من العصر الحجري الى العصر الحبري

[ALIGN=CENTER]من العصر الحجري الى العصر الحبري [/ALIGN] عملت في تلفزيون (بي بي سي) في لندن، على أمل ان يصيبني ما أصاب حبيبي الطيب صالح – رحمه الله – من مجد أدبي، واضطررت الى مغادرة لندن بسبب تحرش بنات الخواجات، وعلى رأسهم الراحلة الأميرة ديانا سبنسر، بي، وحدث ذات مرة في مبنى الـ (بي سي في) وايت سيتي في منطقة شبردس بوش وبها سوق سعد شعبي معظم زبائنه من العرب، وبه “تجار سودانيون”، .. حدث أن دخلت المصعد الكهربائي وكان به نفر من الخواجات، وفي الطابق الثاني ركبت معنا عارضة الأزياء نيومي كامبل (التي جعلناها نعومي).. وبالخواجات ولع شديد بالمشاهير، وأحس من كانوا بالمصعد أنهم بركوب بنت كامبل معهم شهدوا ليلة القدر، وطفح البشر على وجوههم، ومن دون الخلق الذين كانوا معنا، وقفت قبالتي وحيتني: هاي وغمزت لي بعينيها الكبيرتين، فنظر من كانوا معنا إلي بإعجاب باعتبار انني دخلت التاريخ، وربما قالوا: الجنس على الجنس رحمة باعتبار ان تلك الولية سوداء مثل “الشاب” الذي خصته بالتحية! وفي احد الطوابق خلا المصعد من الجميع وبقينا انا وكامبل وهي لا تزال تبتسم، وأدركت انها تتحايل لـ”تفتح موضوعا معي” لأنه كان باديا على تضاريس وجهها أنها لم تستطع مقاومة الفتنة، فخشيت أن تفتح الموضوع وأن أضطر إلى “كسر خاطرها” بحكم أنني من عائلة محافظة، فضغطت على زر المصعد وأوقفته في طابق لم اكن اقصده وخرجت من المصعد دفاعا عن شرفي!.
ليس قصدي هنا التباهي واستعراض جاذبيتي، فتلك مسائل محسومة ومفروغ منها، ولكن الكلام جاب الكلام، فقد كان لي صديق فلسطيني يقرأ مقالاتي بانتظام وأعود الى صاحبي الفلسطيني، وقد استوقفني قبل يومين او ثلاثة وصاح: يا زلمي ذبحتنا بجزيرة بدين.. لو كان فيها خير ما كنت طفشت منها وجيت الخليج؟ يستر عرضك ارحل منها لحتة تانيي “تانية”! وكان بذلك يعرب عن ضيقه بهذه السلسلة من المقالات، وبصراحة فانني احرص على ان “أعمل ألف حساب” لصديقي الفلسطيني ذاك لأنه “نحس” فقد ولد عام 1948 في قرية عرّابة التي يقال ان أبا لهب مدفون فيها، وأكمل دراسته الثانوية في سنة 1967 وهي السنة التي طارت فيها الضفة الغربية وحطت في جيب اسرائيل، وبعد ان تلطش في عدد من الدول العربية ذهب الى باكستان ليلتحق بإحدى جامعاتها في أول السبعينات فانفصلت باكستان الشرقية وقامت دولة بنغلاديش، ويوم وصوله الى لندن للعمل معنا في الـ (بي بي سي) استأنف الثوار الايرلنديون تفجيراتهم ونسفوا عمارة في منطقة الدوكلاندس.. وكان كلما حاور مسؤولا كبيرا، طار من وظيفته، وذات مرة خاطب وزير الاعلام في دولة خليجية بشان إجراء لقاء معه ولكن الوزير قال: الله يخليك.. بعدني (لسه) ما شبعت من الوزارة، شوف غيري من اللي طولوا في الحكومة! شخص “سره باتع” كهذا، لابد ان تعمل له حسابا.
ونواصل السيرة والمسيرة ونعبر المركب من جزيرة بدين الى كرمة، ثم نشق بأرجلنا منطقة مقابر تفصل بين كرمة ووادي خليل وهي “مستوطنة” أنشأها أهل بدين في الساحل الشرقي من بلدتهم في أعقاب فيضان عام 1946 الذي هدم الجزء الجنوبي من الجزيرة، وأطلقنا على المستوطنة اسم “ألوي” وتعني الانتشال في إشارة الى ان سكانها انتشلوا من الفيضان، ولكن اهل كرمة نجحوا في تثبيت الاسم القديم للمنطقة،.. ومن هناك واصل السير على قدميك عبر كرمة البلد، وعلى راسك شنطة من الحديد الرفيع مطلية بمادة لامعة نسميها خطأ “صفيح”، وكيس مليء بالقرقوش والتمر.. والقرقوش هو البسكويت البلدي، وطعمه لذيذ مع الشاي ولكن هناك صنف منه يلحق إصابات بليغة باللثة.. ثم تصل الى مدرسة البرقيق الوسطى ذات القبة البيضاء التي كانت تتوسط مبانيها.. مدرسة جميلة محاطة بنبات الهبيل (الأبله) الذي يستحق هذا الاسم لأنه ينبت من دون حاجة الى ماء او هواء او شمس، ومن فرط بلاهته فان البهائم لا تأكله.

أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com

Exit mobile version