[JUSTIFY]الدعوة التي اطلقها الأستاذ علي عثمان محمد طه بعد تضخيم المشكلات والنظر الى الذبابة باعتبارها دبابة، دعوة منطقية في اطار النظرة الموضوعية للأشياء.ولكن في ذات الوقت لا يمكننا النظر الى دبابة السماسرة والمتنطعين في مكاتب الدولة وجباة الرسوم الحرام على انهم مجرد ذبابة في أذن فيل الاستثمار السوداني الكبير. وقد رأيت وسمعت الكثير المثير من أفعال هذه الدبابات المصفحة والمحمية من القانون والعرف وجميع انواع الاحكام. واورد النماذج التالية وهي كافية لمعرفة اسباب هروب المستثمرين من السودان ولجوئهم الى دول اخرى . ويكفي القول ان الاستثمارات القطرية هي الوحيدة التي صمدت امام فيروس فقدان المناعة الوطنية الذي استشرى في الوطن لسبب بسيط هو اشراف القطريين بأنفسهم على استثماراتهم واعتمادهم على اشخاص ذوي ثقة بالنسبة لهم وإلا لكانت الاستثمارات القطرية هي الأخرى في عداد المفقودات ولأحيل ملفها الى الحفظ وقيد بلاغها ضد مجهول لعدم كفاية الأدلة . دعونا نتأمل في هذه السياحة كيف كانت تتحرك دبابات السماسرة وهي دبابات اكثر خطرا من دبابات الحركة الشعبية التي دحرتها القوات المسلحة على مشارف الدمازين. ومن ذلك ان وزير مالية احدى الدول الخليجية تلقى دعوة يسيل لها اللعاب من نظيره السوداني قبل عدة سنوات للاستثمار في السودان ، المستثمر الخليجي صدق والمؤمن صديق فجمع ما يمكنه جمعه من المال وارسله الى الشريك السوداني . المبلغ المستثمر يفوق المليون دولار .وبدأت العملية الاستثمارية ولما جاءت ساعة الحساب والحساب ولد لم يحصل المستثمر الخليجي على دولار واحد من أمواله المنهوبة . الوزير المنهوب حكى لي هذه القصة المأساوية عندما اتيحت لي فرصة مقابلته في اجتماعات صندوق النقد الدولي في واشنطن ورجوته ان يستثمر في السودان حيث الحب سكر والماء شهد وعسل . وأقسم الوزير وهو يشغل منصب رئيس مجلس الاستثمار في بلده في ذلك الوقت أقسم الا ينصح أحدا أبدا في الاستثمار في السودان .دولة خليجية قررت ايقاف اكبر مشروع لها في الخرطوم بسبب الاتاوات والعمولات والرشاوى.
مستثمر سوري كان يظن نفسه عبقريا في اللعب بالبيضة والحجر ابتلعته اسواق الخرطوم فخرج منها يجرجر اذيال الخيبة بسبب الرسوم والعمولات والرشاوى فهرب الى دمشق يقول 🙁 والله عندكم اعلام قوي ) وآخر حاصرته رسوم الجبايات الخبيثة فدفع دمغة الجريح في الميناء ثم في الجمارك ولحقته الدمغة اللعينة الى رسوم تسجيل الأعمال فاجابهم ساخرا شو يا زلمي انا جرحتو؟
وخيرا فعل البرلمان باعترافه الصريح بكثرة الرشاوى والسماسرة وان ذلك يمثل مشكلة أساسية امام الاستثمار الاجنبي بالسودان هذه المشكلة شوهت صورة البلاد
لكن البرلمان لم يذهب اكثر من توصيف المشكلة والاعتراف بها وذلك قدره وقدره اذ ان الحل في يد الحكومة التنفيذية ولا يعفيه ذلك من اتخاذ التشريعات اللازمة لحماية استثمارات الوطن ولكن ما قيمة التشريعات اذا لم يطبقها أحد
لقد قضت الشركات الحكومية من قبل على التجارة التقليدية في السودان مما دفع الكثيرين الى امتهان السمسرة والمضاربة والدخول في التجارة غير المشروعة والاعتماد على المنافسة غير الشريفة . واضمحلت التجارة التقليدية فخرجت اسر عريقة اشتهرت بالعمل التجاري منذ ستينيات القرن الماضي مثل الكوارتة وآل ملاح وآل ابو العلا وآل الشيخ مصطفى الامين ،وعاثت الشركات الحكومية فسادا في تخريب قوانين السوق التقليدية الموروثة لتحل محلها المحسوبية والمحاباة والاحتكار والمفاضلة الرسمية وكل ذلك يحدث بعيدا عن صناع القرار، واقول للسيد النائب الاول للرئيس ان التقارير الرسمية هي التي تنظر الى دبابة الفساد على انها ذبابة وليس العكس. [/JUSTIFY]
بقلم: د. عبد المطلب صديق
صحيفة الرأي العام