طعم الظلم

[ALIGN=JUSTIFY]في المرة السابقة تحدثنا في هذا الباب بالعنوان (لون الظلم) تطرقنا من خلاله لجزء يسير من الفهم الذي اراه مغلوطاً عند البعض من الناس بنسب الظلم لجهة جغرافية محددة وفرز المظلوم في جهة جغرافية معينة. ومن سخريات القدر ان نجد بعض المنادين برفع الظلم عن انفسهم يمارسون نفس اللعبة التي يرتضونها عندما يمارسها آخرون عليهم… لكنهم يستمتعون بها على إخوة لهم.
إن ظلم القربى لأشد مرارة وكم من أشقاء تقاتلوا فيما بينهم بسبب أشياء تافهة لكنها عندما تكون العدالة والإنصاف غائبة تراق الدماء وتتفرق الأسر.
من المفاهيم التي يريد بعض الناس ترسيخها في السياسة السودانية هو محاولتهم تصوير شكل الظالم وتحديد مكان إستيطانه بل تسميته بحيث تكون جهته الجغرافية وعنصره اللغوي كافيين جداً للقول بأنه الظالم الجاحد. هذا هو المنهج القديم لليهود الذين ما ان جاء احدهم يحدث اخاه بانه وجد المسيح… فكان رده عليه بسخرية قائلاً (أمن الناصرة يخرج شئٌ صالحٌ؟)…
نعم… لقد كان عند عرف اليهود بأن كل القادمين من الناصرة اشرار…
واصحاب هذا الفهم عندنا في السودان كثر…….
…فالشماليون عند البعض :ظالمون ، ديكتاتوريون ،قتلة…إلخ.
واما غيرهم عند بعض الشماليين :لا يستحقون المواطنة ، خونة ،أجراء ،خدم… إلخ.
وأي منا له المقدرة على رسم أسوأ صورة ممكنة لخياله عن الشخص غير المنتمي لمنطقته…
وفي منطقته تلصق إلى الصفات السيئة على من ليس من قبيلة المتحدث المتفاخر…
وفي القبيلة تحمل عشيرة المتحدث أرفع وأجمل الصفات المعروفة في العالم….
وننزل فنجد أن أفضل الأسر هي التي ضمته او ضمتها…..
…. وفي نهاية المطاف فالمتحدث لابد له من تفضيل نفسه فيصف نفسه مستخدماً القول (انا) بدلاً عن (نحن)…
و.. و..وأما هم فيجب محاربتهم….و..
وتبقى نقطة صغيرة جداً عصية علينا: انا الجنوبي اقف مع دعوة اخي الجنوبي ضد الشمالي والشرقي والغربي…إلخ.
والشمالي يقف مع اخيه… ويفعل الغربي نفس الأمر.
وبهذه الطريقة تسقط أهمية معرفة الأخطاء، لأننا ببساطة ننادي بإغماض عيوننا عن أخطاء ونتحدث عن أخطاء…
وعندما اقول الأخطاء فاقصد بها تلك التي ترتكبها جماعة حاكمة تعمل كوحدة متكاملة وقراراتها تقع مسؤوليتها عليها جميعا.
والعذر بالنسبة لي غير مقبول للقائلين بأن حكومات الخرطوم كانت بها أقلية من بقية ابناء اقاليم السودان المختلفة بداعي ان الغلبة لأبناء الشمال النيلي فالتفكير المتعمق في تهميش الآخرين مصدره الخرطوم حيث الحكومات.
وإن بقي الجنوب بلا تنمية حتى حمل ابناؤها السلاح لنزع الحقوق المغتصبة فلا يعني ذلك بأن الجنوبيين فهموا ان كل من ليس من الجنوب ظالم لهم أو هم يجب ان يعادوا كل من لم يقف مع نضالهم.
وعليه فإن كانت هناك جهة جغرافية ترى بأن مسؤولية الظلم (التأريخي) على بقية أنحاء السودان تقع على عاتق الشمال النيلي رغم أن تلك الجهة كانت تقف ضد الجنوب امس، فالجنوبيون ليسوا مجبرين على اعتناق الفكرة الشمولية.

لويل كودو – السوداني-العدد رقم 993- 2008-08-19 [/ALIGN]

Exit mobile version