وقال تعالى: (الذين استجابوا لله والرسول من بعدما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم) سورة (آل عمران الآية 172).
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد رسول الله الأمين وعلى آله وصحبه والتابعين إلى يوم الدين.
الأخ رئيس الهيئة التشريعية القومية..
الإخوة والأخوات/ أعضاء الهيئة التشريعية القومية..
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أخاطبكم اليوم في مطلع حقبة جديدة من تاريخ السودان، بمناسبة استثنائية، وكنت قد خاطبت مجلسكم بداية دورتكم الحالية عن شأن السلام الذي ننشده، والأمن والاستقرار الذي نبتغيه ليهنأ أهل السودان بما لم يتحقق لهم منذ سنوات طويلة، وحدثتكم عن اختيار إخوتنا في الجنوب الانفصال لإقامة دولة مستقلة، في يوم السبت 9/7/2011م خاطبت الاحتفال المعلوم بجوبا، وافتتحنا سفارتنا لتكون أول سفارة معتمدة هناك، ولما كانت سياستنا الخارجية مع دول الجوار قائمة على التعاون والتكامل وحيث أن دولة الجنوب ستكون الأطول حدوداً والأكثر تداخلاً ثقافياً وسكانياً فإنني اليوم أؤكد أمامكم ما أعلنته في جوبا أن علاقاتنا بدولة الجنوب الوليدة سيكون قوامها احترام العهود، والسعي الجاد لتعزيز الاستقرار، وبناء علاقة جوار متميزة وإيجابية، ومراعاة المصالح المشتركة، والمحافظة على الروابط النفسية والوجدانية والاجتماعية الراسخة بيننا وإخوتنا بالجنوب، وهي ذات المعاني التي أوردتها في خطاب الدورة أمامكم، ذلك أن قناعتنا الراسخة أن الانفصال لا يعني الانقطاع، وكانت دعوتنا وما زالت لإخوتنا في دولة الجنوب الوليدة، أن يكون هدفنا المشترك، النظر إلى المستقبل، والعمل للبناء والتقدم.
إننا بذات الروح التي مضينا فيها لتطبيق كافة بنود الاتفاقية سنقبل على معالجة المسائل المتبقية والعالقة رغم حساسيتها ويستمر تعاملنا جاداً وصادقاً مع الآلية رفيعة المستوى المفوضة من الاتحاد الأفريقي برئاسة الرئيس ثابو أمبيكي بشأن موضوع أمن منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، هدفنا من ذلك استتباب الأمن وبسط سلطة الدولة وتنفيذ استحقاقات اتفاقية السلام بما يتعلق بالترتيبات الأمنية.
ومع سعينا الحازم لتنفيذ بند الترتيبات الأمنية من اتفاقية السلام الشامل، نعمل لإكمال إجراءات المشورة الشعبية وفقاً لأحكام القانون الذي أجازه مجلسكم العام الماضي،وأنني أُطمئن أبناء منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق أننا حريصون على توسيع المشاركة السياسية العادلة لهم، وتمكينهم من قيادة شأنهم، وسنمضي قدماً في تنفيذ البرامج التنموية عالية التركيز على (الولايتين) بحسبانهما أكثر تأثراً بالحرب، حتى تلحقا ببقية الولايات، وأن تتقدما تنموياً بالإمكانات والموارد الطبيعية المتوفرة بهما.
إن المشورة الشعبية هي في الأساس فرصة، لإدارة حوار مع أبناء الولايتين، عبر آليات نص عليها القانون، للوصول إلى فهم مشترك، وتحقيق الآمال والتطلعات للنهوض سياسياً واقتصادياً، وذلك لا يتم إلا تحت سقف الولاء والمسئولية الوطنية بين أبناء السودان، ومن هذا المنطلق فإن الحكومة تجدد حرصها دائماً وتعمل من خلال التحاور والوضوح مع المواطنين.
ولا يفوتني أن أذكر إننا بصدد تعديل قانون المشورة الشعبية لتمديد القيد الزمني الذي حدده القانون، حتى يتسع الوقت لأبناء الولايتين لمزيد من التشاور لمعالجة أوضاع المنطقتين.
سوف نستمر في معالجة الأوضاع في السودان سياسياً واقتصادياً وأمنياً ودبلوماسياً، بنهج قويم، هدفنا الرئيس في ذلك ترسيخ الاستقرار وتأكيد الاطمئنان، وتلبية احتياجات المواطنين والتفاعل مع طموحاتهم منطلقين من إيمان راسخ أن نسير على الطريق الصحيح، ومنتبهين إلى العقبات التي أمامنا لنتخذ الإجراءات المناسبة لتفاديها.
وإيماناً بحق الأجيال المقبلة في سودان آمن متطور، فإنني أود أن أشارككم وقد دخلنا تاريخياً في مرحلة جديدة هي جمهورية ثانية، الخطوط الرئيسية للمرحلة المقبلة التي نتجاوز بها مرحلة الحروب، إلى مرحلة السلام، من مرحلة التعافي إلى النهضة، وعلينا في سبيل ذلك التحلي بالمثابرة وبالصبر حتى تسير الأمور إلى الأحسن والأوفق بإذن الله.
إن المبادئ التي تقوم عليها الجمهورية الثانية أساسها تأكيد الالتزام بسيادة حكم القانون وبسط العدل، وبث الروح الوطنية، وضمان حقوق المواطن، وإتباع التجرد والشفافية في اتخاذ القرارات، والنزاهة في صرف المال العام، والمحاسبة، واعتماد معايير الكفاءة، ليكون الإنصاف قائدنا وحادينا.
إن السودان بحدوده الجديدة سيكون أكثر قدرة على حسن الإدارة والدفاع، وتقديم الخدمات واستكشاف الثروات وابتدار فرص الاستثمار وتحقيق النهضة بإذن الله وتوفيقه.
وإننا لنجدد الثقة بالشعب السوداني، ووعيه وصبره وتوكله على الله، فالشعب السوداني هو سندنا في سعينا، لإحداث هذه النهضة بإذن لله، متخذين السياسات والإجراءات الاقتصادية والمالية المناسبة، لتعويض ما نقص من مورد البترول، وذلك من خلال خفض الإنفاق العام، وترشيد الصرف ومراجعة أولويات التنمية، وتنويع الإنتاج وزيادة الصادرات وإحلال الواردات ومضاعفة الإيرادات، وتشجيع الاستثمار الوطني والأجنبي، وفي هذا السياق وضعنا برنامجاً إسعافياً للسنوات الثلاث القادمة، سيقدم لكم وزير المالية والاقتصاد الوطني تفاصيله وبرامجه، وقد مهدت له حزمة الإجراءات التقشفية التي بدأنا جانباً منها، كما سنطرح عليكم تعديلاً لقانون الموازنة الجارية لاستيعاب هذه المتغيرات الجديدة دون أن يتضمن مشروع التعديل فرض رسوم أو ضرائب جديدة.
كما تتضمن حزمة الإجراءات الاقتصادية إصدار عملة جديدة في الأيام القادمة وفق ما سيفصله البنك المركزي لمقابلة مستحقات الانفصال وما ترتب عليه من إجراءات إصدار عملة خاصة بدولة جنوب السودان.
ومن جانب آخر فقد شرعنا في تعزيز الشراكات الاقتصادية في مجالات البترول والمعادن والزراعة مع دولة الصين الصديقة ودول أخرى ومع الصناديق العربية وماليزيا وتركيا والهند والبرازيل،
وتشمل الخطط والشراكات المذكورة مشروعات وبرامج تغطي كل ولايات السودان، بما يفتح آفاقاً واسعة للنهوض والانطلاق في مجالات التنمية وتوفير فرص العمل وتحسين أحوال معاش المواطنين.
وعلى صعيد دارفور فإننا ماضون في إنفاذ خطط ومشروعات التنمية والأمن والسلام الاجتماعي فيها وستشهد العاصمة القطرية الدوحة بعد غد الخميس الرابع عشر من يوليو الجاري بإذن الله التوقيع على الوثيقة النهائية التي تطوي ملف أزمة دارفور.
إن توقيع تلك الوثيقة سينقل الأوضاع في دارفور الحبيبة إلى أفق جديد، وهنا فإننا ننادي قوى الخير والسلام إلى العمل معنا لتعزيز استقرار دارفور وتنميتها لتصبح في مقدمة قاطرات البناء والنهضة للسودان كله.
الإخوة والأخوات
سنمضي قدماً والسودان يدخل مرحلة الجمهورية الجديدة في الحوار الوطني مع جميع مكونات المجتمع السياسية والاجتماعية والأهلية لتحقيق توافق وطني واسع عريض حول رؤية إستراتيجية جامعة، وسيستمر الحوار السياسي لتشكيل تفاهمات تشمل الحكم وآلياته وهياكله وتتضمن مبادئ موجهة لوثيقة الدستور الدائم تقوم على إعداده لجنة قومية واسعة يعرض بعدها عليكم في الهيئة التشريعية القومية ثم على استفتاء شعبي حر، وستشهد الأيام المقبلة بدء المشاورات لتشكيل تلك اللجنة والتي ستضم في عضويتها فقهاء في الدستور وخبراء في القانون والسياسة والاقتصاد.
وإننا ندعو المواطنين كافة وكل حادب على مصلحة الوطن أن يشارك في هذا الحوار الوطني الجامع بروح المسؤولية ومن منطلق ضمير وفكر لا حجر عليه، وعبر منابر تتسع للرأي والرأي الآخر، ويؤكد هذا العزم خلو صحائف جهاز أمننا الوطني من أية حالة اعتقال سياسي بسبب الرأي المعارض أو المخالف للحكومة، ولمزيد من تأكيد الرغبة الصادقة في تهيئة مناخ الحوار المعافى فقد أصدرت توجيهات لمراجعة حالات من يجري معهم التحقيق حالياً لإخلاء سبيل من لم تقم عليه بينة تثبت ارتباطه بحركات تمرد إرهابية أو عنف تقضي إحالته للنيابة العامة.
الإخوة والأخوات
إن المهام والواجبات التي طرحتها تتطلب منكم إخواني وأخواتي أعضاء الهيئة التشريعية القومية ومن كل المواطنين ومن كل مراكز البحوث والجامعات فضلا عن القوى والأحزاب السياسية المختلفة الإسهام في بناء السودان وتطوره، وقد وجهت سائر الأجهزة التنفيذية والإدارية في الدولة لتلقي أي مقترحات بناءة ومفيدة تدفع بالسودان نحو الرفعة والتقدم.
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل .
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى.[/JUSTIFY]
الراي العام