كانت طقوسنا في الأفراح والأتراح مزيجا من الوثنية والمسيحية والاسلام: رسم الصليب على جبهة الوليد. الاستعاذة من الشر بعبارة “ماريا مي”، والعبارة تأتي بهذه الصيغة في الكثير من اللغات الاوروبية المعاصرة ذات الصلة باللاتينية أو اليونانية القديمة، وتجد الشيء نفسه في اسماء ايام الاسبوع: سانتي ليوم السبت (القديس في الكثير من اللغات الأوروبية هو سانت او سينت او سان) وكراقي ليوم الأحد (كرياكي باليونانية)، ومسوقو ليوم الجمعة، وتتألف الكلمة من شطرين هما مسي وتعني الصوم و”أوقو” تعني “يوم”، ويوم الجمعة هو يوم الصوم في الكنيسة الشرقية.. والاحتفال بعاشوراء كان يتم قرب شاطئ النيل، حيث كانت العائلات تجلس في حلقات حول صحون الطعام الشهي، ولكن اول لقمة من كل صحن كانت تُرمى في النيل، النهر الإله، مصدر الخير الذي لابد من نيل “مرضاته”، حتى يفيض بالماء من دون غضب او انفعال يهدد الزرع والضرع، وبعد دفن الميت، كانوا ينصبون على القبر مظلة من جريد النخل، وفي الأعياد يضعون التمر والكعك والحلوى قرب رأس الميت (القبر).. لم يكن الناس بالطبع يدركون انهم يأتون شيئا يخالف صحيح الإسلام، فقد كان ذلك زمن يصلي فيه البعض وهم يقولون عوضا عن قراءة الفاتحة أو سورة او الاثنين معا: وو نور أي إقد إنّا مل أي كج إنا مل!! يا إلهي أنا نعجتك، أنا حمارك!! كان ذلك إسلام الأطراف القائم أساسا على قول الشهادتين واستيفاء الأركان الأربعة الأخرى، من دون تمعن او تبصر، ورجعت بالذاكرة القهقري مرددا الأغنيات النوبية التي كانت رائجة في مرحلة صباي ولم أجد واحدة تخلو من ذكر الرسول محمد عليه السلام، ولكن الغريب في الأمر ان النوبيين والى يومنا هذا يذكرون الرسول مقرونا باسم أمه “ميمد أمنن تود”، وتعني محمد ولد آمنة، فهل لذلك صلة بمكانة المرأة في الثقافة النوبية وكون ان النوبيين كانوا ينتسبون الى أمهاتهم ويتوارثون عنهن؟.. إلى يومنا هذا مطلوب مني عندما التقي شخصا من بدين للمرة الأولى أن أعرفه بنفسي بادئا بأنني جعفر ولد آمنة فقير (جافر آمنة فقيرن تود)، وعلى ذلك الشخص ان يدرك بعدها انني “بالتالي” ابن عباس سيد احمد.
أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com