وبذات السرعة لم تنفِ الحكومة ووفدها، بل جاء النفي أولاً من المؤتمر الوطني عبر أمين إعلامه البروفيسور غندور، بأن ذلك لم يحدث أبداً ولم يتم الاتفاق على هذه المسألة على الإطلاق ومازال الحوار حولها يجري كما النهر السكوب، ثم تبرع عدد من الممسكين بملف المفاوضات الاقتصادية مع الجنوب بمد الصحف بالمعلومات الصحيحة، ولولا حديث باقان وكذبه وإدعائه لما علم الناس هل تم الاتفاق أم لا.
والعلة هنا أن الحكومة تحرص هي والوسيط الإفريقي الرئيس السابق لجنوب إفريقيا ثابو مبيكي، على أن تظل المفاوضات بكماء، معصوبة العينين بعيدة عن التقاط وسائل الإعلام والصحف، وهذا منهج غير فعَّال ولا يجدي في عالم اليوم الذي لا يمكن فيه أن تحبس كل شيء في غرف مغلقة وقاعات سميكة لا ينفذ من جدرانها شيء، ولذلك يجد من يريد البلبة والتزيد السياسي مثل باقان الفرصة للترويج لأكاذيب وتضليل الرأي العام هنا وهناك.
إذا كانت الحكومة بالفعل لا تساوم ولا تجامل في حق الشعب السوداني وموارده ومصالحه، فعليها أن تتعامل بكل وضوح مع هذه القضايا، والأفيد لها وللحقيقة أن تجعل من مشاركة وفدها في التفاوض قابلة للتعرض لمساقط الأضواء ولواقط الأصوات، بدلاً من القصف الكلامي والقصف المضاد، كما حدث في تبادل التراشق بالتصريحات والمعلومات بين الوفدين في البلدين.
فالقضايا العالقة لا تحتمل التطفيف ولا المساومة ولا المداراة التي تتعامل بها الحكومة والوساطة، فليكن كل شيء على الطاولة، وليس لدينا ما نخسره في ذلك، ما دام أمر تأجير الخط الناقل تحكمه لغة السوق ومعايير التجارة والعلاقة الاقتصادية بين البلدين، فما الذي يمنع من تداوله علناً بدلاً من ترك المبادرة فيه للطرف الآخر الذي سمم الأجواء ويريد تحقيق نقطة لصالحه في مضمار ما يُقال وما لا يُقال.
وأهمية هذه المفاوضات بالنسبة لنا ولمصالحنا الاقتصادية واضحة كالشمس، فالعملة مثلاً يجب أن تحسم بسرعة لأن جنوب السودان يستخدم حتى الآن عملتنا التي قمنا بتغييرها، وهناك ما يزيد عن ملياري دولار يتم تداولها في الجنوب، ولا تُعرف القيمة الحقيقية لعملة جنوب السودان الجديدة ولا ضوابط استخدامها، فهي مجرد أوراق طُبعت بلا تغطية حددت قيمة صرفها بالجنيه السوداني التابع لنا، فبقاء الجنيه الخاص بنا متداولاً في الجنوب وإمكانية تسربه إلى هنا مع سريان استخدامه، فيه ضرر بالغ بالاقتصاد، فيجب اتخاذ تدابير عاجلة لمعالجة هذا الاختلال وما يترتب على تسرب المتداول من عملتنا في الجنوب ودخلوها سوق شراء العملات الأخرى أو أي مجال آخر، أو التسبب في ارتفاع نسبة التضخم التي تبلغ الآن 18 %.
وليس هناك من يرفض التعامل الاقتصادي مع دولة الجنوب أو إنشاء شراكة اقتصادية معها، في إطار المصالح والمنافع المشتركة، لكننا نرفض طريق الغش والابتزاز والإدعاء الأجوف الذي تمارسه حكومة الجنوب، فهي في آخر الأمر التي تخسر وليس نحن، فاقتصادنا يمكنه امتصاص أية صدمة ولن ينهار لأن بنيته قوية، والجنوب ليس له إلا هذا الزيت..!![/JUSTIFY]
الصادق الرزيقي
الانتباهة