طلاب يطلبون وجباتهم بالـ(ديليفري) وآخرون (ما لاقين موية فول)!!

الأسعار قفزت بالزانة لتطول عنان السماء.. وأصبح مصروف الطالب الجامعي يشكِّل هاجسًا لدى الأسر خاصة التي يوجد من بين أفرادها أكثر من واحد في المرحلة الجامعية فمتطلبات الطالب الجامعي لا تنتهي.. مواصلات.. فطور.. مطبوعات.. مطلوبات.. تصوير… إلخ.

ن داخل أروقة إحدى الجامعات الشهيرة وأثناء زيارتي لها بغرض الوقوف على موقف الطلاب حيال الضغوط المعيشية والميزانية العامة لديهم وكيف يضعون بنودها!! كنت «جلوسًا» وسط مجموعة من الطلبة (الغبش) في كافتيريا الجامعة عندما ولجت دراجة بخارية حرم الجامعة وفي «داخلها» صندوق حديدي مكتوب عليه اسم أرقى محلات الأطعمة باهظة التكاليف ويقودها شاب في مقتبل العمر.. وما إن توقفت الدراجة حتى هرولت نحوها طالبة يبدو على سيماها أثر النعمة والترف وتبادلا التحايا بطريقة توحي بأنها (متعودة دايمًا) وقام الشاب بفتح الصندوق الخلفي وأخرج منه صندوقين فاخرين أحدهما مكتوب عليه وبالخط العريض (بيتزا) والثاني (فطائر مُشكّلة) فأخرجت الفتاة من جيبها مبلغًا ماليًا على ما يبدو هو ثمن تلك الطلبات وتبعته بآخر أعتقد أنه «بقشيش» لم أرَ المبلغ، فئة المبلغ الأول ولكني رأيت ورقة مالية فئة الخمسة جنيهات والتي لوّحت بها الفتاة أمام ناظري الشاب فالتقطها بلهفة وكأنه لم يصدق عينيه.. «فسرحت» بخاطري وتساءلت بيني وبين نفسي: هذه الجنيهات الخمسة التي تصرفها تلك الطالبة «كبقشيش» هي ربما تساوي مصروف طالب آخر لكل اليوم..

لم أشأ أن أقترب من تلكم الفتاة في تلك اللحظة لكني تابعتها بطرف خفي حتى التحقت بركب صويحباتها اللائي هن من شاكلتها فاخترن موقعًا وسطًا في الكافتيريا وجلسن وبدأن في تناول وجبتهن تلك.. عاودت حديثي مع ثلة الطلبة (الغبش) حول موضوع الميزانية وهل يكفي مصروفهم اليومي لمتطلباتهم.. ابتدرت الحديث «الطالبة» آمنة الرضي وهي من ولاية النيل الأبيض قائلة: أسكن في داخلية وأعتمد اعتمادًا كليًا على مصروفي وهو مبلغ ثلاثمائة جنيه عبارة عن «معاش» والدي الذي أوكل لي مهمة صرفه حتى يتسنى لي إكمال تعليمي الجامعي وهذا المبلغ يعادل العشرة جنيهات في اليوم ابتداءً من شاي الصباح والفطور والمواصلات والتصوير و… و.. ووجبة الغداء غير موجودة في قاموسي ومثلي الكثيرات وحقيقة الظروف طاحنة والوضع من سيء لأسوأ.. «وربنا يسهل علينا»..
«الطالب» عمرو الشيخ تناول أطراف الحديث مؤمنًا على كلام زميلته وأضاف: والله في أحايين كثيرة نضطر نحن الطلاب للعمل في وظائف كعمال باليومية حتى نتمكَّن من الإيفاء بمستلزماتنا؛ لأنه لا سبيل لأسرنا بزيادة المصروف؛ لأن الرواتب لم تطرأ عليها زيادة..
فتركت مكاني الذي كنت أجلس عليه وسط هؤلاء الطلاب.. تركتهم وهم يتحلقون حول «صحن بوش كبييير».. ثم توجهت صوب الفتيات «أهل الديليفري» وألقيت عليهن التحية فرددن بأحسن منها.. وعندما سألتهن ذات السؤال أجابت الطالبة التي قامت باستلام الإفطار من صاحب الدراجة وهي تُدعى أمل قائلة: أنا لم آتِ للسودان سوى ثلاث مرات فقط منذ ميلادي فأهلي يقيمون بإحدى دول الخليج وحقيقة لا أستسيغ طعم «فتة البوش» وحتى طعام الغداء في البيت في أوقات كثيرة لا أستطيع تناوله وأهلي يعرفون هذا جيدًا لذا يكونون حريصين على إرسال مصروف يفي متطلباتي كل أول شهر.. والحمد لله لم أواجه مشكلة مصروف حتى الآن..
هكذا كان الحال في تلكم الجامعة (متناقض).. ولكن من لهؤلاء الطلاب الذين يقتاتون الكفاف من أجل مواصلة مسيرتهم التعليمية؟!.

الانتباهة
كتبت: سحر محمد بشير
Exit mobile version