لا أظن أنه يوجد على ظهر الأرض شعب يتعامل مع امتحان الشهادة الثانوية على أنها كابوس أو وباء فتاك أو إعصار مدمر كما يتعامل المصريون.. ولا أظن أيضا أنه مرت سنة واحدة خلال نصف القرن الماضي من دون أن يحاول نحو 10 طلاب مصريين الانتحار خلال الامتحانات أو بعدها.. وذلك بسبب الكثافة السكانية ومن ثم الطلابية في ظل محدودية المقاعد في الجامعات، ولأن 80% من المصريين شأنهم شأن بقية العرب العاربة والهاربة تريد لأبنائها وبناتها العمل في مجالات الطب والهندسة.. وإن لم يحدث ذلك ففي الصيدلة.. وهذا “آخر كلام عندي.. مفهوم؟”
في امتحانات الشهادة الثانوية التي جلس لها الطلاب المصريون خلال شهر يونيو الجاري، سجلت كل المحافظات حالات إغماء وهستيريا وصيحات الغضب، وانصبت اللعنات على من أعدوا امتحان اللغة الانجليزية.. بل قام بعض أولياء الأمور في مدارس في القاهرة باقتحام لجان الامتحانات بعد ان سمعوا صرخات بناتهم من “هول” الامتحانات، ثم أعلنوا أنهم سيدخلون مع عيالهم في إضراب مفتوح عن الامتحانات (يفترض ان تنتهي في 27 يونيو الجاري – 2010).. ما تسألنيش إزاي يضرب أولياء الأمور عن الامتحانات – ثم تجمهروا في مظاهرة امام مقر وزارة التربية وهتفوا بـ”سقوط” الوزير وناشدوا رئيس الجمهورية التدخل لنجدة أبنائهم وبناتهم!!
والهتاف بسقوط وزير التربية محض سخف فالرجل “نجح وخلص” ويحمل درجة الدكتوراه، ولكن النجاح الذي لم يسبقه إليه أي وزير تربية في أي بلد عربي، هو أنه أعلن بكل شجاعة وأمانة أنه ما من طالب سينال تقدير 100% في الامتحانات، وأنه لو أحرز طالب 90% من الدرجات فسيقوم هو – أي الوزير – بزيارة الطالب في بيته لتهنئته على هذا الإنجاز المذهل، وأتمنى لو تستنسخ بقية الدول العربية الدكتور احمد زكي بدر ليعيد عجلة التعليم الى مسارها الصحيح ويوقف مساخر إحراز مئات الطلاب في كل بلد الدرجات النهائية في كل المواد.. أموت واعرف كيف يحرز شخص ما الدرجات الكاملة في “الإنشاء” باللغة العربية او الإنجليزية او حتى باللغة الهجين التي اخترعها الآسيويون في منطقة الخليج.
سلام مربع ومكعب ومتوازي الأضلاع للـ”بدر الذي أتى في ليلة التعليم الظلماء.. والله يسامح نواب البرلمان الذين يريدون للبرلمان ان يناقش صعوبة أسئلة الرياضيات (التفاضل وحساب المثلثات على وجه التحديد) بزعم انها جاءت من خارج المقرر، وكأن من وضعوا أسئلة الامتحانات منتدبون من وزارة الزراعة او جهاز المخابرات او مكتب اليونسكو في الصومال.. أما مطالبة رئيس الجمهورية بالتدخل في أمر الامتحانات فهو دليل فهم قاصر وعاجز لمسؤوليات رئيس الدولة.. طالما هناك طلاب لم يبكوا أثناء أو بعد الامتحانات ولم يحاولوا الانتحار فمعنى هذا ان الوزير بدر على حق عندما قرر ان يكون إحراز الدرجات العليا عن جدارة واستحقاق وليس من باب “التساهيل والتساهل” لتتباهى الوزارة لاحقا بأن معدلات النجاح غير مسبوقة في خيانة مقيتة لأمانة المهنة!
أخبار الخليج – زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com