لكن ، ما أن تنتهي مباراة الا وقد إنهالت على الحكم عبارات التشكيك والهمز واللمز والتجريح ، حتى كاد هذا الهجوم المحموم أن يهـز عرش القضاء الرياضي … والغريب في الأمر ان هذه الظاهرة موجودة في كل البلدان العربية تقريبا .
والحكم كما نعلم هو أحد أهم عناصر اللعبة ، وهو في ذلك عنصر محايد يسعى بكل ما أوتي من جهد للنجاح في مهمته . ولا يعقل أن نتخيل حكما ما يريد يكون سيئاً في أداءه لمباراة معينة ، رغم إدراكنا أن هناك حالات ودرجات من الخطأ غير المقصود وسببها ربما الرهبة أوالتردد في إتخاذ القرارات أوسوء الإعداد .
والتحكيم في حد ذاته أمر مرهق ذلك أن الحكم قاض فوري يصدر أحكامه بصورة آنية ، بعد لويحظات من الحدث دونما تداول أو إستئناف . بينما مطلوب منه أن يصدر قراره سريعا وبصورة حاسمة .
وتصدر تلك الأحكام في ملعب مليء بالجمهور الذي يمثل مختلف شرائح المجتمع بدءاً بالعلماء والقضاة وإنتهاءًا بالعوام . وكل قرار يصدره يجد معارضة في الجانب الآخر، حتى أصبح الإعتراض في حد ذاته هواية يمارسها الكثيرون ، بل وسيلة من وسائل التنفيس والتعبيرعن الذات أو حباً في الظهور.
قد يتخذ الإحتجاج من قبل الجمهور شكلا آخر وهو الشغب .. وهذا يخرج عن إطار الخلق الرياضي ومن أشكاله ( القذف والسب وحصب الفوارغ والحجارة ونحوها ) وهذا بالطبع سلوك لا يمت للرياضة بصلة .
وهناك إحتجاج اللاعبين على قرارات الحكام في كل شاردة وواردة التي يقابلها خطأ آخر من قبل الحكام ، حيث أنهم يبررون قراراتهم للاعبين حتى أضحى الإحتجاج هواية يمارسها اللاعبون .. بل أن بعضهم يأتي بحركات إستنكارية في وجه الحكام وقد لا يجابهها الحكام بالردع اللازم مما يفقدهم الهيبة والإحترام .
والغريب أن إدارات الأندية نفسها لاتجد حرجا في الدخول في هذه المتاهة ، فبدلاً من أن تدرك هذه الإدارات أن الإحتجاج في الملعب لا طائل منه وأن الإحتجاج سبيله القانون وأن يكون على تطبيق القانون وليس شخصية الحكم ، نجدهم قد أعانوا اللاعبين على هذا النهج حتى أصبح الإحتجاج سنة شائعة في الملاعب .
والحكم رغم هذه الأحوال التي يدركها مسبقاً ، لكنه يسعد بدوره الذي يؤديه ولا يأبه بتدعياته ، لأنه يزاول دوره بدافع من الحب والمتعة والتجرد .. حيث يسعى دوما للنجاح والظهور بمظهر الحكم العادل بقدر الإمكان فيمارس لتحقيق ذلك جملة من التمارين الرياضية التي تمده باللياقة البدنية والذهنية التي تتيح له أكبر قدر من التركيز والإنتباه والتواجد حيثما تكون الكرة .
والحكم كغيره من الناس فرد عادي يتفاعل في المجتمع كسائر الناس يعايش ضغوطات الحياة ومغالباتها وتأثيراتها النفسية والعصبية من خلال تقلبه مع أوجه الحياة المختلفة … بل أنه عرضة للخطأ كسائر الناس .. لكن الخطأ في أغلب الأحايين لا يكون جوهريا أو بالقدر المؤثر ، لكنه إن وصل الى ذلك فقدت المنافسة مضمونها .
والحكم ، ترصد أداءه لجنة فنية خاصة تراقبه باستمرار وترفع تقاريرها الى الجهات المختصة لإتخاذ ما يلزم تجاهه ، وهو بذلك محاط بالسنة الناس واقلام النقاد والمراقبين .. والغريب أنه الشخص الوحيد الذي لا يجد من يشجعه في المبارة .. وبدلا من ذلك يتعرض للسب والشتم والإتهام والهتاف بأن التحكيم فاشل .. حتى غدت هذه الممارسات جزءا من المتعة التي يمارسها الجمهور .
ومشكلة التحكيم أن قدامى اللاعبين لا ينخرطون فيه لأسباب كثيرة أهمها ضعف العائد المادي ، علاوة على أن ممارسيه لا يجدون من يشكرهم إلا بعض عبارات شاردة تكمل بها التقاريروالأخبار .
والحكم رغم ما أسلفنا ، عرضة للخطأ ككل البشر.. لكنه يستطيع تقليل إحتمالات الخطأ من خلال عدة ضوابط يحقق من خلالها النجاح المنشود وهي :-
* المحافظة على اللياقة البدنية من خلال التمارين الخاصة والمناسبة .
* إعطاء كل المباريات القدر اللازم من الإهتمام والتركيز .
* الإستعداد للمباريات التي يديرها قبل وقت كاف .
* عدم تعاطي المواد التي تؤثر على الأ داء والإنتباه والصحة .
* مراجعة القانون بصورة دورية ومتابعة التعديلات التي ترد فيه والعمل على تطبيقها في تمارينه .
* الإشتراك في المناقشات القانونية التي تحلل أداء الحكام في إطار لجان التحكيم والزملاء والمحللين والنقاد .
* متابعة أداء الحكام الآخرين من خلال التسجيلات الخاصة بالمباريات الدولية .
* أن يتحلى بقدر عال من الثقة في النفس .
………..
ملء السنابل تنحني بتواضع … والفارغات رؤوسهن شوامخ
صلاح محمد عبدالدائم شكوكو
shococo@hotmail.com