الخبر جاء عن القائم بالأعمال السوداني الشمالي السفير عوض الكريم الريح أول قائم بأعمال سفارة السودان في دولة جنوب السودان والذي أكد ـ حسب الصحيفة ـ «إمكانية توصُّل البلدين إلى اتفاق حريات أربع»!!
بعد أن بدأت العافية تدبُّ في جسد الشمال يُدلي سفيرنا المحترم بهذا التصريح الذي أرجو أن نتلقّى نفياً من وزارة الخارجية أنه لم يصدر عنه أو أن يُطلب إليه أن يضبط تصريحاته فهذا ليس من شأنه البتة.
أقول إننا بدأنا نتنسم عبير الانفصال فقد أعلن وزير المالية علي محمود أنه في اللحظة التي أُعلن فيها الانفصال ارتفع مستوى دخل الفرد في السودان الشمالي ذلك أن الجنوب كان يُلقي بثقله وإحباطاته وأزماته وأمراضه وبلاواه على السودان حيث تؤخذ الإحصائيات من متوسط دخل الفرد في الشمال والجنوب وتصدر المؤشرات الإحصائية وتُنشر على العالَمين في تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية فعندما يتحدث العالم عن التعليم والأمية مثلاً يأتي السودان في مؤخرة العالم وكذلك الحال بالنسبة للشفافية التي كثيراً ما كتبت صحيفة «أجراس الحرية» بمانشيتات عن تدني السودان واحتلاله المركز الأخير في مؤشراتها وهكذا دواليك في كل شأن من الشؤون.
عندما اعترف داك بيشوب وزير العمل الجنوبي قُبيل إعلان الانفصال بانخفاض الإيدز في الشمال بعد الانتخابات التي أدت إلى نزوح كبير إلى الجنوب كتبنا أنها شهادة شاهد من أهله كونها جاءت من وزير جنوبي ومعلوم أن جنوب السودان موبوء بالإيدز لعدة أسباب من بينها أنه يقع في حزام الإيدز حيث يجاور عدداً من الدول التي يكثر فيها ذلك المرض الخطير.
حدثني ـ والله العظيم ـ مسؤول كبير عن أن تقارير الجريمة في اليوم التالي لإعلان الانفصال كانت صفراً في الخرطوم ربما لأول مرة في التاريخ الحديث!! طبعاً في ذلك اليوم أصبح الجنوبيون أجانب ومعلوم أثر ذلك على سلوك الأفراد الذين يعلمون تماماً ما يُتيحه القانون للمواطن من حقوق وما يُلقيه على كاهل الأجنبي من ضوابط سلوكية فمثلاً قبل يوم 9/7 كانت صانعات العرقي يدخلن سجن أم درمان ويبقَيْن فيه مدة العقوبة ثم يخرجن ليدخلن مجدداً أما بعد ذلك اليوم فإن صانعة العرقي والمريسة تُنقل إلى الجنوب بدلاً من البقاء في الخرطوم أو سجن أم درمان وقس على ذلك!!
معلوم الفارق الحضاري بين الشمال والجنوب جرّاء الحرب التي أدت إلى تخلف الجنوب مما أنتج عدة أدواء وعاهات اجتماعية وآثار اجتماعية وثقافية سالبة.
أخطر من كل ذلك، وهذا ما دعاني لتناول تصريح القائم بالأعمال، الجانب الأمني الذي يُدهشني أن بعض السياسيين يتغافل عنه ولا يوليه ما يستحق من اهتمام حين يتحدثون عن الجنسية المزدوجة أو الحريات الأربع أو الحرية الواحدة ذلك أن انفصال الجنوب يختلف عن انفصال أية دولة أخرى في العالم فما من دولة انفصلت عن الأخرى كانت تحمل مشروعاً لاحتلال الدولة الأم غير دولة جنوب السودان التي تنطوي على مخطَّط لا يختلف عن المخطَّط الإسرائيلي التوسعي في شيء..
أعني المخطط الذي يقوده اليوم عرمان وعقار والحلو مما يسمى بالجنوب الجديد الذي زرعته نيفاشا في أحشاء السودان ممثلاً في جنوب كردفان التي اشتعلت فيها الحرب والنيل الأزرق التي يقوم عقار هذه الأيام بإعداد العدة لفتح جبهتها من جديد وهو ما يُعرف بالخطة «ب» لإقامة مشروع السودان الجديد واحتلال الشمال بعد انفصال الجنوب بعد أن فشلت الخطة «أ» لاحتلال السودان جميعه وإخضاعه لحكم الحركة الشعبية من خلال الوحدة.
لذلك فإن الدول الغربية ــ وأعني شركاء الإيقاد الذين رعوا نيفاشا ــ ما انفكَّت تدعو إلى الجنسية المزدوجة ثم بعد أن فشلت في تحقيقها ظلت تدعو إلى الحريات الأربع حتى تتيح وجوداً جنوبياً يمثل حصان طروادة ليُستعان به في إنفاذ خطة الحركة لإقامة مشروع السودان الجديد وهل أحتاج إلى التذكير بأن عرمان حتى بعد أن سُحب من السباق الرئاسي حصل على أعلى الأصوات بعد رئيس الجمهورية متجاوزاً الصادق المهدي بتأييد أبناء الجنوب في الشمال والجنوب؟!
إن الخطر الأمني من خلال زرع «الخلايا النائمة» أمرٌ لا خلاف عليه وإذا كانت الدول تزرع عملاءها في جسد الدول المعادية فإن الجنوب لا يحتاج إلى كبير عناء عندما يترك ملايين من أبنائه خلفه قبل أن يغادر إلى دولته المستقلة خاصةً عندما يُتاح لأبناء الجنوب وبالقانون حرية الإقامة في الشمال بل والعمل وعجيبٌ والله أن تحرص الحركة على الانفصال وتناله بأكثر من 79% بعد أن قال الجنوب في الشمال والشماليين أكثر مما قال مالك في الخمر ثم تسعى للتمتُّع بحقوق الشماليين الذين وُدِّعوا بعبارات السخرية والبغضاء «باي باي للعبودية»، «باي باي للاستعمار» يعني طمع مدهش يجعل هؤلاء يقررون الانفصال ثم يطلبون خيرات الوحدة!
وتجد رجالاً في قامة الصادق المهدي بدون أدنى حسابات سياسية أو أمنية يوافقون على ذلك بل على الجنسية المزدوجة في تجاهل عجيب لما ينطوي عليه ذلك من أخطار أمنية ومخططات ومشاريع معلنة أمام أنظار العالَمين!!
إن قضية الهُوية والتجانس من المسائل التي لا يحتاج الإمام الصادق إلى «درس عصر» فيها فهو جدير بأن يقدِّم فيها المحاضرات ذلك أنه يعلم أن التنازُع والتشاكس والصراع ينشأ أكثر ما ينشأ من التنازُع حول الهُوية فهل بعد أن حرَّرنا الله تعالى من فترة التيه وأسباب التباغض نعود القهقرى إلى المربع الأول بدلاً من المضي قدماً نحو تأسيس دولة تدير ظهرها لكل سوءات ومصائب الوحدة مع الجنوب الذي كان السبب الأول والأكبر في الاضطراب السياسي الذي خرب مسيرتنا السياسية وأعاق تقدمنا؟!
إني لأطلب من الأخ أحمد إبراهيم الطاهر أن يراعي عند طرح قضية دينكا نقوك بعد أيلولة أبيي للشمال.. أن يراعي مشكلة ضبط من ينتمون إلى تلك القبيلة حتى لا يتسلَّل عبر ذلك المنفذ كل الدينكا لكني أطلب قبل ذلك أن يُستثنى دينكا نقوك ويلحقوا بالجنوب فهم جنوبيون حتى لو كانوا من سكان أبيي وهل من جنوبيين أكثر من الدينكا؟![/JUSTIFY]
الانتباهة – الطيب مصطفى