سنة أولى حب و”ثانوي”

[ALIGN=CENTER]سنة أولى حب و”ثانوي” [/ALIGN] في مدينة كوستي التي كانت بحق عروس النيل الأبيض، عشت أول تجربة حب في حياتي، فخلال إحدى الإجازات وأنا بعد تلميذ في مدرسة البرقيق الوسطى في شمال السودان النوبي، زرت كوستي حيث كان بيت العائلة الثاني بحكم وجود والدي واخوتي الكبار فيها، ووقعت في غرام سعاد حسني بعد ان شاهدت لها فيلمين وهي بعد فتاة صغيرة، وكان ذلك حافزا لي للاجتهاد في دروسي لنيل شهادة محترمة حتى أتمكن من طلب يدها .. وصارت القراءة والمطالعة شغلي الشاغل.. ثم وأنا أتأهب للانتقال الى المرحلة الثانوية عرضوا لها فيلما مع عبد الحليم حافظ،.. وتخيل حجم ألمي وحزني وأنا أراها “تعمل حركات مش كويسة” مع عبد الحليم حافظ.. فنزعتها من قلبي.. وبعدها بسنوات كنت في لندن عندما توفي فيها عبد الحليم حافظ وجاءني نفر من الأصدقاء والحزن يعلو وجوههم يدعونني للمشاركة في تشييع جثمانه فرفضت: كيف أمشي في جنازة من خطف مني حبيبتي وداس على عواطفي؟
كان من بين الطفرات الكبرى التي صاحبت انتقالي الى مدرسة وادي سيدنا الثانوية الواقعة الى الشمال من ام درمان، حلاقة الشعر “كاري”، وكان أهلنا قبلها يجزون شعر رؤوسنا بالمقصات والأمواس التي من عهد عاد وإرم ذات العماد، وفي وادي سيدنا كان هناك حلاق خاص بالمدرسة اسمه “عم بشتنة”، لم نكن نعرف اسمه الأصلي، ولكنه اكتسب الاسم المقترن بالبشتنة (التي هي البهدلة)، لأنه كان يقص الشعر على هواه، ويجعل رأسك مليئا بالمطبات، وقد يكون طول الشعر في الجانب الأيمن من الرأس بوصة كاملة، وعلى الجانب الأيسر ربع بوصة، وكان مرد ذلك إنه يعاني من حالة نعاس دائم، وكان أحيانا “يشخر” وهو يقص شعرك فتصبح ماكينة الحلاقة مثل المحراث وتترك أخدودا على رأسك.
طبعا لن أنسى اليوم الأول الذي توجهنا فيه الى وادي سيدنا،.. كانت نقطة التجمع امام اجزخانة (صيدلية) العاصمة المثلثة المقابلة لمدرسة الخرطوم شرق الابتدائية، أول مدرسة نظامية في السودان أسسها رفاعة رافع الطهطاوي، التي كانت تطل على ساحة ابوجنزير في الخرطوم، ولأن جعفر نميري لم يكن يقيم وزنا للتاريخ فقد باع المدرسة لأحد البنوك.. وجاءت شاحنات ضخمة (قندرانات) من النقل الميكانيكي وحملتنا عبر ام درمان الى المدرسة، وركبت القندران بنفس احساس من يركب الرولز رويس.. لا تنسوا انني قدمت من بيئة كان الارستقراطيون فيها يركبون الحمير،.. وكان جدي لأبي مغرما باقتناء الحمير والاعتناء بزينتها، بل قايض ذات مرة حمارا بقطعة أرض مساحتها فدان كامل.. كان يملك أراضي شاسعة نسبيا، ولكنه ولأنه لم يكن مزارعا فإن امتلاك الارض لم يكن يعني بالنسبة له الكثير، وورث أولاده عنه كره الزراعة ولم يتخذها اي منهم مهنة، ومات جدي وترك 12 حمارا.. ولحسن الحظ لم يكن الورثة في تلك الايام يتنازعون ويتخاصمون وبالتالى لم تتسبب تلك الحمير في نزاعات بين أعمامي وعماتي، ولا أدري كيف تم التخلص منها.. ووصلنا الى المدرسة التي كانت تشبه اشياء رأيناها في السينما الأوربية من حيث المعمار والتشجير.. في حقيقة الأمر كانت تضارع كل المدارس البريطانية جمالا، وأجزم ان الامكانيات والموارد التي كانت متاحة فيها لا تتوافر اليوم في سبع جامعات مجتمعة.. كنا مثلا في حصص الكيمياء نجري تجارب على مسحوقي الذهب والفضة، وكانت لدينا في مجال الفنون قاعات ضخمة للرسم وصناعة الفخار وطباعة المنسوجات.. وكانت لدينا قاعة محاضرات تتسع للمئات وكانت خلال اليوم الدراسي تستخدم سجنا للطلاب المشاغبين في ما كان يعرف بـ “الديتنشن” وهو الحبس لمدة معينة يتم خلالها تكليفك بنسخ صفحات من قاموس، او كتابة جملة سخيفة سبعمائة او الف مرة.

أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com

Exit mobile version