وأشار رئيس الشبكة في حديث خص به “العربية.نت” إلى أن وقائع التحرش التي تعرضت لها هذه الحالات، تمت في مكان العمل بشكل أساسي، وعندما لا ينساق الضحايا يكون مصيرهم الطرد يقول عبد الفتاح، وهناك أيضا حالات سائقي بعض النساء أو حراس بعض الفيلات….، بحسب بهجاجي.
وعلق بهجاجي على قرار المسيرة المزمع تنظيمها بعد عيد الأضحى من طرف مجموعة افتراضية على “الفيسبوك” وجمعيات نسائية حقوقية للتنديد بالتحرش الجنسي من طرف الرجال بالنساء، بالقول بأن لا أحد يستطيع أن ينكر وجود ظاهرة التحرش ضد النساء، التي يعتبرها مظهرا من مظاهر التعنيف والتحقير والمس بالكرامة، مؤكدا على ضرورة وضع الظاهرة في سياقها و حجمها دون تضخيم أو تهويل لا أحد يدري الهدف والمبتغى منه.
وقال: “ليس كل الرجال المغاربة متحرشين ومعنفين ومهملين لأسرهم و لأبنائهم، وهو ما يستوجب في نظره تجنب التعميم والتعاطي مع الظاهرة في حجمها ووضعها الطبيعي، وبالنسبة له فالمغرب بلد الحريات ومن حق أي فئة أن تعبر عن نفسها وعن مطالبها واحتجاجها بالوسائل التي يكفلها القانون في إشارة إلى المسيرة المزمع تنظيمها، لكن حذار من التعميم والتنميط حتى لا تعمق الهوة بين الجنسين وحتى لا ننشغل بمعارك وهمية يمكن أن تنأى بنا عن المساهمة في أورش بناء مغرب الحداثة والتقدم والانفتاح، يؤكد عبدالفتاح، لأن المعركة في رأيه، ليست بين الرجل و المرأة… بل المعركة هي ضد الفقر والتهميش والهشاشة والأمية التي انخرط فيها المغرب ليشيد مغرب الغد تبعا له.
ويرى بهجاجي بأن أسباب الظاهرة متعددة ومختلفة يتداخل فيها النفسي والتربوي والاجتماعي، والتصدي لها في نظره يستوجب استثمار كل القنوات التي من شأنها المساعدة على الحد منها: فالتربية على الاحترام والتعايش والتنشئة على الحب والمودة وعلى حق الاختلاف، ينطلق حسبه، من الأسرة باعتبارها العتبة الأولى التي يتربى الفرد فيها على القيم، ثم المدرسة ببرامجها ومقرراتها وفضاءاتها بجعلها مشتل للتشبع بالسلوك المدني، كما يراهن على الإعلام بتعدد وسائطه لكي يكون عاملا مساعدا على تقويم السلوكات وتهذيب النفوس من كل الظواهر السلبية والمشينة.
ويعتقد، رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن حقوق الرجال، أن القوانين وحدها لا تكفي للقضاء على هذه الظاهرة، فعندما يتعلق الأمر تبعا له، بالسلوك وبالتصرف وبالانفعال، فيجب إضافة إلى الزجر والتحريم والمنع اعتماد المقاربة التربوية والتحسيس والحوار من خلال توجيه العمل إلى ثالوث الأسرة والمدرسة والإعلام.
العلاقة بين الرجل والمرأة
من جهته يذهب عبداللطيف حباشي، الباحث في السوسيولوجيا، في قراءته الخاصة حول “التحرش الجنسي المؤنث”، في تصريحه لـ “العربية نت”، بأنه إذا كان المجتمع المغربي قد عرف كغيره من المجتمعات عدة تحولات اقتصادية واجتماعية وثقافية، في ظل نظام معولم جديد، فإن القيم التقليدية التي حكمت العلاقات بين الجنسين لمدة طويلة، أخذت تعرف بدورها عدة أزمات، لم تفرز بعد حسبه قطائع واضحة، لكنها من وجهة نظره تعيد إنتاج نفسها في حدود ما يسمح به منطق الصراع والمجابهة والمقاومة أمام ما يعتبره اختراقا ثقافيا وتحديات قيم جديدة، ساهمت وتساهم في نشرها تبعا له، الطفرة التكنولوجية لوسائط الإعلام والاتصال التي يعرفها العالم من حولنا؛ والتي لها كبير الأثر في بروز تمثلات جديدة لنوع العلاقة بين الرجل والمرأة.
ويضيف الباحث، إلى أن ما يعرفه المجتمع المغربي حاليا من تمظهرات على مستوى السلوكات والتصورات والرغبات وتدبير للخلافات.. لهو أحد الأوجه المعبرة عن العلاقة الملتبسة حسبه، بيننا وبين أجسادنا من جهة، وتمثلاتنا حول القوة، السلطة، الجنس والهوية الجنسية من جهة أخرى.
ويشير، إلى أنه ومنذ مدة بدأت تطفو على السطح “قضايا” من قبيل “الرجال المعنفون من طرف النساء”، “تحرش النساء الجنسي بالرجال”، “زنا المحارم”، وهي أعطاب اجتماعية يرى أنها موجودة بالفعل وإن كانت لازالت أسيرة التابوهات والمسكوت عنه، فإنها بدأت تبعا له، تكسب مساحات في مجال التداول. إلا أن رصدها والتعامل معها ودراستها لازال يشكو من عدة نقائص – والكلام لحباشي -، باعتبارها لا ترقى في نظره إلى مستوى الظاهرة الاجتماعية أولا، وثانيا لوقوعها في فخاخ الخطابات والخطابات المضادة وهو أمر يحتاج بدوره إلى أبحاث ودراسات يقول المتحدث، وثالثا غيابها أو تغييبها من دائرة الاهتمام العلمي الأكاديمي.
ويرى بأن الفهم الصحيح لما يروم داخل المجتمع من ظواهر وسلوكات ومعتقدات وتصورات مختلفة ومركبة، لايستقيم إلا عبر هذه الأبحاث والدراسات العلمية الرصينة، داخل فضاءات مراكز البحث العلمي والجامعات المتميزة، وما عداه قد يسقط غالبا في الانطباعات أو الاصطفاف الإيديولوجي..
ويؤكد على أن للتنشئة الاجتماعية للفرد المغربي مسؤولية في جنسية هذا الكائن ليصير رجلا أو امرأة عبر اكتسابه مجموعة معقدة من المعارف أو المعتقدات الخاصة ومن القواعد و المحرمات، و الأشياء المسكوت عنها، والمواقف المنفردة، والقيم والأخلاق “الجنسية” تحديدا، حول مجموع جغرافية الجسد والأنشطة والوضعيات الخاصة. وبذلك تصبح التمثلات المرتبطة بالجنسانية sexualite في نظر الباحث، بناء ثقافيا وذاتيا، نادرا ما تتوافق مع الواقع.
وقال حباشي، بأن التحرش الجنسي بشكل عام مع تقديره للفارق بين الجنسين طبعا، لهو أكبر المظاهر المعبرة عن قلق الإنسان المعاصر وجوديا، إنها في نظره، مشكلة العلاقة بين الجسد والهوية الذاتية.