بيد أن هناك جزئية أخيرة أوردها المهدي في رده على الأسئلة التي طرحت عليه في واشنطن بشأن موقفه من ما يثار حول مشاركة ابنه، تلك الجزئية بحسب مراقبين تعتبر النقطة الأكثر أهمية في الموضوع، وذلك عندما أفاد الإمام على النحو التالي “علمت من العقيد عبد الرحمن أنه سوف يكلف بمهمة تتعلق بالتعاون والجوار الأخوي والتأهيل وتعزيز السلام بين السودان ودولة جنوب السودان”.. هذه الإفادة هي أول اعتراف شبه رسمي يقطع التكهنات ويحول الإشاعات إلى حقيقة فيما يتعلق بصحة دخول نجل المهدي إلى الحكومة المقبلة في منصب مستشار لرئيس الجمهورية.
وهذه الواقعة بدورها تحمل مجموعات من الدلالات، إذ أن تكليف احد أبناء المهدي بمهمة ذات علاقة بدولة الجنوب ربما أرادت بها قيادة الدولة أن تضع العقيد عبدالرحمن كمفتاح لحلول، وهذا يأتي في إطار معايير كثيرة من بينها القدرة السياسية والقيادية التي تجعله نافذا في ملف يبدو هو الأكثر تعقيدا مما كان يتخيل البعض قبل الانفصال، ولاسيما إذا أخذنا في الاعتبار أن العلاقة بين الشمال والجنوب وفقا للمعطيات الراهنة مرشحة لتطورات أكثر سوءاً مما هي عليه الآن. غير أن هذا الخيار بالنظر الى شخصية الرجل وتاريخه السياسي “الظاهر منه” قد لا يتوفر له النجاح وفقا لمراقبين، وذلك لأن العقيد عبدالرحمن لا علاقة له بالسياسة بصورة مباشرة سوى انه ابن الإمام الصادق المهدي، وأنه سليل أسرة تمتهن السياسة منذ تاريخ بعيد، وان كان لوالده رأي آخر، فهو يرى أن العقيد عبدالرحمن منذ التحاقه بالقوات المسلحة تمكن من تأهيل نفسه عسكرياً وأكاديمياً لمثل تلك المهمة، أي انه يضطلع بها عن جدارة، لفعله لا لاسمه”.. والدلالة الأخرى التي جعلت العقيد عبدالرحمن في هذا الموقع يمكن قراءتها بأن لحزب الأمة رؤية متكاملة طرحها من قبل وسلمها لقيادات الدولتين حول شكل العلاقة المستقبلية بين الشمال والجنوب، وتضمنت عدة نقاط تعتبر مفيدة جدا وتؤسس لعلاقة قوية حالما وجدت فرصة التطبيق، من بين تلك النقاط، توقيع اتفاقية إخاء تستند إلى مبادئ الاعتراف المتبادل بين الدولتين الشقيقتين، و أن يتمتع مواطني الدولتين في الشمال والجنوب بالحريات الأربعة، وأن تدار منطقة أبيي من قبل سكانها بشكل مشترك في إطار صيغة وطنية، إلى أن تسمح الظروف بإجراء استفتاء حر ونزيه وأن يكون لشعبي جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق حقوق لا مركزية محددة، وأن يكون لهم حقهم الديمقراطي في المشاركة في السلطة المركزية، ويتم استيعاب قواتهما المسلحة في القوات النظامية في البلاد من خلال اتفاق طوعي، وأن تؤسس شركة قابضة للنفط مشتركة بين البلدين، وذلك لإدارة استغلال، وتكرير، ونقل، والتنقيب عن النفط، ويتم تحديد حصة الدولتين في الشركة من مواردهما النفطية وأصول البنية التحتية خاصتهما، وأن تكون صناعة النفط محمية من أية خلافات سياسية مع ضمان حرية التجارة بين البلدين وتأكيد عدم التدخل فيها، وضمان وحماية وصول القبائل للمراعي التقليدية. وتكوين آلية مشتركة لإدارة موارد النيل الأبيض…
بناء على الواقع الآن، وما يشوب العلاقة بين الدولتين من ركود وجمود عجزت حتى لجنة امبيكي عن فك كنهه، فإن مقترحات المهدي أعلاه تبدو مناسبة للشروع في تنفيذها، ومن هنا ربما أدركت الدولة ممثلة في الحزب الحاكم أن إنزال تلك المقترحات إلى أرض الواقع لا يمر إلا عبر بواب نجل الإمام ولاسيما بعد أن رفض حزب الأمة المشاركة، وهو أمر يضمن للإمام لمهدي أيضا تحقيق (أجندته)، هذا يتضح من خلال تعليقه بالقول إن هذا التكليف يرجى أن يكون له عائد إيجابي في إطار العلاقة الخاصة المنشودة بين السودان وأشقائنا في دولة جنوب السودان..
هذا كله يمكن قراءته بإشارات صدرت الأسبوع الماضي من قبل الأمانة السياسية للوطني، والتي طرحت من خلالها ورقة سياسية، تحمل رؤية متكاملة؛ لإصلاح العلاقة مع دولة الجنوب؛ من واقع أن ذلك هو الباب الذي عبره يمكن للدولة أن تخمد تمرد الحركة الشعبية بمناطق النيل الأزرق وجنوب كردفان، وتضع حدا لتمدد الحركات الأخرى جنوبا، ولاسيما بعد أن نجحت الدولة في إغلاق أبواب الجارة تشاد على حركات دارفور. وكانت العلاقة بين أنجمينا والخرطوم أسوأ حالا مما عليه العلاقة بين جوبا والخرطوم، لكن مساعي القيادي بالمؤتمر الوطني حسن برقو وعلاقته المعروفة بالرئيس التشادي إدريس ديبي، جعلت الأمر ميسورا حسب مقربين من دوائر صنع القرار بالوطني.. بيد أن أستاذ العلوم السياسية بروفيسور حسن على الساعوري له رأي آخر، وإن كان لا يبتعد في مضمونه عن ما ذكرناه آنفا، إذ يعتبر أن تكليف نجل المهدي بمهمة إعادة العلاقة مع الجنوب ليس له معنى باعتبار أن العلاقات مع الجنوب انتهت بانتهاء الاتفاقية، وما تبقى منها أصبحت مشاكله ومسبباته واضحة، بالتالي ـ والحديث للساعوري ـ فإن تكليف عبدالرحمن المهدي بهذه المهمة يمثل شعرة معاوية بالنسبة لوالده، وهي محاولة من الحكومة لجر الصادق للمشاركة؛ لأن منصب المستشار هو منصب سياسي وليس تنفيذيا، ما يتطلب حنكة ورؤية متقدة.
صحيفة الأخبار
تقرير/ آدم محمد أحمد