أوباما وسلفا كير.. مؤامرة في الظلام .. الجنوب يسعى لاستدعاء (الناتو) وتوفير (عدة الربيع العربي)

[JUSTIFY]الرسالة الأخيرة التي بعث بها رئيس دولة الجنوب سلفا كير ميارديت للرئيس الأمريكي باراك أوباما تمثل تطوراً نوعياً في طريقة إدارة الخلاف بين الخرطوم وجوبا، إن لم نقل إنها (عمل عدائي) من الطراز الأول، فلقد اشتملت على المطالبة بفرض منطقة حظر طيران على الحدود بين السودان وجنوب السودان حسب ما جاء على لسان وزير خارجية جمهورية جنوب السودان نيال دينق نيال، الرسالة حملت اتهامات للخرطوم بالسعي إلى زعزعة استقرار الجنوب من خلال دعم المليشيات بغرض الاستيلاء على حقول النفط، كما حملت دعوة واشنطن والدول الشريكة لتعزيز الجهود من أجل ضمان احترام سيادة أراضي جنوب السودان.
خطرٌ نوعي
هذه الدعوة تحمل خطراً نوعياً يفترض أن تكترث له الدولة كثيراً في إدارة علاقتها مع دولة الجنوب والمجتمع الدولي، فالرسالة جاءت حاملة لكل (خبث السياسة)، وهي توجه للولايات المتحدة مباشرة ولا تخاطب المنظمة الدولية المناط بها تنظيم العلاقات بين الدول، ولعل في هذا التطور اشارة الى تنسيق بين واشنطن وجوبا للتضييق على الخرطوم وحشد حيثيات لعمل قادم تتشكل ملامحه العدائية وسط عدم إكتراث بائن من قِبل الحكومة.
ولابد من الإشارة إلى أن هذه الدعوة لم تأت منزوعة من سياق الأحداث خلال الايام الماضية، إذ أن تعقيدات العلاقة بين الخرطوم وجوبا أفضت الى واقع مأزوم ظلت تحركه أصابع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي باتجاه بلورة خيارات قادمة للتعامل مع الحكومة السودانية.
حلقات المؤامرة!!
وبالنظر الى تطورات الأوضاع التي أنتجت مطالبة الجنوب بمنطقة حظر طيران، فإنه لابد من الاشارة الى جملة مواقف ظلت تنسج لهذا المطلب بروية وتانٍ حتى بلغ الأمر مرحلة التصعيد الجرئ من قِبل جوبا.
وعلى خلفية اتهامات للحكومة بقصف جوي على جنوب السودان طال مخيماً للاجئين في منطقة (ييدا) خلال الشهر المنصرم، يَتَذكّر الجميع مطالبة نشطاء أمريكيين لحكومة أوباما بفرض حظر طيران على حكومة السودان، ولحظتها تحدث مصدر في الخارجية الأمريكية لـصحيفة «الشرق الأوسط» مكذِّباً تصريحات مسؤولين سودانيين بأن القوات المسلحة لم تقصف مناطق في السودان الجنوبي، وقال: (نملك أدلة كافية على أن قوات الخرطوم قصفت مواقع في دولة مجاورة، هي دولة السودان الجنوبي)، وأضاف: (نحن نريد من حكومة السودان وقف هذا القصف. وفي الوقت نفسه، نريد من حكومة السودان الجنوبي التمهل في الرد على مثل هذه الأعمال وذلك حتى لا يتدهور الموقف أكثر على الحدود بين الدولتين).
البيت الأبيض و(كفاية)
البيت الأبيض من جانبه كان قد أصدر بياناً أكد فيه أن القصف، (عملٌ شائنٌ). وقال: (كل المسؤولين عن هذا القصف يجب أن يتحمّلوا مسؤولية أعمالهم)، وأضاف البيان: (تطلب الولايات المتحدة من حكومة السودان وقف القصف الجوي في الحال، ونلح على حكومة السودان الجنوبي التأني في الرد).
مركز «إيناف» (كفاية) في واشنطن، وهو واحدٌ من منظمات ومراكزأمريكية ظلت مناوئة للحكومة السودانية، إن صوراً بالأقمار الفضائية أكدت القصف الذي قامت به القوات السودانية المسلحة. وقال جون برندرغاست، مدير «إيناف»، إن الحكومة السودانية تحاول إثارة السودان الجنوبي لإعلان الحرب عليه والانتقام من انفصال الجنوب، وأضاف غاست: (يجب التصدي لهذا الاستفزاز بالقوة الكاملة للمجتمع الدولي، والا يمكن أن تحدث حرب واسعة النطاق).
حملة منظمة
وفى الثالث عشر من الشهر الماضي اتهمت وزارة الخارجية سوزان مندوبة امريكا في مجلس الأمن بـالتنسيق مع حكومة جنوب السودان وعدد من منظمات الضغط الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة حملة منظمة للتأثير على مجلس الأمن كي يصدر قرارات أو بيانات تدين السودان.
وقال العبيد أحمد مروح الناطق الرسمي باسم الخارجية، إن (هذه الحملة المنظمة تستند في الدرجة الأولى على أساليب «مفبركة» تصدر عن مخابرات دولة جنوب السودان واعترف بها بعض ممثلي المنظمة الدولية في جلسة مجلس الأمن التي خصصت لمناقشة الأوضاع في السودان ودولة جنوب السودان).
عاصفة إدانات
وكانت عاصفة إدانات دوليه زعمت أن الحكومة قصفت مناطق داخل جنوب السودان، وأدانت الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون هذا الأمر بشدة وقالت انه طال مخيماً للاجئين في منطقة (ييدا).
كما أن المتحدث باسم الممثلة الأوروبية مايكل مان قال إن آشتون اعربت عن بالغ القلق إزاء الهجمات التي تشنها الحكومة، وقال إنها أدت الى مقتل العديد من المدنيين، داعية في الوقت ذاته الجيش الى وقف القصف الجوي في المناطق الحدودية بشكل فوري.
وجاءت عاصفة الانتقادات في اعقاب اتهام السودان بقصف معسكرات للاجئين السودانيين الهاربين من القتال في جنوب كردفان بولاية الوحدة خلال الشهر المنصرم، الأمر الذي نفاه الجيش حينها قائلاً: إن الهجوم تم داخل الأراضي السودانية. ووسط كل هذه التطورات أعلنت فيه جوبا عزمها تقديم شكوى رسمية للأمم المتحدة ضد حكومة الخرطوم لقصفها أهدافاً مدنية.
وأدانت مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن سوزان رايس الهجوم الجوي وأعربت عن قلق بلادها العميق إزاء التوتر المتصاعد بين السودان ودولة جنوب السودان في الأيام الأخيرة، وقالت إن ما وصفته بالغارة الجوية أكدها ممثل الأمم المتحدة في جنوب السودان – هيلدا جونسون – وأكدها العاملون في مفوضية المنظمة الدولية للاجئين، ودعت إلى التزام ضبط النفس وطالبت حكومة الخرطوم بوقف القصف والاعتداءات فوراً.
ومن جانبها، أدانت الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون، الحكومة السودانية بشدة. وكانت المفوضية العليا لحقوق الانسان في الأمم المتحدة، والولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا أدانوا الحكومة، وانضم وزير الدولة البريطاني للشؤون الأفريقية هنري بيلينغهام إلى حملات الإدانة.
حديث الخارجية
وفي رده على عاصفة الانتقادات قال المتحدث باسم وزارة الخارجية العبيد مروح إن الحديث المتزايد عن مزاعم القصف في النيل الأزرق وجنوب كردفان، محاولات من الجماعات التي درجت على مناصرة ودعم التمرد لتحريض المجتمع الدولي للاستماع الى مطالباتهم بفرض حظر طيران لحماية مواقع تجمعات المتمردين.
وقال المتحدث باسم الجيش العقيد الصوارمي خالد سعد، إن اتهامات دولة الجنوب والإدانات اللاحقة من البيت الأبيض ومفوضية حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة لا أساس لها من الصحة، واعتمدت على معلومات غير صحيحة يكذبها الواقع الميداني والحقائق على الأرض.
خيوط في الظلام
وصدق المتحدث باسم الخارجية السودانية فيما ذهب إليه، فالوقائع تشير إلى أن هنالك خيوط مؤامرة تُنسج في الظلام الهدف منها على ما يبدو خنق الحكومة بقوات دولية جديدة، ومن المعروف أن المجتمع الدولي والمسؤولين في دولة الجنوب كانوا يريدون الإبقاء على قوات (يونميس) وتوسيع تفويضها لتظل موجودة داخل السودان بتفويض يسمح لها بالتدخل في أية لحظة حتى ولو أدى ذلك الى تفويض تحت البند السابع التدخل لحماية المدنيين.
كما ان الحركة الشعبية قاتلت قتالاً مستفيضاً حتى توافق الحكومة على استقدام قوات دولية الى منطقة أبيي، وقد تمت تسوية الأمر في أعقاب موقف الحكومة المتشدد والرافض لاي وجود لقوات أممية في تلكم المنطقة بالموافقة على دخول قوات أثيوبية.
والمعروف أن مجلس الأمن الدولي، تبنى قراراً أنشأ بموجبه بعثة للأمم المتحدة في جنوب السودان قوامها (7) آلاف جندي و(900) مدني وخبير لمساعدة الدولة الوليدة، حيث أسند بان كي مون قيادة المهمة للدبلوماسية النرويجية هيلدا جونسون، الصديقة المقربة لعدد من المسؤولين في الجنوب.
طموح الجنوب
ولع القيادات الجنوبية بالحشود الاممية ظل امراً قائماً في تحركات الدولة الوليدة كافة، غير أن الامر اختلف هذه المرة والجنوب يدخل شريكاً للمجتمع الدولي في نسج خيوط مؤامرة كبيرة يخشى المراقبون أن تستدرج لها أو أن تغفل عن تطوراتها، فطموح دولة الجنوب المرشحة لاستضافة قوات التدخل الأمريكي في افريقيا (افريكوم) تجعل من هذه الدعوة مبررة لان الجنوب يحاول إقناع واشنطن بأنه الدولة الأنسب لتنفيذ المخططات كافة في المنطقة، وانه يبذل دعماً معنوياً الآن للخطط الأمريكية الرامية لتطويق حكومة السودان، ولكن هذه المرة جاءت الدعوة لارسال قوات دولية بمواصفات خاصة لا تتوافر إلا لحلف (الناتو) حتى تتسنى مراقبة عمليات حظر الطيران على الطريقة الليبية، وبرأي المراقبين فإنّ في هذا المطلب استدعاءً لـ (عدة الربيع العربي) الى تلكم المناطق بما يحفظ موطئ قدم لقوات بمواصفات خاصة.
لم يمض الناطق باسم الخارجية السفير العبيد مروح بعيداً وهو يعتبر طلب الجنوب من الإدارة الأمريكية فرض منطقة حظر طيران على الحدود بين الدولتين دليلاً على دعم حكومة الجنوب للمتمردين الشماليين والتدخل في شؤون البلاد، ويمكن أن نزيد على ذلك القول إن هذه التطوات تشير الى تواطؤ المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأمريكية تحديداً في ما يدور الآن في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان وفق أهداف محددة في مقدمتها خلق فوضى بالمنطقة تسوق إجراء منطقة حظر الطيران.
الحس السياسي
وبالنظر الى خطورة مثل هذا التطور ينبغي أن يتم تفعيل الأُطر الدبلوماسية لتفادي أي إجراء من هذا القبيل والسعي لايصال صوت عال، مفاده أن إدراك حكومة السودان الى ابعاد المؤامرة التي تنسج الآن لتسويق مسألة حظر الطيران أو على الأقل الاكتفاء بقوات دولية في المناطق الحدودية، ولابد من ارتفاع الحس السياسي الى مستوى التحديات التي تواجه السودان جراء تسلسل تطورات من هذه الشاكلة، كما أنه يتوجب ان لا يوفر السياسيون اية حيثيات تُضاف الى مفكرة المجتمع الدولي في سعيه لحشد مسوغات ومبررات التدخل الدولي.
تصريحات.. ومحاذير
أمس الأول حملت الصحف تصريحات لاحمد هارون والي جنوب كردفان يتوعد فيها حكومة الجنوب بملاحقة الفارين من معارك جنوب كردفان داخل أراضي الجنوب إن هي لم تعاملهم كأسرى وتمتنع عن إعادة تسليحهم، وعلى الرغم من أن القانون الدولي يمنح هارون هذا الحق تحت بند (المطاردة الساخنة)، إلا أن مثل هذه التصريحات يمكن أن تعزز مطالب جوبا بتدخل دولي ينتظره أصحاب الأجندة كثيرًا، وبالنظر إلى أنّ دفوعات الحكومة خلال الفترة السابقة كانت تقوم على تفنيد الادعاء القائل بتوغل القوات الحكومية داخل الجنوب، يظل من المهم جداً أن يرتفع إحساس الدولة بضروة توحيد الخطاب في هذه الملفات المهمة وفقاً لرؤى استراتيجية تستوعب ما يحيط بالأمن القومي من مهددات.
[/JUSTIFY]

الراي العام -محمد عبد القادر

Exit mobile version