** لم نكن نملك عيون زرقاء اليمامة ، ولكن وعيا بطبيعة الأشياء دفعنا إلى التوجس من مغبة احتكار صادر الماشية السودانية لصالح إحدى الشركات السعودية .. كنا نعلم ، وكذلك يعلم كل من يتمتع بوعى تجاه طبيعة الأشياء أن هذا النوع من الاحتكار سيضر بالصادر ، وبالتالي لن يزيد الاقتصاد الوطني إلا خبالا .. فالأصل في حركة الصادر والوارد هو الحرية والمنافسة الشريفة ، وأس البلاء في حركة الصادر والوارد هو الاحتكار .. هذه معلومة يعرفها كل ذي بصر وبصيرة ، وليست بحاجة إلى عبقرية تكتشفها .. ومع ذلك غضت وزارة الثروة الحيوانية طرفها عن تلك المعلومة وأهميتها في نهضة الاقتصاد الوطني وتطوير ثروة القطيع القومي .. غضت عنها الطرف ثم لجأت الي أس البلاء المسمى بالاحتكار، ومنحت رجل الأعمال السعودي سليمان الجابري صك الاحتكار، ثم أغلقت موانئ البلاد في وجه المستوردين الآخرين .. ويالهذا الذي بدأنا في دفع ثمنه شعبا ووطنا ، وليس وزيرا ووكيلا ..!!
** فالأنباء الواردة من السعودية – حسب ما جاء في صحيفة الوسط الاقتصادي – لا تبشر بالخير .. حيث هناك إحجام غير مستتر عن شراء الماشية السودانية بسبب المضاربات غير المشروعة التي تمارسها شركة الجابري المحتكرة .. ثم النبأ المحزن فحواه يشير بأن المستوردين الآخرين هناك جمعيات لاستيراد المواشي من استراليا والصومال بدلا عن السودان الذي أغلقت وزارة ثروته الباب في وجوههم بحصر الصادر للجابري .. فحدق جيدا عزيزي القارئ في الجريمة التى ارتكبتها وزارة الثروة الحيوانية في حق اقتصادك الوطني .. جريمة مع سبق الاصرار والترصد والعناد ، ولم يجد الفاعل الى يومنا هذا جهة عليا تحاسبه .. فقط الذي حدث هو أن وزير الوزارة منح الوكيل إجازة فترتها تسعين يوما .. إجازة وليست إقالة أوإستقالة ، ونأمل ألا تكون إجازة بكل إمتيازات العمل .. فان كان الوزير منح الوكيل إجازة تسعين يوما ، فان حجم الضرر يستوجب بأن تمنح جهة عليا الوزير ذاته إجازة تسعين عاما أو ضعفها .. فالمسؤولية مشتركة ، بل مسؤولية الوزير هى العظمى .. والخطأ الفادح الذي ارتكبته وزارة الثروة ليس منح صك الاحتكار لشركة الجابري فقط ، بل منحتها مستندا رسميا بأرقام مواشيها بالمحاجر، الجابري ، وللأسف ليست هى الأرقام الصحيحة ، مواشي الجابري بالمحاجر أقل من الثلاثمائة ألف رأس التي بالمستند ، كيف نفسر هذا..؟ ومن الذي أصدر هذا المستند الرسمي الذي لايحمل الأرقام الصحيحة ..؟.. ولمصلحة من لي عنق الحقيقة ورقاب الأرقام ..؟.. ألا تشتم هنا – عزيزي القارئ – رائحة مايسمى بال ..« تواطؤ » ؟
** كل تلك أسئلة مريبة ومشروعة ، يجب على البرلمان أن يطرحها على الوزير بعد الاستدعاء .. وليس من العدل ولا العقل أن يقف البرلمان صامتا أو حائرا أمام هذا النهج المتبع في إدارة قطاع الثروة الحيوانية بالبلاد .. نهج الاحتكار غير المشروع في غضون شهرين من إجازة مجلس الوزراء لقانون منع الاحتكار .. لمن أجاز المجلس هذا القانون ، وإن لم يحاسب به وزاراته ومؤسساته سيحاسب به من ..؟.. وحصر الصادر للجابري ليس بالفاجعة الوحيدة فى قطاع الثروة الحيوانية ، بل هناك فاجعة سابقة جادت بها عبقرية الوزير والوكيل وهى قرار تصدير إناث الإبل ، وحسنا فعل البرلمان برفض القرار بعد نصف شهر ، ولكن للأسف رفضه بعد أن نفذته الوزارة وصدرت بمقتضاه إناث الإبل .. وهنا مكمن الشك والريبة ، إى في سر السرعة التى نفذت بها الوزارة ذاك القرار قبل أن يرفضه البرلمان ، وكأن المستوردين كانوا أمام باب الوزارة في إنتظار قرارها .. وعليه ، منح الوزير للوكيل إجازة لايكفي ، فالقضية « أكبر من كدة » !!
إليكم – الصحافة -الخميس 28/8/ 2008م،العدد5458
tahersati@hotmail.com [/ALIGN]