* هل تذكرون قصة (سارة) أم الطفل الرضيع (محمد) التي حكيتها لكم من قبل وتتلخص في حصول سارة على حكم قضائي من المحكمة العامة يسمح لها بأخذ طفلها معها في رحلة إلى القاهرة لمرافقة والدتها المريضة بعد أن رفض طليقها السماح بذلك فاضطرت لرفع دعوى قضائية ملتمسة السماح بسفر الطفل معها وكسبت الدعوى، إلا أن محكمة الاستئناف ألغت الحكم لاحقاً (بعد سفر سارة وعودتها)، ولم يعد هنالك ما يمكن فعله بعد ذلك..!!
* غير أن سارة فوجئت بقرار جديد من محكمة الموضوع يلزمها بتسليم جواز الابن إلى أبيه، وفهمت من القاضي أن القرار استند على توجيه إداري صادر له من رئيس الجهاز القضائي بولاية الخرطوم، وهو شيء غريب جداً فليس للتوجيهات الإدارية علاقة بأحكام القضاء، وبناء على ذلك امتنعت سارة عن تسليم الجواز ثم استأنفت القرار فجاء قرار محكمة الاستئناف في غير صالحها!!
* وبما أن سارة عرفت أن التوجيه تقف وراؤه شخصية نافذة، تشغل منصباً رفيعاً جداً وتمت بصلة القرابة لطليقها، ولا يسنده قانون كما فهمت من محاميتها، امتنعت عن تنفيذ الحكم فاقتيدت لسجن أم درمان وقضت فيه خمسة أيام بلياليها مع طفلها الرضيع وكانت مصرة على عدم تسليم الجواز ولو قضت العمر كله في السجن، ولكن شاء الله أن تنتهي محنتها بعد أن تنازل والد الطفل عن دعواه رأفة بالطفل!!
* وكان يمكن للقضية أن تتوقف عند هذا الحد خاصة بعد أن اتضح لسارة أن خصمها الحقيقي ليس زوجها السابق وإنما تلك الشخصية النافذة، ولكنها صممت على حماية حقوقها كاملة ــ ليس بصفتها الشخصية ولكن كـ (امرأة وأم سودانية) حماية وتعزيزاً لحقوق المرأة السودانية ــ مسنودة بمحامية شابة ذكية وشجاعة هي الأستاذة هويدا مرسال التي استأنفت القرار للمحكمة العليا فألغت المحكمة حكم محكمة الاستئناف ووصفته بالقرار المعيب وأنه لا محل للتوجيهات الادارية في أحكام المحاكم، وأن والد الطفل ليس لديه الحق في الحصول على الجواز الذي تكفلت الأم بكافة نفقات إصداره، فأثبتت بذلك شجاعتها وعدالتها وغيرتها على أعمال القضاء، كما وضعت سابقة قضائية مهمة يعتد بها في المستقبل، برغم إنها كانت تعلم ما يدور في الخفاء!!
* شكراً لسارة التي اعطتنا درساً بليغاً في الشجاعة والدفاع عن الحقوق حتى لو كان السجن هو المصير.. وشكراً للأستاذة المحامية هويدا مرسال التي لم تتردد في مواجهة الظلم والنفوذ بكل جرأة وقوة .. وشكراً لدائرة الأحوال الشخصية بالمحكمة العليا وقضاتها الأجلاء مولانا محمد إبراهيم محمد رئيس الدائرة ومولانا محمد أبوزيد محمد ومولانا يعقوب محمد عبدالرحمن الذين أثبتوا نزاهة وعدالة وشجاعة القاضي السوداني.
مناظير – صحيفة السوداني
drzoheirali@yahoo.com
21يونيو 2010