ويصرِّح عقار من الدمازين بأوداج منتفخة أمس الأول مهدِّدًا ومتوعِّدًا بما أبرزته صحيفة «السوداني» وليس «الإنتباهة» بمانشيت أحمر يقول:- «الكتوف اتلاحقت، كل زول عندو قصرو وجيشو»!! بل ويحذِّر من انتشار القوات المسلحة في ولاية النيل الأزرق كما لو كانت تلك الولاية التي يحكمها في غفلة من الزمان ولاية جنوبية أو ولاية مستقلة عن الشمال ويقول إن الجيش الشعبي سيحذو حذو القوات المسلحة وينتشر إذا واصلت عملية الانتشار في الولاية!!
لم يكتفِ عقار بذلك وإنما بلغ به الغرور درجة أن يطلب من الرئيس البشير أن يبعث نائبه علي عثمان ومساعده نافع لا ليلتقيا به في النيل الأزرق فهو أكبر منهما مقاماً وإنما ليلتقيا اثنين من «الحركة الشعبية» حول القضايا العالقة ويرفعا النقاط الخلافية للرئيسين البشير وعقار!!
أرأيتم في حياتكم مثل هذا الغرور وهذا الاستفزاز وهذا التطاول؟! علي عثمان الذي وقّع اتفاقية نيفاشا مع قرنق سيد مالك عقار.. علي عثمان ليس في مقام عقار بل إن علي عثمان ونافع كليهما مطلوب منهما بأمر عقار أن يحضرا صاغرَين إلى النيل الأزرق ليقابلا شخصين في مقامهما يحددهما عقار الذي لن يجلس إلا مع البشير!!
وبالرغم من ذلك تصبر الحكومة ويصبر المؤتمر الوطني وتصبر القوات المسلحة، على كل هذا الاستفزاز وهذا التطاول!! وبالرغم من ذلك يتبرع كبارُنا ببذل التنازلات والتصريحات بأنهم يثقون في مالك عقار!! نفس الثقة التي مُنحت لقرنق وأدت إلى ربط الحبل حول أعناقنا في نيفاشا!!
هل سمعتم بموافقة بيتر قاديت على وقف إطلاق النار غير المشروط استجابةً لعرض سلفا كير بالعفو عن المتمردين على سلطان دولة جنوب السودان؟! وهل فهمتم لماذا ارتجف قاديت واستسلم مذعوراً بعد ثلاثة أيام من قيام الجيش الشعبي بقتل الفريق قلواك قاي وإمطاره بمائة وإحدي عشرة رصاصة؟! هل فهمتم السبب الذي يجعل الحركة تدعم متمردي الشمال بالمكشوف وعلى رؤوس الأشهاد بينما نرتجف نحن في الشمال ولا نجرؤ على أن نفعل شيئاً لدعم الثوار الذين يخوضون معارك طاحنة ضد سلطة الحركة الشعبية في دولة الدينكا وإذا اتهَمَنا باقان بأننا ندعم ثوار الجنوب نحلف بالله وبالطلاق وبغير ذلك بأننا أبرياء من تلك «التهمة» بالرغم من علمنا اليقيني الذي أثبتناه من قبل والذي نستطيع إثباته مجدداً وبالوثائق أن الجنوب هو الذي يشعل الحرب في الشمال ليس في جنوب كردفان فحسب وإنما في النيل الأزرق التي تُعِدُّ العدة لخوض الحرب ودارفور التي تتحرك العدل والمساواة من جنوب كردفان وغيرها لإجهاض اتفاق الدوحة الذي أُبرم بغرض إطفاء لهيب ازمتها المتطاولة.
بالله عليكم ما الذي يمنعنا من إعمال مبدأ المعاملة بالمثل؟! لماذا يتحرك الجنوب وحركتُه وجيشُه الشعبي داخل أراضينا ولا تتحرك قواتنا المسلحة داخل أراضي الجنوب؟! لماذا سرَّحنا أبناء الجنوب الذين كانوا يعملون داخل القوات المسلحة؟! هل لأنهم أصبحوا أجانب؟! طيِّب ماذا يفعل عقار غير الأجنبي والحلو غير الأجنبي بنا الآن؟! ألا يعملون تحت إمرة الجنوب لإنفاذ خطة الحركة الشعبية في الشمال كما لو كانوا جنوبيين؟! ما الذي يجعلنا لا نفعل ما تفعله الحركة الشعبية وهي توظف أتباعها في الجيش الشعبي الشمالي ضدنا بغرض إنفاذ مشروعها القاضي «بتحرير» السودان الشمالي من خلال إقامة مشروع السودان الجديد المستهدِف لديننا وهُويتنا وأرضنا؟!
لماذا تصبح دولة الجنوب دولة ذات سيادة ودولة شمال السودان فأراً مذعوراً.. لماذا يحسمون ونتخاذل ويتقدمون ونتراجع ويرفعون رؤوسهم (وندنْقِر)؟! أين تكمن العلة؟! هل يكمن السبب في أن الجنوب يقوده (خواجات شطار) أمثال روجر ونتر بينما نحن في حالة انعدام وزن بعد أن ضاع القرار ولا يعلم أحد أين يُتَّخذ؟!! مجرَّد جزر معزولة كلٌّ يتصرف بلا مرجعية تحكمُه؟! هل من دليل على فوضى الجزر المعزولة أكبر من «جليطة» الحاج آدم يوسف أمين الاتصال السياسي بالمؤتمر الوطني وهو يبرِّر زيارة لم تقم أصلاً للرئيس البشير إلى ولاية النيل الأزرق وكان الرجل آخر من يعلم بتلك الزيارة المزعومة التي صدّق من أخبره بخبرها وركب الموجة على طريقة أشعب وهو يصدِّق كذبة أراد أن يصرف بها الناس عنه في القصة المشهورة؟! وهل من دليل على تلك الحالة المؤسفة من التخبط أكبر من أن يقرر ثلاثة أو أربعة أفراد ويوقعون اتفاقًا إطارياً هو الأخطر بعد نيفاشا بدون أن يستشيروا الرئيس أو رئيس القطاع السياسي «المريس ومتيس» وبدون أن يُجاز من قِبل المكتب القيادي وكل مؤسسات الحكم والحزب؟!
إني مشفقٌ والله على المؤتمر الوطني لكونه الحزب الحاكم صاحب الغَلَبَة جماهيرياً ومن شأن عدم قيام مؤسسات الحكم الراشد في الحزب والدولة أن يؤثر على مسيرة الحكم وعلى الكيفية التي تُتخذ بها القرارات.. وأعلم يقيناً أن الحزب به من الكفاءات التي بمقدورها أن تطوِّر الأداء لو أُتيح لها ذلك بعيداً عن أسلوب إطفاء الحرائق ورزق اليوم باليوم الذي يتنافى تمامًا مع الأساليب العلمية الحديثة لاتخاذ القرار المؤسَّس على مرجعيّات وإستراتيجيات تحكم مؤسسات الحكم والدولة.
إننا في حاجة إلى إستراتيجية للتعامل مع الجنوب بعد أن أصبح دولة قائمة بذاتها.. دولة تصدُر عن عداء تاريخي وإستراتيجي يتبدَّى في الأوضاع التي تكتنف ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان وأعجب أن تُرسم إستراتيجية لمعالجة الأزمة الدارفورية ولا توضع إستراتيجية للتعامل مع الجنوب الذي بات ما يأتينا منه من مشكلات يومية هو شغلنا الشاغل وإذا كان سلفا كير قد دشّن دولته الجديدة بخطاب صريح تحدَّث فيه عن خطة الجنوب في دارفور وولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان وأبيي مما نشهد تجلياته هذه الأيام في التوترات التي تعصف بالولايتين الحدوديتين فإن الأمر يحتاج إلى أن نوليه اهتماماً كبيراً ذلك أن خطاب سلفا كير ليس بعيداً عن أجندة الدول الداعمة له بأطماعها المعلومة في السودان الشمالي.
لن أستفيض في هذه العجالة لكني أقول إن إسقاط حكم الحركة الشعبية في جنوب السودان ينبغي أن يكون الهدف الإستراتيجي لأية إستراتيجية توضع للتعامل مع الجنوب باعتبار أن ذلك هو السبيل الوحيد لإنهاء التوتر وإبطال الأجندة المعادية للسودان الشمالي.[/JUSTIFY]
الانتباهة