وتمضي السنوات وتمر السبعينيات والثمانينيات حتى مطلع الألفية الثالثة ثم أحد عشر عاماً بعدها.. لا كالكواكب التي رآها سيدنا يوسف في حلمه وهو يقص رؤياه لوالده نبي الله يعقوب بل هي سنوات فاق «دلها» حدة سنوات العزيز السبع التي جعل قمحها بمشورة يوسف باقياً في سنابله.
ولكن جل أفراد الشعب السوداني ونحن نستشرف اليوم العشرين من رمضان الأغر لا قمح لهم في الأساس ليجعلونه باقياً في سنابله.
وتبقت تسعة أيام للعيد (السعيد) حسب موروثة الأطفال التي تقافز بها جدي الأول في هذه الأرض التي هي لنا بحسب قصيدة الشاعر الأعظم أحمد محمد صالح التي أصبحت سلاماً جمهورياً للسودان فقط بعد أن فقد العديد من نعوته «بلد المليون ميل مربع»، «السودان الواحد الموحد»، «من حلفا إلى نمولي»، و«أنا وأخوي ملوال».. فقد مضى ملوال إلى غير رجعة.
غير أن الأسعار بحوانيت السوق ودكاكينه الكبيرة و(فراشته) لا تبشر بأن عيداً سعيداً سيمر على ملايين أطفال السودان هذا العام بعد أن صام الناس وأفطروا على (بصلة) حقيقة لأن البصل كان أرخص ما في سوق الخردوات.
فإن الذي لديه سبعة من الأبناء عليه أن يطيل السجود والركوع والدعاء عسى الله أن يسعفه بليلة القدر في أيام (23-27-29) من رمضان فتفك ضائقته ويجد ما يبتاع لهم به أحذية وبناطلين وقمصان وللحلوات فساتين وشباطة وأربطة شعر و(كريم فرد) وللزوجات اللائي تفوقن على الأسعار بابتكار أكلات ما أنزل الله بها من سلطان وقسمن حتى ربع الكليو إلى قسمين، لهن يبتاع ثوب بوليستر وجلابية وشحاط إذا لا سبيل لـ(للنالة) وثيابها وغيرها من المحلات ذات الأبواب الستة.
أحد أصدقائي قال لي نحن الشعب لنا أجر عظيم قبل كل شعوب الأرض فسألته لماذا؟ فقال لي إن بني إسرائيل زعزعهم ربهم و(طشوا) في الأرض أربعين سنة لأنهم رفضوا الانصياع لنبيه وما زالوا (طاشين)، أما نحن فنصلي ونصوم ونعبد الله ولم يترك لنا الفقر شيئاً، نتزكى به وبقينا في الفقر نيفاً وعشرين سنة والله قال في كتابه (وما ربك بظلام للعبيد) فبعد هذا الحصار الذي سجنت فيه الإنقاذ نفسها فسجنا معها دون ذنب؟ ننتظر أجراً عظيماً.
قلت له إن ما يهم في الأمر لك أربعة صبية وفتاتان ولم أرك طوال أيام رمضان تقوم بدهان حائط واحد وأنت «نقاش درجة أولى» فماذا تفعل في ملابس العيد والأطفال لا يعذرون أحداً؟
فقال : سأتهجد عشر ليالٍ سوياً وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن والحمد لله رب العالمين.
وما زلت أسأل: ماذا فعل (سعيد) هذا حتى يهتف باسمه الأطفال كل عام لأكثر من عشرين عاماً «يا سعيد زح بعيد الليلة الوقفة وبكرة العيد) ومن هو سعيد أصلاً؟!
الأهرام اليوم
محمد عبداالله يعقوب