هذه العبارة الساخرة قالها الرئيس المصري الأسبق أنور السادات في معرض تعليقه على معارضة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح لاتفاقية كامب ديفيد التي وقّعها السادات بين مصر وإسرائيل، وقد تذكّرتها حين قرأتُ في الصحف أن جعفر الميرغني الذي تم تنصيبه مساعداً لرئيس الجمهورية قد قال في أول تصريح صحفي أمام جمع من الصحفيين إنهم: «جاءوا لحل الأوضاع المتأزمة في النيل الأبيض وشمال كردفان»!!
لا أحتاج إلى توضيح أن الميرغني الصغير كان يقصد النيل الأزرق وجنوب كردفان حين حوَّل الجنوب شمالاً والأزرق أبيض!!
بالله عليكم، أليس من حقي أن أحلف كما فعل السادات وأقول: «يقطع دراعي لو كان جعفر الميرغني يعرف النيل الأزرق ست ولاّ راجل»!! أو: «لو كان جعفر الميرغني يعرف جنوب كردفان تقع في السودان أو بوركينا فاسو»!!
أقول ذلك لأن الرجل «قام من نومو لقى كومو» لا لسبب أو مؤهِّلات يتمتع بها سوى أنه ابن الحسيب النسيب!!
ابن الميرغني الذي لم يتجاوز الثلاثين من العمر بكثير ربما أجد له بعض العذر فقد كان معظم سني عمره الأخيرة بعيداً عن السودان فضلاً عن أن علاقته بالسياسة لا تختلف كثيراً عن علاقة راعي الضأن بثقافة الأقمار الصناعية وليس له ذنب في أن يوضع في هذا المنصب الرفيع كما يوضع أي كرسي في صالون المنزل لكن بالله عليكم ألم يكن ممكناً أن يُلقَّن الرجل تصريحه الأول حتى لا «يعك» ويرتكب هذه الجليطة التي أرادها الله سبحانه وتعالى ليفضح تخلفنا ويكشف أننا نعيش خارج التاريخ؟! أليس غريباً أن يخطئ ابن الأكرمين في أول تصريح له في ذكر ولايتين وليس ولاية واحدة.. ولا يتين ملأتا الدنيا وشغلتا الناس طوال الأشهر الماضية ولا أظن أن إنساناً معزولاً عن الدنيا يمكن أن يجهل أن الولايتين المأزومتين اللتين شهدتا حرباً كانتا حاضرتين بقوة في وسائط الإعلام بما في ذلك المواقع الإليكترونية السودانية ناهيك عن الصحافة والفضائيات.. لكن هل كان زعيمنا الجديد معنياً بما يجري في السودان؟!
إنه ذات المنطق «المدغمس» الذي عُيِّن به رياك قاي نائبًا لرئيس المؤتمر الوطني في تجاهل تام للمرجعية الفكرية مما رأينا عاقبته في اللطمة القوية التي وجهها الرجل فيما بعد لمن وثقوا فيه.
من نلوم يا تُرى على هذه المرمطة والإهانة التي يتعرّض لها السودان وشعبُه؟! أنلوم الميرغني الكبير الذي لا يختلف عن ابنه كثيراً من حيث القدرات والمؤهِّلات الشخصية والذي ورث كذلك مجده «الطائفي» أباً عن جد بدون أن يوجِف على ذلك خيلاً ولا ركاباً أم نلوم المؤتمر الوطني الذي لا أتردد في القول إنه يتخبّط بعد أن فقد البوصلة بالرغم من أنه يتحدث عن الجمهورية الثانية بعد أن ألقى عن كاهله الجنوب بكل تشاكسه ومشكلاته وتنازعه حول الهُويَّة عقب خلوص الشمال للإسلام؟!
بالله عليكم هل يحتاج المؤتمر الوطني إلى أن يتقوَّى بالميرغني اليوم بعد أن خرجت الحركة الشعبية من اللعبة السياسية في الشمال أم كان يحتاج إليه قديماً حتى يُحدث توازناً مع ما سُمِّي حينها بتحالف جوبا أو قوى الإجماع الوطني؟! أي وزن يضيفه الميرغني اليوم وأي نقص يشكِّله غيابه عن السطة وأهم من ذلك لماذا إحياء الطائفية السياسية من جديد بعد أن أوشكت على أن تلفظ أنفاسها الأخيرة وأين يقع هذا التصرف في إستراتيجية المؤتمر الوطني الذي يرفع شعارات تقدمية يحطُّ من قدرها ويقلِّل من انطلاقها الاستعانة بأصنام القرون البائدة الذين ثارت عليهم قبل أكثر من عقدين من الزمان؟!
أعجب أن الرجل الذي اجتهد في سبيل إنجاز هذه الصفقة حتى أنجزها هو بروف إبراهيم أحمد عمر أمين الفكر والثقافة في المؤتمر الوطني والذي أكنّ له احترامًا كبيرًا وأتساءل أي فكر وأي ثقافة أن نُحيي هُبل من جديد ونعيد للطائفية أمجادها وألقها لتقتات مجدداً وتجلس على أعناقنا داخل القصر كما اقتاتت قديماً من قوت آبائنا وهي توزع لهم أمتاراً في الجنة وتسلبهم خيرَي الدنيا والآخرة والدين والدنيا؟!
أبعد تحالفه مع قرنق ليحتل همشكوريب ويطفئ نار القرآن في تحدٍّ سافر لذات القرآن الذي يقول: «لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ …»؟!
إنها الردة والتخبُّط وضياع الهدف وفقدان البوصلة بل إنه ضياع المنهج والإستراتيجية الهادية لتحقيق الغاية التي يُفترض أن الإنقاذ قامت من أجلها لا من أجل أن تجعل الدنيا أكبر همها ومبلغ علمها ثم لتستعين في استكمال النهضة بمن لا يفرق بين الأُبيِّض وكادوقلي والنيل الأزرق والنيل الأبيض رغم أنه زعم أنه جاء لحل مشكلاتهما؟!
رغم ذلك فإن ربيعنا العربي لا يصنعه فاروق أبو عيسى الذي يريد أن يعيد إلينا عرمان وعقار والحلو وعبد الواحد محمد نور بعد أن أخرجهم الله من ديارنا وأراحنا من شرورهم.. إن ربيعنا في إيجاد البديل الأفضل من المؤتمر الوطني لا الأسوأ وفي أن ينصلح حال المؤتمر الوطني من داخله قبل أن يضطر الناس إلى إصلاحه من خارجه وكذلك إن ربيعنا العربي في أن نقضي على الطائفية السياسية وعلى المكبِّلات الأخرى التي تعوِّق انطلاقنا نحو تحقيق الغاية والهدف الذي خُلقنا من أجله.
ما أتعسنا.. ما أتعسنا حين تكون خياراتنا وبدائلنا بين السيئ والأسوأ لا بين الصالح والأصلح!![/JUSTIFY]
الطيب مصطفى
الانتباهة