إنهم هذه المرة مسرّحو القوات النظامية من الجنوبيين يغلقون الشارع المؤدي إلى أمانة حكومة الولاية عبر الطريق الذي يربط بين وسط وشمال مدينة نيالا بجنوبها في تكرار لأحداث مشابهة في الخرطوم احتجاجًا على عدم صرف مستحقاتهم.
قبل يومين اعتدت مجموعة من النقرز الجنوبيين الذين أصبحوا أجانب على خمسة من مواطني كوبر أوردت «الإنتباهة» خبرهم وصورة أحد المصابين.
في نفس اليوم الذي وردت فيه أخبار تظاهرات الجنوبيين في نيالا وإغلاقهم للشوارع في قلب المدينة أوردت صحيفة أخرى خبراً عن قيام عصابة جنوبية مسلحة بمداهمة منزل قيادي سابق بالمؤتمر الوطني في حي الشجرة بالخرطوم يشغل الآن منصب مدير شرطة الحدود بجنوب السودان واستخدمت العصابة ثلاثة بكاسي مظللة حيث نهبت ممتلكات المنزل واعتدت على أبناء الرجل بينما كانت زوجته في السوق وكان الرجل وقتها في جنوب السودان!!
بالله عليكم هل يمكن لشماليين أن يتجرأوا على الخروج في تظاهرة أو مسيرة ليطالبوا بحقوقهم المنهوبة في جنوب السودان بعد أن اعتدى عليها قياديو الحركة والجيش الشعبي واستولوا على البيوت والمزارع؟! دعك من هذا هل يتحرّش الشماليون حتى اليوم بالجنوبيين الذين يعيشون بين ظهرانيهم في الخرطوم والشمال حتى بعد أن أصبحوا أجانب أم أن العكس هو الذي يحدث؟!
أمامي مقال كتبه مدير الجمعية الإفريقية الملكية ريتشارد داودين وبالرغم من أنه تحدّث عن البؤس والفساد الضارب الأطناب الذي شاهده في دولة جنوب السودان الجديدة إلا أنه على عادة الخواجات تحدَّث عن الشماليين باعتبارهم مستعمِرين سابقين حيث قال إن أكثر العبارات المتداوَلة لدى الجنوبيين الذين التقاهم في جوبا تقول: (لقد عانينا كثيراً، الشماليون أناس قساة، لم يحترمونا، نحن الآن سعداء).
we suffered so much- the northerners are cruel people – they did not respect us now we are happy
إنه تزوير الحقيقة الذي لعب فيه الغربيون دوراً مهماً منذ استقلال السودان حيث كانوا على الدوام متعاطفين مع أبناء الجنوب مما أسهم في تفاقم مشكلة الجنوب وفي التعاطف الغربي الذي أدّى إلى الضغوط على الشمال والتي أفضت إلى اتفاقية نيفاشا.
لو صَدَقوا لقالوا إن الشمال والشماليين احتضنوهم خلال فترة الحرب ولم يجدوا ملاذاً يلجأون إليه هرباً من الحرب المشتعلة في جنوب السودان غير الشماليين وليت ذلك الكاتب الغربي قابل القبائل الجنوبية الأخرى غير الدينكا ليعرف حقيقة مشاعر أفرادها تجاه مواطنيهم الدينكا الذين يسيطرون على الجنوب مقارنة بمشاعرهم تجاه الشماليين بعد أن رأوا بأعينهم معاملة حكامهم الجدد مقارنة مع أبناء الشمال الذين لم يحدث في يوم من الأيام أن تحرشوا بالجنوبيين في الخرطوم حتى عندما كان الجيش الشعبي يقاتل القوات المسلحة الشمالية.
ليت ذلك الخواجة سأل بيتر سولي الذي يقود حزباً جنوبياً والمعتقل اليوم في جوبا عن حاله اليوم وحاله بالأمس عندما كان يتمرّغ في خير الشمال في الخرطوم ورغم ذلك يشنُّ الحرب على الشمال والشماليين ولا يسأله أحد بقدرما يتودَّدون إليه… ليته لو سأل من يقبعون الآن في سجون الحركة وجيشها الشعبي المتوحِّش الذي يفتك بكل من ينبس ببنت شفة معترضاً على حكم المغول، ليته لو سأل قبيلة المولي التي اتهمها الرئيس سلفا كير بأن أفرادها يسرقون أطفال الدينكا ليعوِّضوا عن عجزهم الجنسي!! ليته لو سأل النوير والشلك والقبائل الإستوائية!!
إنه الحقد الذي جعل بوث ديو زعيمهم التاريخي يقول من قديم «لو كنتُ شمالياً لانتحرتُ» إنه الحقد الذي جعلهم يقتلون الأطفال والنساء من الشماليين في توريت عام 1955م قبل خروج الإنجليز من السودان.. إنه الحقد الذي انفجر في أحداث الإثنين الأسود في قلب الخرطوم بعد 50 عاماً من أحداث توريت، إنه الحقد الذي لا يزال ينفثه نيال بول رئيس تحرير صحيفة «سيتزن» الجنوبية التي تصدر من جوبا وليس «سيتزن» الخرطومية.. نيال بول قال قبل ثلاث سنوات في مقابلة مع صحيفة ألوان إنه يكره اللغة العربية لأنها لغة المستعمِر الشمالي!!
أزيدكم مما قاله نيال بول قبل أيام قليلة حين طالب الزعماء الأفارقة بتكوين تحالف عسكري للإجهاز على حكم الرئيس البشير.. إنه يعتبر القضاء على الحكومة السودانية أمراً مشروعاً ينبغي أن يسعى إليه القادة الأفارقة.. يقول ذلك بالرغم من أن السودان منحهم حق تقرير المصير وكان الدولة الأولى التي اعترفت بدولتهم الجديدة بل إن الرئيس البشير شهد حفل تدشين دولتهم لكن متى كانت الحركة الشعبية والنخب الجنوبية تقدِّر ما فعله الشمال من أجل الجنوب؟! إنه سلوك اللئيم الذي لا يُجدي معه الإكرام وكلَّما أكرمتَه تمادى في التمرد فالحمد لله الذي أذهب عنّا الأذى وعافانا.[/JUSTIFY]
الطيب مصطفى
الانتباهة