سهر الأنس الذي لا يقطعه سوى سلطان النوم الذي يداهمنا فجأة فننام كيفما إتفق، على الأرض وفي البروش وعلى حجور أمهاتنا وتحت أقدام الآباء فننقل لأسِرتنا لننعم بالنوم الهانئ حتى صباح يوم جديد.
كانت بداياتي مع الصوم الفرض في أقسى شهور الصيف، فكنا نقضي نهار الصوم تحت المروحة بعد أن نقوم بفرش بطانية على الأرض لنتمدد عليها وجردل من (الموية الباردة) يقبع بيننا في الوسيط، نقوم ببل ملابسنا وتوب الغطاء ثم نتدثر به من قمة رؤوسنا حتى أصابع أقدامنا ونركن للنوم، الذى لا يقطعه سوى لسعة الجفاف والتصحر الناتجة من جفاف التياب، فنعاود تبليلها ثم نواصل النوم، لكننا كنا نجبر على الإستيقاظ قرب المغيب بعتاب أمي:
هو ده صيام شنو ده يابناتي .. الـ لا فيهو صلاة ولاعبادة .. قومن صلن !!
فنستيقظ محمري الأعين، مع عتمة في الرؤية مصحوبة بدوائر سوداء تظهر أمام أعيوننا من (الدوشة والزغللة)، وطنين في الإضنين، أما الريق فـ(دقيق)، ولولا شوية (جقيمات المويه) التي نختلسها لبلع الريق أثناء الوضوء، كنا نروح فيها كما قال ظريف المدينة!!
ومع التلاوة التي تسبق الآذان، كنا نتهيأ للإمساك بكبابي الموية ثم نقربها من أفواهنا مع كركبة المايكرفون لنعبئ منها عباً مع الآذان حتى تخور قوانا ونكاد نهلك غرقاً في الآبري، ولذلك كان مشوار فريق المويات ضرورة حتمية في الأمسيات الرمضانية.[/ALIGN]
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com